أصيبت مصْرُنا الحبيبة في الآونة الأخيرة بنوع من الفوضى العارمة في كثير من نواحي الحياة السياسية والإعلامية بل والدينية أيضاً
من يوم إلي آخر يخرج علينا بعض العلماء.. بفتاويهم المفخخة والتي قد تضر الدعوة أكثر مما تنفعها حيث نشرت إذاعة "سي ان ان" الإخبارية خبراً عن أحد العلماء يفتي ببطلان زواج معتصمي رابعة العدوية!! والسبب في ذلك –علي حد قوله- قولُ ولي العروس: "زوجتك فلانة بنت فلان البكر الرشيد في عهد الرئيس محمد مرسي" وقد تم عزله آن ذاك ولم ينص الطرفان علي قول (المعزول).
وهذا هو السبب الذي جعلَ هذا العالمَ الجليل أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن يفتي ببطلان وفساد هذا الزواج .. وينقله بهذه البساطة من نكاح إلي سفاح والعياذ بالله!.
سيدي العالم أنت تعلم جيداً أن وجود مثل هذه الألفاظ لا تؤثر علي صحة العقد.. لأن هذه الألفاظ ليست من أركان العقد ولا شرطاً من شروطه أيضاً بل ليس شرطاً من الأساس.
إنما هو توصيف لواقع وليس تعليقاً لوقوع العقد.. فالمعتصمون في رابعة العدوية يغلب علي ظنهم بقاء الدكتور مرسي في الرئاسة وقت إجراء العقد.. وهذا الظن وان كنتُ أخالفه - إلا أن له وجهة نظر دستورية كما بين العلامة الدكتور محمد سليم العوا .
بل إن كان شرطاً فاسداً فهو كما أسلفت ليس شرطَ صحة وقد ارتضاه الطرفان سيدي العالم.. قد أحزنني كثيراً وأنا تلميذك أن يحملنا ـ كدعاة وهداة ـ الخلاف السياسي مع الإخوان المسلمين إلي ليّ النصوص وتحميل النص الشرعي ما لا يقبل ولا يحتمل شرعاً ولا عقلاً .
أما الفتوى الأخرى.. والتي فجرها أيضا وللأسف أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر حينما سُئلَ عن رأيه في اقتحام
البعض لعدد من أقسام الشرطة والاعتداء علي بعض الكنائس كرد فعل لموقف الشرطة ـ الوحشي ـ في اقتحام ميداني رابعة العدوية والنهضة ؟.
أفتي هذا العالم :
" أن مجلس علماء الشريعة أعلن خروج جماعة الإخوان المسلمين عن الملة والطريقة الحنيفية وأنهم أصبحوا مرتدين " !!.
سيدي العالم ..
أولاً.. لم يقل أحد من مجلس العلماء ذلك.. أما إن كنت أنت تقول ذلك فاسمح لي أن أقول :
إن الاعتداء علي أقسام الشرطة واقتحام بعض الكنائس أمر يرفضه الشرع الحنيف ويأباه العقل الرشيد .. أما أن تطلق رصاصات التكفير علي جماعة بعينها فهذا أيضا أمر لا يُقبل شرعاً و لا عقلاً .
فلا بد من إقامة الحجة وتحقيق شروط إقامة الحجة كأن يكون الفاعل عالما قاصدا مختارا.. وأن تنفي موانع الجهل والتأويل والإكراه
سيدي العالم هناك فرق كبير بين فعل الكفر.. وكفر فاعله.. و قول الكفر وكفر قائله وهذا كله إن كان الفعل كفراً.
أما المشهد الذي نحياه في مصر فيعد جُرماً و ليس كفراً .
أن مثل هذه الفتوى المفخخة تنم - للأسف - عن عدم فهم للواقع وأيضا عدم فهم للنص الشرعي المناسب لهذا الواقع ـ وهو الموجب للواقع ـ .. بل لقد أصبحنا نعيش واقعاً يصفه بعض الشعراء قائلاً :
تصـدر للتدريس كل مهوس ** بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ** ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هَزلتْ حتى بدا من هُـزالها ** كَلاها وحتى سَامها كلُ مفلس
وأخيراً أقول : إن كانت فكرة التكفير قد تسللتْ وللأسف إلي بعض العاملين في الحركة الإسلامية لسبب أو لآخر فتلك مصيبة .. أما و أن يتبني بعض العلماء البارزين من أبناء الأزهر الشريف ـ وهو مرجعية أهل السنة في العالم ـ فكرة التكفير فالمصيبة أعظم.
أدعو فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلي تنقية الفكر الأزهري الوسطي من مثل هذه الأفكار الهدامة .
إن فكرة التكفير تعد قتلاً معنوياً للإنسان .. وهو عادة ما يسبق التفجير وقتل ذلك الإنسان مادياً بعد قتله معنوياً .
فعلينا أحبتي الكرام أن نحذر الوُلوج في هذا المستنقع الآسن مستنقع التكفير لمجرد اختلافنا سياسياً في الرأي ..فالتكفير شر كله فاحذروه.
الخميس الموافق: