الذكاء الثقافي..فطري أم مكتسب؟
لاتقل معرفة دوافع الجماعة أهمية عن فهم دوافع الفرد,إذ يقوم النجاح في العلاقة مع الآخر على اكتساب المعرفة اللازمة للتعامل الناجح مع مختلف الثقافات على مستوى الدول والمنظمات والأعمال.
تصادفنا في المطارات الدولية – كمطار هيثرو – ملصقات إعلانية لمصرف دولي هو "HSBC" تصور جرادة مع رسالة تقول :"هي آفة زراعية في الولايات المتحدة.وهي حيوان مدلل في الصين.أما في شمال تايلند فهي طبق مقبلات".
علماء التصنيف وقفوا على التعريف العلمي لفصيلة الجرادات قبل أكثر من قرنين.لكن للثقافة أثرها المسيطر الذي يعطيها القدرة على التأثير في مدركاتنا حتى عن حشرة حقيرة,لذلك يجب ألا تفاجئنا حقيقة ان الحركات والإيماءات وأنماط الكلام التي يواجهها المرء في بيئة تضم مجالاً واسعاً من التأويلات,بما فيها تلك التي تفتح الطريق لاحتمال إساءة الفهم,وتجعل التعاون بالتالي مستحيلاً.إلا أن المراقب المحايد يمتلك احياناً مقدرة فطرية على تفسير ما لاعهد له به من إشارات شخص ماتماماً بالطريقة ذاتها التي يدرك فيها مواطنو ذلك الشخص وأقرانه تلك الإشارات.إن هذا هو ما نسمية الذكاء الثقافي CQ.في عالم أصبح الانتقال فيه عبر الحدود امراً مألوفاً,يتحول الذكاء الثقافي الى ملكة ومهارة بالغة الأهمية ليس فقط بالنسبة للمصاريف الدولية وعملائها وإنما في كل مجالات الحياة.
إن للمنظمات أيضاً ثقافاتها الخاصة,التي غالباً ماتكون مفرطة في الخصوصية: إذ ينفق كل قادم جديد الى هذه المنظمات بضعة الأسابيع الأولى في محاولة فك شيفرتها الثقافية.وفي داخل اي تنظيم كبير هناك ايضاً ثقافات فرعية متضاربة :فالأفراد في قسم المبيعات لايحبذون الحديث الى المهندسين,والأفراد في قسم العلاقات العامة لايتحملون النقاش مع أرباب المحاماة.وكل وحدة وقسم ومهنة ومنطقة جغرافية لها مجموعة من الآداب والمعاني والخلفيات التاريخية والقيم التي تسبب إرباكاً للوافد الجديد,وتكون حجر عثرة في طريقه ما لم يتحل بقدر عال من الذكاء الثقافي.
إن هناك علاقة بين الذكاء الثقافي والذكاء العاطفي,ومع ذلك فدور الذكاء الثقافي يبدأ من حيث ينتهي دور الذكاء العاطفي,إذ يمتلك أي شخص يتمتع بقدر عال من الذكاء العاطفي السمات المشتركة بين البشر والسمات التي تميز الفرد عن الآخرين.اما الشخص الذي يتمتع بقدر عال من الذكاء االثقافي فيستطيع أن يستخلص من سلوك الفرد أو الجماعة تلك الخصائص التي تشكل قاسماً مشتركاً بين الأفراد والجماعات,وتلك الخصائص غير العامة وغير الخاصة في الوقت نفسه.إن البون الشاسع مابين هذين القطبين من الذكاء هو الثقافة.
احد معارفي,وهو واحد من الإداريين الأمريكيين المغتربين,عمل على اختيار ذكائه الثقافي عندما كان عضواً في فريق تصميم يضم اثنين من المهندسين الألمانيين.ففي الوقت الذي عرض فيه أعضاء الفريق الآخرون افكارهم,قال المنهدسون من شأن تلك الأفكار على الدوام واعتبروها جنونية أو غير ناضجة لابل وسيئة,عندها خلص ذلك الإداري الى أن الألمانيين عموماً شعب فظ وعدواني.
إن امتلاك قدر ضئيل من الذكاء الثقافي لم يكن ليساعد الأمريكيين إلا على إدراك أن ذلك الإداري كان يساوي – مخطئاً – بين جدارة الفكرة وجدارة مقدمها,وبأن الألمانيين كانوا قادرين على إعمال تمييز برزانة الفهم ان يحدد النسبة التي تفسر سلوك اللمانيين بصفتهم المانيين,والنسبة التي تفسر سلوكهم بصفتهم مهندسين.
إن الإداري المغترب الذي لديه فقط قدر من الذكاء العاطفي كانمن الممكن ان يتعاطف مع أعضاء الفريق الذين قوبلت افكارهم بالنقد ولكان عزا ردة فعله التلقائية تلك الى سلوك المهندسين,ولربما اقترح الصراحة ولايجرح المشاعر,إن كان في ذلك,حقاً,ماالذي يسيء الى مشاعر احدهم,ومع ذلك فمن دون القدرة على تحديد درجة التحيز في سلوك المهندسين وأثر الثقافة في هذا السلوك لم يكن المدير ليعرف آلية التأثير في أفعالهم ولامدى سهولة ذلك.
إن من العناصر المهمة التي يشترك فيها الذكاء الثقافي والذكاء العاطفي هو – على حد تعبير عالم النفس دانييل جولمان :"الميل الى تعليق إصدار الحكم بما يتيح الوقت للتفكير قبل الإقدام على الفعل ".إن كل شخص حباه الله قدراً كبيراً من الذكاء الثقافي قد تأخذ منه حالة تعليق إصدار الحكم ساعات وربما أياماً,في حين ان الفرد الذي يعاني من تدن في مستوى الذكاء الثقافي قد يستغرق منه ذلك أسابيع وربما شهوراً.وفي أي من هاتين الحالتين يتوقف الأمر على إعمال التفكير لحصر كل وجوه الاختلاف بين انماط الشخصيات المتفاعلة أمام ناظري المرء وبين تلك التي تميز ثقافته الأم,فلا يمكن الشروع في توقع ردات فعل تلك الشخصيات في مرحلة تالية دون أن يبدأ السلوك الملاحظ بالاستقرار في أنماط معينة.وبالتالي سيكون التفسير المستخلص بهذه الآلية خلواً من مخاطر التنميط (التعميم).
إن اكثر الأفراد نجاحاً بين أقرانهم من الناحية الاجتماعية يعانون اكثر من غيرهم من مشكلة فهم الأفراد القادمين من ثقافات مختلفة والحظوة بقبولهم,أولئك الذين يعبرون خير تعبير عن عادات وأنماط ثقافتهم الخاصة قد يعانون أكثر من غيرهم من الانعزال والغربة عندما يلجون الى ثقافة أخرى غير ثقافتهم.
وفي بعض الأحيان من السهل أن يتبنى الأفراد المنعزلون نوعاً ما عن ثقافتهم الأم تقاليد البلد الأجنبي الذي يحلون به بل وحتى لغة الجسد السائدة في هذا البلد.إنهم من أولئك الذين اعتادوا على أداء دور المراقب وبذل جهد موجه في عملية التلاؤم والتكيف.
وعلى الرغم من أن بعض نواحي الذكاء الثقافي فطرية فإن بمقدور الفرد الذي يتمتع بقسط معقول من اليقظة والحوافز والتفكير المتزن ان يحقق مستوى مقبولاً من الذكاء الثقافي,وذلك على ضوء مسح أجريناه على ألفي إداري من ستين بلداً.وبأخذنا بعين الاعتبار لعدد المهمات متداخلة الاختصاصات وتغيير العمل والوظائف الجديدة والتعيين في مراكز بعيدة وكل تلك الظروف التي يمكن أن يمر بها معظم الإداريين في مراحل حياتهم المهنية,يمكن أن يتحول الذكاء الثقافي المتدني الى نقطة ضعف ملازمة.
الثقافة العالمية.
المصدر: إعداد
م/ تامر الملاح
م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"
نشرت فى 25 يونيو 2012
بواسطة tamer2011-com
م/ تامر الملاح
باحث فى مجال تكنولوجيا التعليم - والتطور التكنولوجى المعاصر »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
3,916,443
بالـعلــم تـحـلـــو الحـــيـاة
للتواصل مع إدارة الموقع عبر الطرق الأتية:
عبر البريد الإلكتروني:
[email protected] (الأساسي)
عبر الفيس بوك:
إضغط هنا(إني أحبكم في الله)
أصبر قليلاً فبعد العسر تيسير وكل أمر له وقت وتدبير.
ساحة النقاش