لا تيأس إذا تعرضت لسيل من الشتائم والسباب أو الطعن والهمز واللمز بغير حق حسدا ً وحقدا ً وضغينة .. فقد شتم الأنبياء من قبلك وقيل لرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو أكرم الخلق " كاذب وساحر ومجنون ".. وسخروا من نوح عليه السلام وقالوا لشعيب عليه السلام " وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ" .. وطعنوا في عيسى ووالدته عليهما السلام أشد الطعن .. ونالوا موسى عليه السلام بالإيذاء " فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً " .. حتى أنه دعا ربه أن يكف ألسنة الناس عنه فقال له الله سبحانه " يا موسى ما اتخذت ذلك لنفسي إني أخلقهم وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني ".
فإذا كان الخلق يسبون ربهم الذي خلقهم ورزقهم ويكلؤهم ويرعاهم فكيف لا يسبون غيرهم من البشر مهما كان صلاحهم وفضلهم ووطنيتهم وبذلهم .
لا تقنط ولا تيأس فهذه ضريبة كل ناجح في الحياة .. وهذه ضريبة تصدر العمل العام .. أو تولي المسؤوليات أو الصدع بالحق في وجه الظلم والفساد والطغيان .
لا تيأس إذا أصابك داء البطالة العضال الذي ضرب مصر كلها.. ولا تركن إلي القعود في البيت أو الجلوس علي القهوة.. ولا تلجأ إلي الحرام أو تخالف ضميرك الديني .
ابدأ بأي عمل.. ولا تستحي من العمل الحلال مهما كان صغره .. وتذكر أن جميع الأنبياء - وهم من هم في الفضل والمكانة - رعوا الغنم فتعلموا من الرفق بها كيف يرحموا الأمم ويرفقوا بها.
وهذا الإمام علي بن أبي طالب كان يعمل عند يهودي فيسقي له زرعه من أجل دينار كل يوم.. وكان وقتها من كبار الصحابة علما ً وفقها ً وشجاعة.
وكان أبو حنيفة أعظم فقهاء عصره يتاجر ويساعد تلاميذه .. وكان سعيد بن المسيب سيد التابعين يتاجر في الزيت ويقول: حتى لا أحتاج إلي الملوك.. فابحث أيها الشاب عن أي عمل فلربما يكون هذا العمل البسيط هو سر سعادتك وبداية غناك.
فمحمود الفايد بدأ بتجارة بسيطة ثم تطورت وكبرت ثم تمت مصادرتها في مصر فذهب إلي خارج مصر ورضي أن يكون عاملا ً في الميناء حتى أصبح أكبر ملياردير مصري بالخارج وكان يمتلك "هارودز" أكبر متجر في بريطانيا كلها .
أما الرئيس السادات فلم يستنكف أثناء هروبه أن يعمل عتالا ً علي سيارة نقل تارة أو مقاولا ً صغيرا ً للمباني تارة أخرى .. وكان لا يستنكف من ذكر ذلك بعد أن أصبح رئيسا ً للجمهورية .
ابدأ العمل واترك اليأس.. ولا تركن إلي القنوط فإنه سيدمرك.. ابدأ بأي عمل وانتقل منه إلي آخر أفضل.. وهكذا حتى تصل إلي ما تريد.
اذكر طالبا ًمن جامعة أسيوط تعرض للضرب ومضايقات كثيرة من زملائه والحكومة في السبعينات فاضطر للذهاب إلي القاهرة وبدأ يعمل في الأجهزة الالكترونية تاركا ًتخصصه الأصلي ومودعا ً للسياسة أيضا ًالتي جرت عليه المضايقات الكثيرة والضرب أحيانا ً.. فأصبح في سنوات قليلة من أكبر مليارديرات مصر.
وقد بدأ بداية بسيطة حتى حصل علي توكيل لإحدى الشركات العالمية .. ثم أخرى وأخرى .. فكان ما كرهه بداية لما يحبه .. وكانت البلية هي المدخل للعطية الكبرى .
وهذا العلامة د/ يوسف القرضاوي فصل من وظيفته في الخمسينات وهو في السجن الحربي فالتف أصدقاؤه في الزنزانة حوله يواسونه في مصابه فقال:
لست حزينا ً .. أنا لا أريد في اليوم سوى قرشين فقط .. وبعد خروجي من المعتقل سوف افتتح مكتبة أجلس فيها أقرأ وأكتب .. فانظروا كيف فتح الله عليه من أبواب الرزق والعلم والشهرة ما يعرفه الجميع.