لست ممن يعتقدون أن المخرج الوحيد من الأزمة السياسية الراهنة في مصر يكمن في فض الاعتصام في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقوة.. تمهيداً لإخراج تيار الإسلام السياسي من معادلة السياسة في مصر عن طريق تهميشه واستبعاده كما يرى البعض. وفى تقديري أن الحل السياسي هو الأفضل وأنه مازال ممكناً..
وقد طرحت مؤخراً أفكاراً ومبادرات عديدة للخروج من الأزمة. ربما كان أهمها المبادرة التي طرحها الدكتور سليم العوا والمستشار طارق البشرى وعدد آخر من الشخصيات القريبة من تيار الإسلام السياسي.. وتتضمن هذه المبادرة خمسة عناصر أساسية هي: عودة الدكتور مرسى لممارسة مهام منصبه شكلاً على أن يقوم بتفويض سلطاته كاملة استنادا إلى نص المادتين ١٤١ و١٤٢ من دستور ٢٠١٢.. إلى رئيس وزراء جديد يتم التوافق عليه وعلى حكومته في أول جلسة حوار سياسي. تقوم الوزارة المؤقتة على الفور بالدعوة لانتخابات برلمانية لاختيار مجلس جديد للنواب على أن تجرى هذه الانتخابات خلال فترة لا تتجاوز ٦٠ يوماً. تشكل وزارة دائمة عقب الانتخابات البرلمانية يفترض أن تعكس ما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية من نتائج وتوازنات سياسية. الشروع بعد ذلك في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم انتخابات رئاسية وفقاً للقواعد والشروط المنصوص عليها في الدستور. البدء في إجراء التعديلات الدستورية المقترحة.
ولنا على هذه المبادرة مجموعة من الملاحظات:
الملاحظة الأولى: تتعلق بغموض الوضع القانوني والسياسي والفعلي للدكتور مرسى خلال المرحلة الممتدة من دخول هذه المبادرة موضع التطبيق وحتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة. فالمبادرة لا تستند إلى النصوص الدستورية التي تنظم خلو منصب الرئيس بشكل مؤقت أو دائم.. وإنما تستند إلى نصوص تنظم حق الرئيس في تفويض بعض صلاحياته أو كلها سواء لرئيس الوزراء أو لأي مسؤول آخر في الدولة. ولأن التفويض أمر يتوقف إعماله أو إبطاله على الإرادة المنفردة لصاحب الاختصاص.. وبالتالي يستطيع سحب تفويضه في أي وقت.. فسوف يظل الدكتور مرسى خلال هذه الفترة هو الرئيس الفعلي للدولة المصرية من الناحية القانونية على الأقل..
وبالتالي لن يكون بمقدور أحد أن يمنعه من ممارسة صلاحياته متى وكيف شاء.
الملاحظة الثانية: تتعلق بالجدول الزمني المقترح لهذه المرحلة الانتقالية اللازمة لاستكمال بناء المؤسسات الدستورية وما قد يثيره من تعقيدات قانونية ودستورية. فالمبادرة تقترح إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً.. وهو ما سيتيح للدكتور مرسى أن يستعيد كامل صلاحياته بعدها.. إذ يفترض ذلك عقب أن يقوم رئيس الوزراء المؤقت بتقديم استقالته لرئيس الدولة بمجرد تشكيل البرلمان الجديد. لأنه لا يتصور منطقياً استمرار رئيس الوزراء المؤقت في ممارسة الصلاحيات المنقولة إليه بالتفويض من رئيس الدولة.. وأن يتولى بنفسه اختيار وتعيين رئيس الوزراء الجديد وفقا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في دستور ٢٠١٢. ولا شك أن هذا الوضع سيثير تعقيدات قانونية ودستورية خصوصاً إذا أسفرت الانتخابات البرلمانية عن نتائج غير حاسمة تجعل من إمكانية الاتفاق على رئيس جديد للوزراء يحظى بثقة البرلمان مسألة معقدة.. لذا أظن أنه كان من الأحرى والأوفق أن تنص على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات.. كي تصبح تحت إشراف رئيس الوزراء التوافق.. وأن يتولى الرئيس الجديد والمنتخب الإشراف بنفسه على استكمال عملية بناء المؤسسات في تلك المرحلة. ا
لملاحظة الثالثة: تتعلق بفرص التوصل إلى اتفاق حول شخصية رئيس الوزراء المؤقت.. والتي تبدو محدودة في ظل حدة الاستقطاب الراهن. لكل ما تقدم يبدو لي أن مبادرة الدكتور العوا يمكن أن تشكل بعد تطويرها نقطة انطلاق على طريق البحث عن تسوية مقبولة تحفظ ماء وجه الجميع. ولكي يصبح ذلك ممكنا يتعين: العثور أولاً على الشخصية التوافقية التي سيتعين تكليفها برئاسة الحكومة المؤقتة خلال الفترة الحساسة القادمة. إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً.. أي قبل إجراء الانتخابات البرلمانية. فهل يقبل أصحاب المبادرة تعديلها على النحو الذي اقترحته؟
وهل يمكن لطرفي الصراع قبولها بعد التعديل؟ آمل ذلك.. فكل السيناريوهات المترتبة على استمرار المواجهة تبدو باهظة التكلفة.