كثر الكلام عن المشروع الإسلامى، وأثير حوله خلال الفترة الماضية جدل ولغط وصياح وتدافع، وروَّج له بعض الناس، ورفضه بعض الناس، وبدأت التهم تُرْمَى هنا وهناك، فهذا عدوٌّ لله ولرسوله لأنه معارض للمشروع الإسلامى، وذاك مناصر للمشروع الإسلامى، دون أن يتوقف أحد ليشرح للناس ماهية المشروع الإسلامى، حتى يعلم الناس على بصيرة أين موقعهم منه، فأحببت أن أرجع خطوة إلى الوراء، لأسأل، ما هو المشروع الإسلامى أولاً، قبل البحث عن أحكامه، ومتعلقاته؛ إذ لا بد من وضوح المعنى قبل الحكم عليه بأى حكم، والطرح الذى أقدمه هنا هو عصارة من عقل الأزهر الشريف العريق، فى فهم هذا الدين، ومعرفة علومه وتطبيقاته، ووضع اليد على مواضع الإشكال وأسباب العلل، التى تحتاج دون غيرها إلى عمل، وعند غياب هذه البصيرة الأزهرية فإن الضباب يكتنف المفاهيم، ويحدث حولها جدل ولجاج فى غاية العقم، ولا يفضى إلا إلى مزيد من الالتباس، وتعالوا لنبدأ القضية من معالمها الكبرى:
- المشروع الإسلامى هو: تقديم أجوبة عينية جزئية تفصيلية محددة، على أسئلة العصر ومشكلاته، فى النواحى الدبلوماسية، والإدارية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفلسفية، والمعرفية.
- وأن يكون ذلك منطلقاً من النموذج المعرفى المسلم، المكون من: نصوص الشرع، ومقاصده، وإجماعاته، وأحكامه، وتشريعاته، وأخلاقه، وقيمه، وقواعده الأصولية والفقهية، وسننه الإلهية، وآدابه وفنونه.
- وذلك عن طريق توليد العلوم والمناهج والتنظيرات، التى يمكن تحويلها إلى برامج عمل، ومناهج تطبيق، تؤول إلى مؤسسات، ونظم إدارة.
- وغاية هذا المشروع الإسلامى هو إنتاج تطبيقات معرفية وخدمية صانعة للمؤسسات والحضارة، تسرى فيها روح مقاصد الشريعة، من حفظ النفس والعقل والعرض والدين والمال، ومحبة العمران والسعى فى صناعته، واحترام الإنسان، وتعظيم الأصل والأساس الأخلاقى، والانفتاح على العالم، وإفادته والاستفادة منه، وبروز قيمة الطفولة، وقيمة المرأة، وحفظ البيئة، وحقوق الأكوان (إنساناً، وحيواناً، ونباتاً، وجماداً)، وسريان معنى الربانية فى ذلك كله، بحيث يفضى بالإنسان إلى ربه سبحانه، وهو نمط من الحضارة وتطبيقاتها، تتسع للمسلم والمسيحى واليهودى، والبوذى، والاشتراكى، والعلمانى، والليبرالى، واليسارى، والملحد، وسائر الملل والنحل، لا يشعر فيه أحد فى شئون المعاملة أنه مكره ولا مكروه ولا مضطهد، ومن لم يدخل فيه فإنه يستظل برحمته وعدله وشفقته وإنصافه، لأن هذا المشروع منتج للقيم، وناقل لها، وهو يصدّرها إلى الجميع.
- أساس هذا المشروع الإسلامى وأصله ومحوره وجوهره ومقصده وبَوْصَلَتُهُ ومؤشره هو منظومة الأخلاق، والمكارم الإنسانية، والقيم الرفيعة، واحترام الإنسانية، والسعى فى إسعاد الإنسان فى الدنيا والآخرة، وشعاره (إنما بُعثت متمماً لمكارم الأخلاق)، فكل تطبيق أو منتج يشوِّشُ على هذا المقصد، أو يفسده، أو ينحرف عنه، أو يفارقه فهو باطل.
- وهذا كله من قبيل تخريج الفروع على الأصول، وهذه وظيفة المجتهد أو المجامع الفقهية، والاجتهاد يتجزأ، وأعنى بذلك تخريج الفروع والعلوم الإنسانية، والإدارية، والاقتصادية على أصول الإسلام وينابيعه ونموذجه المعرفى، وفق مناهج الاستنباط المعتمدة فى أصول الفقه وعلوم المعقول.
- وكيفية ذلك مثلاً بمنظومة من الإجراءات، تشتمل على مراكز أبحاث، وحلقات نقاش، وورش عمل، تضم الفقهاء المحققين فى الفقه والأصول ومقاصد الشريعة وواقع العصر، مع جهابذة العمل الدبلوماسى وخبرائه مثلاً، بحيث تفضى تلك الإجراءات إلى رؤية، وخطة، ومعايير للتقييم، يتم بها استخراج كافة الإشكاليات والتصرفات والتطبيقات والأسئلة الجزئية التى تعترض الدبلوماسيين فى عملهم، مع فهم آفاقها ومشكلاتها ومآلاتها، وأثرها على علاقة الوطن بالقوى الدولية والأعراف الدبلوماسية المحيطة بنا فى العالم من حولنا، ثم يتم التداول فى كل ذلك، وتخريجه على أصول أهل الإسلام، بحيث يتم إيجاد رؤية وتحليل ومقترحات تسرى من خلالها مقاصد الدين وقيمه إلى هذا المجال، عن وعى واستنباط واستخراج دقيق لما يقدمه الشرع الشريف من أجوبة.
- ولا تتم الإجراءات المذكورة من حلقات النقاش، وورش العمل وغيرها إلا فى جوٍّ من الثقة المتبادلة، والصداقة الحميمة، والتقدير المتبادل، والحرص على تبادل العلوم والمعارف من كل الأطراف فيما بينهم، مهما تباينت الرؤى والمفاهيم، بل إن الذى يدفع الجميع إلى ذلك هو الحرص الكبير على بناء الوطن، ومشاركة كافة الطوائف فى ذلك.
- ثم يتم مثل ذلك فى النظم السياسية، ومفهوم الدولة، وشبكة علاقاتها بالأفراد وبمؤسسات المجتمع، ومعرفة وظائف الدولة المنوطة بها، والتقاطعات بينها وبين الحريات المختلفة، مع استيعاب للنظم السياسية المعاصرة، وخلفياتها الفلسفية عند توماس هوبز، وجون لوك، وهيجل، وغيرهم، ثم الرجوع بكل ذلك إلى معادن الشريعة وينابيعها، مع دراسةٍ وتطويرٍ وتمديدٍ وتوليدٍ لكتابات إمام الحرمين، والماوردى، وابن خلدون، وأمثالهم، حتى تتخرج هذه الفروع على أصول الشرع الشريف وتحقق مقاصده، فيتم بذلك صناعة مشروع تفصيلى جزئى عينى، يشتمل على أجوبة جزئية، بالقدر الذى يكفى لبناء العمل والتطبيقات عليها، على إشكالات العصر المتعلقة بذلك المجال، ثم إن النقد العملى والتطبيق الواقعى لهذه النظريات سوف يسهم فى توسيع آفاقها، وحَبْكِها، وتدارك الجزئيات التى لم يقع الالتفات إليها، ثم يبدأ طور آخر من الدراسة فى كيفية اتساق هذه المواد والقوانين والإجراءات مع النظم السياسية القائمة فى العالم من حولنا، فيشبه هذا العمل قول الإمام الشافعى رحمه الله: (أقمت عشرين سنة أطلب أيام الناس، أستعين بذلك على الفقه).
- ويتم مثل ذلك فى كافة النواحى الفلسفية، والمعرفية، والعلمية التجريبية، والاقتصادية، والإدارية، والخدمية، بحيث عندما يتكامل ذلك، فإن الناتج النهائى هو الذى يمكن أن يسمى مشروعاً إسلامياً.
- ومن أمثلة ذلك أن صديقنا المستشار مصطفى سعفان قد أعد دراسة عن الموانع والأسباب التى تحول دون تنزيل وتطبيق عدد من الأحكام الشرعية فى الواقع، فأحصى سبعمائة إشكالية، تحتاج منا إلى حل وأجوبة، وهى عصارة عمره فى العلوم القانونية، وفى مجال القضاء، ولم نقم إلى الآن بدراستها وتحليلها، واستخراج أجوبتها وحلولها، من بيت تضاعيف التراث الفقهى والقانونى والقضائى لهذه الأمة.
- ولا بأس بأن تتعدد المشاريع الإسلامية، إما لأن بعض الأصول النظرية التى بنيت عليها ظنية، أو أن مناهج الاستنباط ظنية، أو لأن كثيراً منها من قبيل الفروع والأمور العملية التطبيقية التى يمكن أن تتعدد فى ذاتها، فينتج من ذلك ثراء وبدائل وخيارات واسعة، وعدد من الأطروحات والحلول للقضية الواحدة، يرى الناس من خلالها اتساع الشرع الشريف لاحتياجات المكلفين، وما أودعه الله تعالى فيه من سعة.
- ثم إن هذا المشروع الإسلامى هو اجتهاد المسلمين فى تنزيل الشرع الشريف على واقع زماننا هذا، ويقوم المسلمون فيه بواجب زمانهم؛ فإن من وظيفة الشرع الشريف أن يقدم الحلول للحوادث الممكنة شرعاً، مع محاولة إيجاد البديل لما لا يمكن شرعاً، أو مع تقويم الجهة التى انحرفت فى الواقع عن الشرع الشريف، ولا بد فى ذلك كله من الرصد والتتبع والملاحقة لما يطرأ من تطور وتغير فى المفاهيم والفلسفات، حتى لا يتجمد المشروع عند جزئية بعينها، بل يظل قابلاً لتوليد أجوبة جديدة بمقدار كل تغير طارئ على المحالِّ والمجالات التى يتم بها تسيير حركة الحياة، ومن أهم سماته وخصائصه أنه يفرق بين الثوابت والمتغيرات، مع معرفة جهات التغير التى تتغير بسببها الأحكام، من الزمان، والمكان، والأحوال، والأشخاص، وغياب الفارق بين الثابت والمتغير، أو الخلط بينهما، أو تنزيل أحدهما منزلة الآخر، بما يؤدى إلى تجميد الشرع الشريف عند زمن بعينه.
- لا يمكن صناعة ذلك كله إلا على أرضية بحثية ومعرفية دقيقة من العلوم الإنسانية، حتى تنهض تلك الأطروحات على أساس منير ومستبصر بالخصائص النفسية والتفاعلات الاجتماعية للإنسان المصرى والعربى وغيره، وهذه الأرضية المعرفية لم نقم بصناعتها إلى الآن.
- الأسلمة القائمة على جلب منتج دبلوماسى أو إدارى صنعته حضارة أخرى، وقد استلهمت فيه أصولاً فلسفية مختلفة عنا، ثم نتكلف نحن تركيبه على خصائص نفسية واجتماعية مغايرة، ثم نتكلف تركيبه على الخصائص النفسية والاجتماعية للإنسان المصرى، ثم نقوم بتجميله ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والصياغات العربية، ثم ندعى أنه قد تمت أسلمته، وننادى بجعله مشروعاً إسلامياً، فيكون له شكل خارجى إسلامى، بينما تعمل كل مكوناته وجزئياته وأصوله المعرفية، ومنطلقاته النفسية وفق طرح فلسفى مغاير لهويتنا وحضارتنا، فإن كل ذلك يمثل جناية كبرى على الإسلام وعلومه، ويؤدى إلى الفشل، أو إلى مزيد من الانفصام وعدم الاتساق بين المفهوم القيمى الكامن فى النفس، وبين التطبيق المعيشى، يؤدى بصاحبه إلى صراع نفسى، أو انفصام فى الشخصية، أو حَوَلٍ معرفى ونفسى، وهنا لا بد من الإشارة إلى الفارق الدقيق بين مسيرة الأديان ومسيرة المذاهب الوضعية؛ فإن الأديان قبل أن تستقر فى الدساتير والقوانين، فإنها تكتب فى القلوب والضمائر، وينشأ بها سلوك إنسانى أخلاقى.
- لا يمكن لنا أن نصنع أى شىء من ذلك إلا بتنشيط البحث العلمى، وتشغيل الطاقات العلمية والبحثية الهائلة المبعثرة، والعقول العبقرية الخاملة، التى أصابها اليأس والإحباط والاختناق، من طول الإهمال، وشدة الفقر والتعقيد فى الوسط العلمى، مما آل إلى وجود جو خانق للإبداع والأمل، طارد للخبرات العلمية، لأن العمل الموصوف هنا مشروع قومى، تنخرط فيه أجيال من الباحثين، بعد أن يتم توفير كل الأدوات والإمكانيات العلمية والبحثية لهم، ولابد لكل هذا من تمويل ضخم جداً، لا يمكن وجوده فى ظل اقتصاد منهار، فصار واجب الوقت أولاً وقبل كل شىء هو توجيه كافة الفصائل والتيارات والقوى إلى إنعاش الاقتصاد، وتنشيط الوقفيات العلمية للإنفاق على البحث العلمى، ومن هنا يبرز دور مؤسسات المجتمع المدنى فى هذا الحراك الحضارى.
- والدعوة والإعلان والترويج لما يسمى بالمشروع الإسلامى -قبل تصنيعه واستنباطه من ينابيعه- أمر فى غاية الخطورة، لأنه يدعو الناس إلى شىء، ثم عند إقبال الناس وقبولهم يفاجأون بأنه لا إجابة لمشكلات عصرهم، أو بإجابات مرتجلة هزيلة، أو بجهل مطبق بالواقع، مما يفضى بالناس إلى التكذيب والتشكك فى وجود أى طرح إسلامى صالح لتسيير حركة المجتمع، وحياة البشر، ويجعل الناس غير قابلين لتصديق أى طرح إسلامى آخر بعد ذلك.
- مثال ذلك أن تخرج فئة من الناس بحملات دعاية إعلانية ترويجية ضخمة، تتكلف مئات الملايين، تدعو إلى شراء سيارة مصرية الصنع، حتى إذا اقتنع الناس وصدقوا وتوافدوا على الشراء، فوجئوا بمن يقول لهم: (سوف نبيع لكم، لكن بعد أن نقيم المناجم ونجمع العمالة اللازمة لاستخراج المعادن والخامات اللازمة والمتوفرة بالفعل لكن فى باطن الأرض، ثم إننا سوف ننشئ المصانع، ونجتذب الخبرات العالمية التى تساعدنا فى التصنيع، وبعد نحو ثلاثين سنة مثلا سوف نرسل لكم السيارة المطلوبة)، فلماذا كانت الدعاية الضخمة لنقبل على الشراء فوراً؟؟ إن الدعاية لشىء قبل تصنيعه يمثل خطراً كبيراً جداً.
- كل هذا فى ظل وجود تجارب فى أفغانستان والصومال والسودان وإيران وغيرها، آلت فى معظمها إلى الخراب والدمار والتفكك والتراجع لدولها ومجتمعاتها وأوطانها، وجعلت كثيراً من المفكرين والباحثين ينفرون من أى أطروحة تتكلم عن مشروع إسلامى، لأن كل التجارب السابقة كانت نتائجها مريرة، والسبب هو عدم قيامنا حتى الآن بصناعة المنتج الفلسفى والفكرى والتنظيرى والتطبيقى للأصول التى يمكن أن تنهض على أساسها دولة، مع اعتمادنا على شدة حضور أصولها فى نصوص هذا الدين وأطروحاته، فحصل عندنا انتقال ذهنى من حضور أصولها فى ينابيع الدين ومعادنه العليا، إلى مظنة أن مجرد وجود أصولها يكفى فى ترويجنا لها، وغفلنا عما يستوجبه ذلك من قيامنا كأمة، بالتصنيع والتنزيل والتخريج والتشييد لكافة إشكاليات العصر وفق تلك الأصول.
- يضاف إلى ما سبق -من العجز الذى وقعت فيه الأمة منذ زمن عن تنزيل معالم الدين بما يكفل استخراج أجوبة عن كافة إشكاليات العصر- أمر آخر شديد الأهمية، ألا وهو الغياب التام لأخلاق هذا الدين وقيمه، وبروز شراسة النفوس المريضة، التى تلوّح لبقية المجتمع بالتنكيل والويل والثبور، فى الوقت الذى تدعى فيه تقديم المشروع الإسلامى، مع العجز عن صناعة جزئياته، مما صنع عند المجتمع صورة شديدة السلبية، آلت عند بعض الناس إلى تكذيب الله ورسوله، ودفعت البعض إلى الإلحاد.
- هذا الشرع الشريف يشبه منجماً حافلاً بالمعادن النفيسة، والجواهر النادرة، لكن سريان هذه الجواهر إلى واقع الناس يحتاج إلى صناعة ثقيلة، وإلى علوم ومهارات متعددة، فيحتاج إلى الحفر والتنقيب، وإلى عمال المناجم، وإلى النقل، وإلى التعدين، والصهر، والطرق، والسحب، انتهاءً بتصنيع الأدوات الدقيقة، والآلات الصغيرة، التى هى الأجوبة النهائية على مشكلات العصر، فنحن فى حاجةٍ إلى إعادة تشغيل التروس والماكينات والمصانع، التى تأخذ هذه المواد الخام -المتمثلة فى نصوص الوحيين- وتقوم بتصنيعها، لإخراج المنتج الذى يلبى احتياجات العصر.
ومشكلتنا هى أن التروس والآلات التى تصنع المنتج قد امتلأت بالصدأ، ولم تعمل منذ زمن، والذى يشير إلى ذلك كله هو قول الله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، فالاستنباط صناعة ثقيلة، قائمة على التوليد والتصنيع والتخريج والإلحاق، حتى تتولد وتتأسس وتنشأ الإجابة عن أسئلة العصر ومشكلاته، بما يحقق مقاصد الشرع الشريف، ويحقق رخاء الإنسان وإسعاده فى الدارين، ويسترسل به نور العلم على المجالات المختلفة، والعلم الذى خوطب به العباد رحمة وراحة، فأزمتنا وورطتنا ناشئة من عدم قيامنا بقوله تعالى: (يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
- المؤسسات العلمية الأكاديمية الكبرى كالأزهر الشريف -من حيث هو علوم ومناهج وتاريخ وتجربة علمية عريقة- هى القادرة على القيام بصناعة هذا المشروع الإسلامى، شريطة توفير التمويل اللازم، والجو العلمى، وتفريغ القدرات العلمية الفذة.
- التجارب السابقة اجتهدت فى القيام بواجب زمانها، ونحن نحتاج اليوم إلى الوقوف على مناهجهم دون مسائلهم فقط، لأن كثيراً من تلك المسائل مرتبط بظروف عصرهم، فلا تقدم أجوبة لإشكالات عصرنا هذا، لكنها مشتملة على مناهج صالحة للتعامل مع الوحى المجرد المتعالى على الزمان، ثم لا بد أيضاً من الاستفادة من تجارب العلماء الأجلاء: العلامة قدرى باشا، والفقيه الدستورى والقانونى السنهورى، والعلامة مخلوف المنياوى، وشيخ الإسلام حسن العطار، والدكتور حامد ربيع، والعلامة الشيخ محمد عبدالله دراز، والدكتور محمد عثمان نجاتى، والشيخ طنطاوى جوهرى، والعلامة الشيخ على جمعة، وعشرات من الشخصيات المشابهة، التى سلكت هذا المسلك، ووقفت على هذا البرزخ الفاصل، والتى اجتهدت قدر وسعها فى القيام بواجب زمانها.
- هذا العمل الضخم الواسع المترامى الأطراف يشبه مراحل الصعود فى تاريخ الأمم كلها، حيث تكون فترة طويلة ممتدة، ومرهقة وشاقة، تعكف فيها كل أمة أو دولة أو حضارة على استرجاع هويتها وأصولها، وتعكف على الاختيار والانتقاء مما هو محيط بنا من التراث العالمى، وذلك من خلال عيونها المتمثلة فى الخبراء والعلماء والكفاءات الكبيرة النادرة، فى كافة المعارف والعلوم، مع براعة فى تركيب نتاجهم، بحيث يتأيد بعضه ببعض، ويفضى إلى صناعة رؤية واختيار لهذه الأمة، صالح للتفاعل مع نظم العالم من حولنا.
- أرسلت هذه الصفحات إلى عدد من المفكرين والعلماء، لأستنير برأيهم فى هذا الطرح، حرصاً منى على عدم الاستبداد برأى، ولكى تكون الأفكار المطروحة هنا قد تداولها عدد من العقول الكبيرة، من ذوى المكانة الجليلة علماً وفكراً، فأرسلته إلى العلامة الشيخ على جمعة (مفتى الديار المصرية سابقاً، وعضو هيئة كبار العلماء)، والعلامة الشيخ شوقى علام (مفتى الديار المصرية)، والأستاذ الدكتور محمد مهنا (أستاذ القانون الدولى بجامعة الأزهر، ومستشار الإمام الأكبر شيخ الأزهر)، والأستاذ الدكتور معتز عبدالفتاح (المفكر السياسى الكبير)، والمفكر الإسلامى الشيخ الدكتور ناجح إبراهيم، وفضيلة الشيخ الحبيب على الجفرى، والعالم المتكلم المحقق الشيخ سعيد فودة، والمفكر الإسلامى الأستاذ كمال الهلباوى، والأستاذ معز مسعود، وفضيلة الدكتور إبراهيم نجم (مستشار فضيلة المفتى)، وتناقشت فيه مع الأستاذ الكبير مختار نوح، وغيرهم، وقد أبدى الجميع ترحيباً كبيراً بما اشتملت عليه هذه الأطروحة من أفكار.
- كما أننى أرسلته إلى شيخنا العلامة الفقيه الجليل الشيخ عبدالله بن بية (نائب رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين)، وأنتظر رده، وأرسلته إلى الدكتور عمار على حسن، والدكتور عبدالفتاح ماضى، والأستاذة الدكتورة عبلة الكحلاوى، وعدد كبير من المفكرين الذين أنتظر رأيهم فى هذه الأطروحة.
- وأخيراً فإننى أوجه الدعوة إلى الباحثين والمفكرين والمهتمين إلى تحويل هذه الأطروحة إلى ندوة أو أمسية ثقافية، أو ورشة عمل، بحيث يتم صقلها وتداولها ومناقشتها من كل صاحب رأى حر.