المعرفة وسلوكيات المعرفة
تعريف المعرفة
من مراجعة الأدبيات نجد أن هناك اختلاف بين الكتاّب والباحثين حول مفهوم المعرفة وهذا شيء طبيعي لأن كل منهم ينظر إلى المعرفة من زاوية معينة تتناسب مع ميوله واتجاهاته مستنداً في ذلك على التعاريف اللغوية أو العملية التي تعكس وجهة النظر تلك وفيما يلي عرض لبعض تلك التعاريف.
يرى علماء الطب النفسي أن المعرفة هي سمة تميز الحالة العقلية للإنسان، وهي التي تحكم أداءه للنشاطات المعقدة المنبثقة من المحتوى الذهني، والمعتمد على القدرة على التفكير والتذكر. وينطوي ذلك التعريف على امتلاك الحقائق المختلط بالاحاسيس والمشاعر لدى الشخص والمجموعات، مما يؤثر على مدى إدراكه ووعيه للأمور وكذلك مدى الألفة مع البيئة التي يعيش فيها (The American Heritage Dictionary, 2009) .
أما العلماء المهتمين بإدارة المعرفة فنجد أن لديهم بعض التعاريف التي تفسر المعرفة بالشكل الذي يمكن من خلالها فهم طرق تبادل والاستفادة من المعرفة على المستوى التنظيمي. وعلى سبيل المثال يعرف نانوكا المعرفة على أنها “الإيمان المحقق الذي يزيد من قدرة الوحدة أو الكيان على العمل الفعال” )Nonaka, I. And H. Takeuchi, 1995). وبهذا التعريف يكون التركيز على العمل أو الأداء الفعال وليس على اكتشاف الحقيقة. وهذا ما يحصل في الغالب, حيث إننا نهتم بماذا يمكن أن تعمله المعرفة وليس بتعريف المعرفة ذاتها. فنحن نستخدم كلمة المعرفة لتعني بأننا نمتلك بعض المعلومات وبذلك نكون قادرين على التعبير عنها. ومع ذلك فهنالك حالات نمتلك فيها المعلومات ولكن لا نعبر عنها. وقد ذهب (ياسين 2002، 24) إلى أبعد من ذلك وبشكل أشمل حيث عرف المعرفة بأنها أساس القدرة في عملية خلق الأفكاروتحقيق مستويات عالية من الجودة والإبداع التقني بل هي ضرورية لتنفيذ الأنشطة الإدارية بكفاءة وفاعلية، وفق هذا المفهوم للمعرفة فإن ما تمتلكه المنظمة من معلومات في أنظمتها الداخلية والمهارات والقدرات العقلية لدى العاملين تشكل بمجموعها مورداً للمنظمة إذا ما تم استخدامه وادارتة بشكل علمي ومنطقي ينعكس بالضرورة على أداء المنظمة إذ يوفر لها ميزة على غيرها من المنظمات المنافسة، ويذهب (الصباغ , 2004 ،41) إلى القول بأن المعرفة ليست مرادف للمعلومات ولغرض الحصول على المعرفة فإننا نسعى إلى المعلومات ولهذا يعتقد أن المعلومات هي الخطوة الأولى للحصول على المعرفة ويتفق معه (Branch 2004,)، إذ يعتقد أنها ترتبط بالتغذية المعلوماتية والتحليل المعلوماتي وعلاقتها بوظائف المنظمة الأساسية من جهة والعاملين وعلاقتهم بنظام المعلومات من جهة أخرى .
أما (باجات ,2002) فقد عبر عن المعرفة بأنها يتم ابتداعها أو إعادة بناءها أو تغيرها من أجزاء من المعلومات ذات الصلة وغير ذات الصلة إلى درجة أن المعلومات تتمتع بالنوع الصحيح من الإشارات التي تكون مساعدة على تكوين المعرفة في ذهن المتلقي، إن النظر إلى مضامين هذا التعريف نراه يعكس وجهة النظر القائلة إن المعرفة ليست شيء ثابت بل هي متغيرة سواء كانت في الأساليب والطرق أو ما يمتلكه الأفراد ومن معلومات تنعكس على طريقة أداء الأنشطة التي يمارسونها بشكل واضح .
من جهة أخرى ينظر برودبنت (Broadbent, 1998) إلى المعرفة على أنها أصول أساسية في إدارة الأعمال ولغرض تنفيذ إدارتها لابد من فهم عملية تدفق المعلومات في المؤسسة وتطبيق ممارسات التعليم التنظيمي الذي يشكل النواحي الأساسية الواضحة في قاعدة المعرفة لتلك المؤسسة.
و يمكن أن تسجل المعرفة في عقول الأفراد أو خزنها في وثائق المجتمع (أو المنظمة) و منتجاته و ممتلكاته و نظمه، و عملياته. و على الرغم من توافر عدد كبير من التعاريف اللغوية أو العملياتية لمصطلح “معرفة”، إلا أن الشائع هو التعامل مع المعرفة على أساس كونها الأفكار أو الفهم الذي تبديه كينونة معينة (فرد أو مؤسسة أو مجتمع) و الذي يستخدم لاتخاذ سلوك فعال نحو تحقيق أهداف الكينونة. وبهذا الصدد لابد لنا من أن نميز بين “المعرفة” و “المعلومات”. فعلى الرغم من عدم وضوح الحدود الفاصلة بين المصطلحين، إلا أنهما ليسا وجهين لعملة واحدة. فالمعلومات هي ما ينتج من معالجة البيانات التي تتوالد في البيئة و هي تزيد مستوى المعرفة لمن يحصل عليها. و هذا يعني أن المعرفة هي أعلى شأناً من المعلومات. فنحن نسعى للحصول على المعلومات لكي نعرف أو نزيد معارفنا. و تتواجد المعرفة في العديد من الأماكن، مثل، قواعد المعرفة، و قواعد البيانات، و خزانات الملفات، و أدمغة الأفراد، و تنتشر عبر المجتمع و منظماته. و في العديد من الأحيان تكرر شريحة ما في المجتمع عمل شريحة أخرى لأنها، و ببساطة متناهية، كان يتعذر عليها أن تتابع، و تستخدم المعرفة المتاحة في شرائح أخرى. و يبدو ذلك أكثر وضوحاً في منظمات الأعمال منه في المجتمعات. ففي أحيان عديدة نرى أن إدارة ما تكرر أعمال إدارة أخرى من إدارات المنظمة لأن الأولى لا تعرف بتوافر المعرفة لدى الإدارة الثانية، لذلك تحتاج المنظمة إلى أن تتعرف على ما هي موارد المعرفة المتوفرة لديها وكيف تدير و تستخدم هذه الموارد لتحقيق أقصى مردود ممكن. (الصباغ , 2004).
ومن ذلك يمكن القول بأن المعرفة هي مخزون إثراء العقل البشري الذي يتنامى بشكل تصاعدي نتيجة النشاط الابتكاري الذي يتميز به العقل، ,ان هذا المخزون هو الثروة الحقيقية التي يمكن الاستفادة منها واستغلالها لخدمة الانسانية في كافة المجالات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية وغيرها.
خصائص المعرفة
بشكل عام أشار (نبيل حاجي، 2006) أن المعرفة يمكن خلقها أو إيجادها في العقول وبطرق متنوعة كثيرة, وبعض هذه الطرق يعتمد على التواصل اللغوي الفكري فقط, ودون الاستعانة بالأحاسيس والتأثيرات الواقعية – دون تجربة واقعية (نبيل حاجي نائف 2006). وأن مجالات المعرفة هائلة جداً ولا يمكن تحديدها . وكذلك هي متغيرة دوماً خلال زمن قصير أو طويل. بمعنى أن المعرفة لها بعد زمني. و أننا نتأثر بها ونؤثر بها أيضاً وهذا يمكن أن يغير من خصائصها وبالتالي يجعل إمكانية معرفتها بشكل مطلق مستحيل.
وقد عدد الباحث خصائص المعرفة في النقاط التالية:
أولاً : المعرفة هي تنبؤ- والاستقراء, والاستنتاج, والاستنباط, والاستدلال, والتركيب, والتحليل, والتفسير, والسببية – يتضمنون التنبؤ . والحكم هو تنبؤ معتمد . و لها درجة صحة أو درجة دقة ولا توجد معارف مطلقة الصحة.
ثانياً : المعرفة نسبية وهي تابعة للعارف ( إن كان فرد أو جماعة) ومرتبطة به , لذلك لا توجد معارف مطلقة العمومية
ثالثاً : المعرفة تابعة لخصائص وقدرات الحواس البشرية – أشكال وطبيعة التأثر بالوجود, و خصائصها
وقدرات وخصائص العقل البشري . لذلك المعرفة البشرية مختصرة ولا تشمل إلا جزءاً ضئيلاً من وقائع الواقع اللا متناهية.
رابعاٌ : ترتبط المعرفة بزمان ومكان وقدرات وخصائص الإنسان العارف , الذي هو مرجع هذه المعارف . لذلك تختلف المعارف باختلاف الأشخاص واختلاف الأزمان .
خامساٌ: المعارف يجب أن تكون عامة , و توحيدها لا بد منه عند تعامل الناس بها.
سادساٌ : هي نتيجة التواصل الفكري بين البشر.
وهذا التعريف لخصائص المعرفة ينطبق على أي نوع من المعرفة بشكل عام، أما العلميون فيعرفون المعرفة العلمية على النحو التالي (خصائص المعرفة 2012)
أ – استنباط المعقد من البسيط :والتي تعني أن تفسير المرئي المعّقد يكون بالاستشهاد بالمرئي البسيط.
ب – إنها معرفة وضعية : فالمعرفة العلميّة لا تفسر الحوادث الطبيعية بنسبها إلى علل غيبيّة بل تفسر الظواهر الطبيعية بالظواهرالطبيعية.
ج – إنها معرفة موضوعية :ويقصد بها أن المعرفة العلميّة مستقلة عن ميولنا الشخصية ومنافعنا وأهوائنا. لأن العلم يستخدم الأدلة العقلية والبراهين المنطقية المستقلة عن العوامل الشخصية والذاتية.
د – المعرفة العلميّة كمية :أي أنها تستخدم التعبير الرّياضي لوصفها.
ه – المعرفة العلميّة تنبوئية :إذا كانت المعرفة الساذجة لا تتجاوز حدود الحاضر، فإن المعرفة العلميّة تطلع على الحوادث قبل وقوعها.
و – المعرفة العلميّة تعميمية :يستخرج العالم العلاقات العامة الثابتة من الحوادث الجزئية المتغيّرة، وتسمى هذه العلاقات الثابتة العامة قوانين طبيعية، مثل التوصل إلى قانون ” كل المعادن تتمدّد بالحرارة ” من خلال التجريب على قطعة حديد والعلم لا يكتفي بجمع القوانين فحسب، إنه يوحد بينها.
ساحة النقاش