يقول الله عزو جل في كتابه العزير"وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ"
يصف ربنا في هذه الآية حالَ اليهود والنصارى ، وعلاقتهم مع الآخر المخالف لهم في الاعتقاد ؛ فلا يقبلونه معهم ولا يمنحونه الرضا والمودة الخالصة حتى يتبع ملتهم
لقد سنت الحضارة الغربية سنة الإكراه في الدين ، واتخذت من القهر والبطش سبيلاً لنشر المسيحية ، بل لنشر مذهب واحد من مذاهبها ؛ فاليعاقبة في مصر والشرق اضطهدهم الأرثوذكس الملكانيون بالقتل والنفي والتشريد ، وقتل "الإمبراطور جست ينان " مائتي ألف من القبط في مدينة الإسكندرية وحدها حتى اضطر من نجا منهم من القتل إلى الهروب في الصحراء .
ولكن للأسف الشديد أصبح هذا الخلق المذموم خلق ..وهذا السلوكَ الأثيم سلوكَ ومنهج َ كثير من الناس والحركات والائتلافات والأحزاب بعد ثورة 25يناير!
فلن يرضى عنك أحد حتى تتبع حزبه وقائده ورمزه ، وحتى تنحازَ لرأيه وتتبنى فكره !
يقول القرآن الكريم.. معلقاً علي قصة أصحاب الكهف ومعاتباً اياهم لتركهم قومهم وما يعبدون من دون الله ؛ فلم ينهوهم ولم ينصحوهم ، بل مضوا واعتزلوهم ولاذوا بالاختباء ، فقال جل وعلا " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ؛
"وقل الحق من ربكم" فمن شاء فليتفق ومن شاء فليختلف ..فالاختلاف سنة كونية..
لا تكن سلبيا ولا تكن إمعة لا رأي لك ، وإن اتهمك الناس في دينك وفكرك .
"وكأن بعض الناس يؤصلون للنظرية الخاطئة والتي يرفضها الشرع والعقل التي تقول" إذا أردت أن تعيش شريفاً وتموت كريماً ويذكرك الناس بالخير فكن إمعة لا رأي لك " !
فقد ورد في الأثر " لا تكونوا إمعة ؛ تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، و إن أساؤوا أسأنا ، و لكن وطنوا أنفسكم ، إن أحسنوا ( أن تحسنوا ) ، و إن أساؤوا أن لا تظلموا"
فلم يربِ الإسلام أتباعه علي قول الحق فحسب ، بل أعطي الآخر الكافر بالإسلام حرية الاعتقاد يقول جل وعلا " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "
ويقول جل وعلا في موضع آخر " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ "
حتي ذهب الامام القرطبي إلي قول "للاختلاف خلقهم " ؛ وكأن العلة من الخلق هي الاختلاف ، فالاختلاف في الرأي سنة كونية من سنن الله عز وجل في خلقه ؛ فالاسلام من أول يوم وهو يقبل بالتعددية ويتعايش مع الآخر وان كان كافراً بالإسلام ، وهذا واضح في قوله جل وعلا "لكم دينكم ولي دين" ، وفي قول النبي صلي الله عليه وسلم في دستور دولة المدينة " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم " ؛ فلم يشيطن الآخر ولم يقصيه ولم يسفهه .
ولاضمحلال الوعى بهذه الرؤية الثقافية وتلك الحقائق الكونية صرنا نعيش حالة عامة يومية من الإرهاب الفكري ، ولو بمجرد التعبير عن الرأي الذي كفله الإسلام والأديان والدستور والقانون .
وهذا هو السائد اليوم ، فلا يبحث الفرقاء عن أرضية مشتركة كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم عندما اعترف بالحركات التحررية الثورية قبل الاسلام كزيد ابن عمرو بن نفيل وحلف الفضول ، بالرغم من كون القائمين عليه كفاراً لكنهم يقفون معه على أرضية واحدة ويشتركون معه فى الغاية وهى هدم الظلم والقضاء على الطبقية والعنصرية والاستبداد .
السائدُ اليوم هو التنافر والتخوين والتناحر والصراع والنزاع ، والكل يدعى أنه الثورى الوحيد على الساحة ولا ثائرَ غيره .
واذا خالفت أحداً في الرأي ستصبح ليبرالياً أو علمانياً أو من الفلول أو مخرباً تريد أن تفسد عقول الشباب ، بل ستصبح انت شيطاناً رجيماً ، يجب اقصاؤك على الفور وطردك ، الا إن أعلنتَ توبتك وأعلنت على الملأ خطأك الشنيع بمخالفة الرأى والمعارضة والنقد ، ساعتها فقط يتم منحك البركة والرضا السامى ، وساعتها لن تكون شيطاناً رجيماً.. بل ستصبح مفكرا كبيرا ..