بينما أنا جالس أستمع إلي كلمات من الذكر الحكيم بإمعان واستمتاع .. إذ تخرج من فم تلميذتي التي بلغتْ العاشرة من عمرها وهي تقرأ القرآن قراءة متقنةبالأحكام ودقة تلاوة.. تمثلتُ في هذه الأجواء قول الشاعر سان ساينس في مقطوعته الشعرية :" قلبي يتفتح لصوتك كما تتفتح الأزهار لقبلات الصباح " وبينما قلبي يتفتح للصوت الندى كما تتفتح الأزهار.. فإذا بالموبايل يقتحم علينا هذا الجو الإيماني بأغنية شهيرة هذه الأيام مطلعها " تسلم الأيادي.. تسلم يا جيش بلادي"!.. لنهبطَ من هذا الجو الإيماني المعطر علي صيحات طفل لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره وهو يصيح في وجه خالته المنتقية:"أنت حطة نغمة السيسى الكافر".حينما سمعت هذه الرصاصات التكفيرية تخرج من بين ثنايا هذا الطفل البرئ حزنت من أعماق قلبي.. لأنها الكلمات عندي أصدق انباءً من السيف في لفظهاالحد بين الجد و اللعب.. فقلت له مُغضباً : لماذا تكفر السيسى ؟فرد علي قائلاً:عشان بيقتل المسلمين. قلتُ له موضحاً : يا حبيبي هناك فرق بين المعصية وبين كفر فاعلها .. فلو أن رجلاً في الشارع يشرب خمراً.. فهل هذا حرام أم حلال ؟ فقال:حرام طبعاً. قلت:هل يصبح شارب الخمر كافراً ؟ قال :لا. قلت له :كذلك الأمر.. فقد نختلف مع الفريق عبد الفتاح السيسى في أسلوبه في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.. فقد قتل بعض المتظاهرين بلا ذنب والقتل المتعمد معصية يعاقب صاحبها في الدنيا والآخرة ـ إن لم يتب ـ أما أن نحكم علي شخص بعينه بالكفرهذا يا أحبتي أمر مرفوضاً وفي منتهي الخطورة. يا الله !! هذا طفل برئ لا تزال أفكاره غضة وعقليته قابلة للتشكيل.. وللأسف أسمعه يكفر شخصاً بعينه ... فهل نحفر في عقول أبنائنا فكر التكفير.. أم نربيهم على تعاليم الدين الصحيح وأساسيات الإسلام ومبادئه العظيمة التي هي أبعد ما تكون عنهذا الفكر الدخيل؟ أنا أعلم أن الطفل لم يكن يقصد بأي حال من الأحوال إخراج الفريق السيسى منالملة.. فهو بالتأكيد يردد فقط كلمة قد سمعها من أحدهم.. وهذا إن دل فإنما يدل علي أن الشعب المصري في الآونة الأخيرة - وللأسف - يعيش حالة يصفها القرآن الكريم في قوله تعالي: " كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْأُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْأُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ۖ ". لم أقصد هنا اتهام أي من الطرفين ـ المؤيد والمعارض ـ بأنه من أهل الناروالعياذ بالله - عفانا الله وإياكم منها - ولكن أخلاق بعض من الطرفين يشبه إلي حد كبير أخلاق أهل النار القبيحة. حيث الفريق القوي يلعن الفريق الآخر المخالف ويصفه بالإرهاب الغاشم .. بل يتهمه بتدمير البلاد وحرق العباد. وفي الجانب الآخر الفريق الضعيف يطلب للفريق القوي عذاباً ضعفاً في النار ويتهمه بالخيانة والعمالة والنفاق والتكفير ويتمنى تدمير الجيش المصري. إن فشل الإخوان المسلمون في إدارة البلاد لمدة عام أدي إلي احتراب داخلي بين أطياف المجتمع المصري نشأ عن هذا الاستقطاب تأزم الوضع السياسي..كان من المفترض أن تحل هذه المشكلة السياسية حلاً سياسياً.. ولكن تأتي الرياح بما لم تشتهى السفن.. فحُلت عسكرياً.. وأدي هذا الحل إلي تفاقم الأزمة .. فزادت حالة التخوين والتكفير والتفجير وغيرها من الاتهامات المتبادلة بين فئات كثيرة من المجتمع. فهل عُدمت مصر من العقلاءالقادرين علي إطفاء نار الفتنة التي اشتعلت بالفعل في مصر والعمل علي التصالح الحقيقي بين طائفتين من المصريين ؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نستهين بقوتهما وإن اختلفنا معهما .. أم أننا مصرون علي أن نعيش في ظل النظرية القاتلة القائلة : " كلما حكمتْ أمة كفرت أختها "،وفي رواية للمفكر الإسلامي د / ناجح إبراهيم ".. "كلما حكمت أمةأقصت أختها" وفي رواية للمفكر السياسي د / معتز بالله عبد الفتاح كل فريق حريص علي " ف,ش,خ" الآخر. إن العيش في ظل هذه النظرية ووفق تطبيقاتها الدموية العنصرية على الأرض قد يُحول مصر إلي لبنان أو سودان أخري.
وسطية للثقافة والحوار
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
23,974