في زيارة لصديقي محمد الميكانيكى وبعد أن كشف على العربية تمتم بعبارات غير مفهومة لمساعده ثم جاء وجلس بجواري بكل «عنتظة» وكأنه جراح انتهى من عملية معقدة.
سألته
خير يا محمد العربية فيها إيه؟
قال لي:
أبداً الأبلاتين لدع
فسألته: يعنى إيه لدع؟
فقال لي:
هو أنت فاهم يعنى إيه أبلاتين؟
قلت له:
لأ
قال لي:
طيب خلاص اسكت
قلت له:
حاضر.
بعد شوية وجدتنى أسأله:
طيب لما الأبلاتين بيلدع إيه اللي بيحصل ؟
قال لي:
العربية تبرجل وتطفي وحدها.
أعتقد أن الشعب المصري الشقيق "لدغ" أو أبلاتينه "لدع" للحفاظ على الدقة العلمية الميكانيكية.
طيب هتسألنى يعنى إيه "لدع"؟
سأقول لك:
هو إنت فاهم يعنى إيه أبلاتين؟.
الشعب المصري الشقيق فقد القدرة على التفكير المنضبط الذي يقول عنه أهل المنطق:
"التفكير الموضوعى" بعبارة أخرى القدرة على التمييز بين المعلومات والأمنيات والمخاوف والآراء الشخصية.
يعنى مثلاً:
عم محمود البواب رجل مخلص في عمله لكنه بيضرب ابنه بشكل غير آدمي.
مثلاً:
جبهة الإنقاذ الوطني تتصدر المعارضة ولكنها لا تفعل ما يكفى كي تتواصل مع المجتمع.
مثلاً:
فكرة مشروع الصكوك جيدة لكننا نرفض أن يتم مناقشته وتمريره الآن.
تخيل لو أننا ناقشنا العبارات السابقة على النحو التالي:
عم محمود البواب ده حرامي ونصاب وقليل الأدب وعلى اتصال بسلاحف النينجا لأنه بيضرب ابنه بشكل غير آدمي.
أو أن تقول:
جبهة الخراب "من بنى علمان" لا تعارض الإخوان وإنما تريد هدم الدولة وهدم البلد وهى عميلة للخارج.
وهكذا من ترهات لا دليل عليها إلا الأوهام الشخصية.
أو أن نقول مشروع الصكوك الإخوانى لبيع البلد وجزء من الإستراتيجية العليا التي يتبناها "الخرفان" لتدمير مصر والمصريين تحت الشعار التاريخي "طز في مصر".
الأبلاتين لدع حين تجد الناس تصف بعضها البعض بأنهم المتلونون الرماديون الخلايا النائمة علماني كافر.. أصولي متشدد.. ساكت عن الحق.. شخص حيادي في وقت البتاعات الكبرى ففي أسوأ مكان في البتاع.. وهكذا.
أتذكر أن شخصاً راسلني على "الفيس بوكبوك" .
وقال لي يا فلان:
إن مارتن لوثر كنج قال:
"إن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية العظمى».
فقلت له:
لقد صدق الرجل.
فقال لي:
ولكنك تقف على الحياد.
قلت له:
الخلاف واضح.
الرجل يدافع عبر وسائل سلمية تماماً "لا طوب ولا مولوتوف" من أجل حق السود والملونين في ممارسة حقهم في المساواة الذي هو مكتوب في الدستور ولكنه غير مطبق في الولايات.
ولو كنت معهم آنذاك لفعلت ما يفعلون هو ما كنت سأفعله دعماً لغاندي ورفاقه ودعماً لنيلسون مانديلا ورفاقه.. وهكذا.
لكن أنا غير واضح لي أين المعركة الكبرى في حالة مصر الآن.
هذه أنصاف مواقف من أنصاف سياسيين ومثقفين "أبلاتينهم لدع" إما يبحثون عن مصالحهم الشخصية أو وقعوا أسرى للمكايدة السياسية يضعون العصا في العجلة لبعضهم البعض ومش مهم البلد تخرب.
ويتبنون إستراتيجية "فيها أو أخفيها".. والشباب الثائر الذي ضحى من أجل مصر يدفع ثمن فشل هذه النخبة السياسية الحاكمة والمحكومة غير المقدرة لعظمة اللحظة التاريخية ويزايدون على بعضهم البعض في المواقف.
لكن لا حياد ولا معارك أخلاقية عظمى ولا هذه الكلمات الرنانة التي تصور الأمر على أنه معركة بين حق وباطل:
هي بين نوعين من الباطل كمن يريد أن يدمر البلد حتى لا يكسب العدو.
نفسي تقرأون قليلاً عن بعض ألد أعدائنا وتعرفون معنى أن تتجاوز النخبة خلافاتها الشخصية والحزبية والأيديولوجية من أجل الهدف الأسمى مصر.
أكرر هذه الكلمة عدة مرات:
مصر.. مصر.. مصر.
كتب بيريز "رئيس إسرائيل الحالي" عن بن جوريون "أول رئيس وزراء لإسرائيل":
حين يدخل عليك بن جوريون الحجرة فكن متأكداً من ثلاثة أشياء:
أولاً:
لن يطلب شيئاً شخصياً له.
ثانياً:
لن ينتقدك أو يشوه صورتك.
ثالثاً:
لديه فكرة جديدة لخدمة دولة إسرائيل.
مع الأسف هذه هي أخلاق أعدائنا.
قل لي من بين المصريين الآن يفكر هكذا.
وإذا كان ذلك كذلك:
"فالشعب لدع"
وسنحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه:
"باختصار".