زاكى كوهين فى بيروت
أما حديث سادجروف وشموئيل عن (زاكي كوهين) وابنه سليم؛ فكان حديثًا فاترًا غير مؤثر؛ لأن أعمالهما المسرحية كانت تُقدم لأطفال المدرسة اليهودية فى بيروت! ناهيك عن اعترافهما الصريح بعدم حصولهما على نص واحد من نصوص هذه المسرحيات! كذلك عدم يقينهما أن هذه المسرحيات مؤلفة أو مترجمة! وأخيرًا تصريحهما بأن معلوماتهما عن زاكى كوهين وابنه سليم قليلة جدًا (<!--). وعلى الرغم من كل هذا، اجتهد المؤلفان – فى محاولة يائسة – لإثبات أن هذه المدرسة، كانت بمثابة (كلية عربية يهودية Jewish Arab college) (<!--)، وبالتالى فإن نشاطها المسرحى كان مرموقًا، وأن صاحب المدرسة زاكى كوهين وابنه سليم من رواد المسرح العربى فى بيروت!
والحقيقة أن هذه المدرسة، كانت مدرسة أطفال متواضعة جدًا، افتتحها الحاخام زاكى كوهين عام 1875 (<!--)، وكانت معروفة باسم (المدرسة الإسرائيلية). ولم تكن تعرض – ضمن أنشطتها – المسرحيات اليهودية فقط، أو المؤلفة من قبل اليهود – كما حاول سادجروف وشموئيل إيهامنا – فهذه المدرسة عام 1878 عرضت مسرحية من تأليف الأمير رشيد شهاب، ولا علاقة لموضوع المسرحية أو لمؤلفها باليهود (<!--)! كما أن هذه المدرسة، كانت تستجدى اليهود – وغير اليهود – من أجل بقائها واستمرارها، وهذه الصورة لا تنتج بأى حال من الأحوال حركة مسرحية – ولو كانت للأطفال – ولا يُعدّ صاحب المدرسة وابنه من رواد المسرح العربى!
ففى عام 1882، نشرت جريدة (الأهرام) كلمة تحت عنوان المدرسة الإسرائيلية ببيروت، مدحت فيها المدرسة وصاحبها الحاخام زاكى كوهين، واختتمتها قائلة: ".. وإذ كنا نعلم حق العلم ما للطائفة الإسرائيلية من النخوة فى مساعدة المشروعات الأدبية اقتضى أن نذكر كرمها فى قطرنا بوجوب الالتفات إلى هذه المدرسة من نحو إرسال أبنائهم إليهم وتشجيع حضرة رئيسها بما يساعده على زيادة تحسينها وتوسيع نطاقها فأبواب المدارس هى أبواب التمدن ومن خدم التمدن فقد خدم الإنسانية" (<!--). وبعد شهر كررت الجريدة المعنى السابق بصورة أخرى فى مقالة بعنوان مدرسة الإسرائيليين فى بيروت، اختتمتها قائلة: "... مما يستدعى أولى اليسار من هذه الطائفة إلى عضدها ومدّ يد المساعدة لها وإرسال أبنائهم إليها ولسنا نشك بإمكان الوصول إلى ذلك لقاء ما يعهد بهم من الغيرة والاهتمام بعضد المشروعات الخيرية" (<!--).
وهذا القول يُوحى بأن المدرسة متعسرة، وتحتاج إلى زيادة معونة من الطائفة الإسرائيلية فى مصر!! ومن الواضح أن تعسر المدرسة استمر حتى عام 1887! ففى هذا العام كتب (نقولا شحادة) كلمة قصيرة بوصفه مندوب مجلة (المقتطف) فى مصر، تحت عنوان المدرسة الإسرائيلية فى بيروت، فتحدث عن رئيس المدرسة الحاخام زاكى كوهين، قائلاً: "... فنثني على همة حضرة الحاخام ونستلفت غيرة أغنياء الإسرائيليين عمومًا، وسكان القُطر المصرى خصوصًا إلى الأخد بيد هذا المقدام كما هو دأبهم فى كل المشروعات الخيرية؛ لكى تزداد هذه المدرسة نجاحًا، ويعم خيرها أغنياءهم وفقراءهم" (<!--).
ومن الغريب أن هذه المدرسة المتعسرة، ظلت فى تعسرها حتى عام 1895، عندما كتب عنها (جرجى زيدان) تحت عنوان المدرسة الإسرائيلية العمومية ببيروت، قائلاً: " تلك المدرسة تشكو الملل وضيق ذات اليد لتقاعد الطائفة الإسرائيلية عن الأخذ بناصرها وتنشيطها بالبذل والعطاء. والإسرائيليون أكثر طوائف الأرض مالاً وأشهرها بذلاً فى معاضدة بعضهم بعضاً. فلا يليق بهم أن يشاهدوا سقوط المدرسة الإسرائيلية " (<!--).
ومما سبق يتضح لنا أن هذه المدرسة لم تكن بالصورة، التى حاول إيهامنا بها سادجروف وشموئيل! فهى مدرسة أقل من متواضعة، والشكوك فى قيمتها وأهميتها كثيرة، بدليل أنها مدرسة يهودية، ورغم ذلك لا يساعدها أغنياء اليهود أنفسهم! ووصل الأمر أن تكتب الصحف والمجلات الكبرى – كالأهرام والمقتطف والهلال – تتسول لها الإعانة والمساعدة! فهل مثل هذه المدرسة تستطيع أن تُقدم نشاطًا مسرحيًا – للأطفال – يُسهم فى تطوير الحركة المسرحية العربية؟! وهل يُعدّ الحاخام صاحب المدرسة زاكى كوهين وابنه سليم من روّاد المسرح العربى فى بيروت، ومن أصحاب النهضة المسرحية العربية، كما حاول سادجروف وشموئيل إقناعنا، وكما أرادت الصهيونية أن توهمنا؟!
أنطون شحيبر
آخر شخصية يهودية مسرحية – تحدث عنها سادجروف وشموئيل – كانت شخصية (أنطون شحيبر)! ومن وجهة نظرى أقول: لولا هذه الشخصية؛ ما كان كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية طُبع، وما كانت الحركة الصيهونية اهتمت به، وما كانت الجهات الداعمة للكتاب أنفقت عليه! والسبب فى ذلك راجع إلى أن نصوص شحيبر المسرحية المنشورة فى القسم العربى من الكتاب بلغت (262) صفحة، وهى: المريض الوهمى، مدّعى الشرف، انتصار الفضيلة أو حادثة الابنة الإسرائيلية، ناكر الجميل، ذبيحة إسحق – والمتبقى (43) صفحة لمسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق – أي أن مسرحيات شحيبر شغلت نسبة 70% من الكتاب!! هذا بالإضافة إلى أن الحديث عن أنطون شحيبر ومسرحياته فى القسم الإنجليزى - كان الجزء الأكبر فقد - شغل الفصلين الخامس والسادس بأكملهما! فلولا شحيبر ومسرحياته .. لأصبح الكتاب مجرد دراسة أو مقالة مطولة!!
أقول هذا – لا سيما كلمة (لولا) – لأننى لاحظت إصرارًا كبيرًا من سادجروف وشموئيل على يهودية أنطون شحيبر؛ وكأنهما يشكان فى ديانته! فيهودية شحيبر تعارضت مع معلومة تقول: إن المحامى أنطون شحيبر كان رئيسًا لجمعية مار منصور دى بول الكاثوليكية عام 1906 (<!--)! وهذا يعنى احتمال أن يكون شحيبر مسيحيًا! ولو صدق هذا؛ لتحول كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية إلى دراسة أو مقالة مطولة – كما قلت - بعد حذف نصوص مسرحيات شحيبر، وما كُتب عنه بوصفه مسيحيًا لا يهوديًا تبعًا لمنهج الكتاب وهدفه!! لذلك التفّ سادجروف وشموئيل حول المعلومة قائلين: "... ولكننا نستطيع تفسير لغز الدافع الذى يجعل محاميًا يهوديًا يرأس جمعية خيرية كاثوليكية بتوضيح حقيقة المذبحة التى حدثت للمسيحيين اللبنانيين عام 1860، التى دفعت الجماهير اليهودية فى أوروبا للمطالبة بحماية المسيحيين فى سوريا، وهذا أدى إلى التقارب بين الديانتين اليهودية والمسيحية فى لبنان وسوريا. ومثال على ذلك ما قام به (أدولف كريمو Adolf Crémieux) رئيس التحالف اليهودى الفرنسى عندما دعا اليهود إلى مساعدة المارونيين فى لبنان، وقد نجح فى جمع تبرعات .... أرسلها لمساعدة الموارنة فى لبنان. وغالبًا هذه العادة من مساعدة اليهود للمسيحيين استمرت عند شحيبر .... ومن ذلك يمكن أن يكون أنطون شحيبر يهوديًا عمل كناشط فى جمعية خيرية مسيحية من أجل مصلحة المجتمع السورى" (<!--).
وبالرغم من عدم اقتناعنا بهذا التفسير غير المنطقى الفاقد للدليل الدامغ على يهودية أنطون شحيبر - لتقبل وجوده ووجود مسرحياته فى هذا الكتاب – إلا أن المؤلفين حاولا بكل وسيلة ممكنة إثبات يهودية شحيبر دون جدوى، فما كان منهما سوى حسم الأمر بصورة غير علمية قائلين: "ومهما كانت التبعية الدينية لأنطون شحيبر، فهى لا تهم! حيث إن الشخصية اليهودية واضحة جدًا فى أعماله المسرحية" (<!--)! وهذا القول - غير العلمى - يعكس لنا مدى اليأس والإحباط اللذين أصابا سادجروف وشموئيل أمام فشلهما فى إثبات يهودية شحيبر! بدليل قولهما: (إن الشخصية اليهودية واضحة جدًا فى أعماله المسرحية)، وهو قول غير صحيح؛ لأن جميع المسرحيات المنشورة لأنطون شحيبر، هي مسرحيات مُترجمة أو مُعرّبة أو مقتبسة (<!--)، ومسرحية ذبيحة إسحق، هي الوحيدة المقتبسة من قصة سيدنا إبراهيم – عليه السلام – كما جاءت فى التوراة (<!--)!! مما يعنى عدم وجود أية مسرحية مؤلفة لأنطون شحيبر؛ وبذلك يصعب ظهور شخصيته اليهودية فى مسرحيات مُترجمة ومُعرّبة ومقتبسة؟!
والحقيقة التى حاول سادجروف وشموئيل البحث عنها دون جدوى؛ تتمثل فى هذه العبارة: (أنطون شحيبر مسيحىٌ)!! ففى عام 1883 ألقى أنطون شحيبر خطبة فى إحدى الجمعيات الخيرية بعنوان الخطابة؛ بدأها هكذا: " إن الخطابة كانت منذ منشئها ولم تزل نقطة مهمة فى الهيئة الاجتماعية، وعنها نشأت انقلابات عظيمة على وجه البسيطة. وقد لعبت بالخير والشر لعب الطفل بأصغر الطيور. فالخطابة كانت سنداً قوياً لانتشار الدين المسيحى" (<!--). ولا أظن أن يهوديًا يستطيع أن يخطب أمام الناس، وأن ينشر فى أهم مجلة يهودية – مثل مجلة (المقتطف) – ويقول: إن (الخطابة كانت سنداً قوياً لانتشار الدين المسيحى) إلا إذا كان مسيحيًا!!
وفى عام 1897 كان أنطون شحيبر كاتب سر لجنة الاحتفال باليوبيل الفضى للمطران (يوسف الدبس) رئيس أساقفة بيروت! وشارك فى كتابة فاتحة كتاب ضخم صدر بهذه المناسبة، كما شارك فى كتابة ترجمة حياة المطران يوسف الدبس المنشورة فى الكتاب نفسه بصفته كاتب سر الجمعية الخيرية المارونية، وألقى شحيبر خطبة بوصفه رئيسًا لجمعية أخوة الفقراء المارونية فى الاحتفال بيوبيل المطران يوسف الدبس (<!--)! وهذه الصفات والمناصب والوظائف، تؤكد ديانة أنطون شحيبر المسيحية! وتؤكد هذه الديانة أيضًا معلومات نشرتها جريدة (الأهرام) فى نعييها لأنطون شحيبر عام 1932، مثل: انتخابه فى أغسطس 1906 رئيسًا عامًا لجمعية القديس منصور دى بول، وظل رئيسًا لها حتى وفاته، وحصوله على نيشان القديس بطرس، وعند وفاته في بيروت صُلى عليه فى الكاتدرائية المارونية، وأبّنه المطران أغناطيوس (<!--). وبهذا تظهر حقيقة أنطون شحيبر بوصفه مسيحيًا، وليس يهودياً كما حاول سادجروف وشموئيل إجبارنا على قبول يهوديته دون توثيق أو تحقيق!
وفى الختام أقول: ماذا بقى من كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية فى القرن التاسع عشر؟ فقد فشل المؤلفان - سادجروف وشموئيل – فى سحب الريادة الحقيقية للمسرح العربى من مارون النقاش، وإلصاقها كذبًا بأبراهام دانينوس! ولم يفلحا فى إيجاد دليل واحد على ريادة يعقوب صنوع للمسرح العربى فى مصر؛ بعيدًا عن أقوال صنوع نفسه! ولم يقنعا القُراء بالجهود المسرحية المتواضعة لزاكى كوهين وابنه سليم! ولم ينجحا فى إثبات يهودية أنطون شحيبر المسيحى، وبالتالى التضحية بـ70% من حجم الكتاب!! وكنت أتمنى أن يتجرد كل من شارك في هذا الكتاب من التعصب الطائفى، ومن العنصرية البغيضة، ومن الصهيونية المتغلغلة فى كيانه، وأن يُشارك في الكتابة عن الحركة المسرحية في البلاد العربية، دون تخصيصها عند اليهود أو المسيحيين أو المسلمين!! فالحركة المسرحية قامت بجهودهم جميعًا دون تمييز ديانة عن أخرى! وكلمة أخيرة أقولها للمؤلفين - سادجروف وشموئيل – عندما تتحدثان عن (الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية فى القرن التاسع عشر) يجب التفرقة بين: الحقائق والأكاذيب!!
الهوامش
<!--[if !supportEndnotes]-->
<!--[endif]-->
(<!--) – ينظر: فيليب سادجروف، شموئيل موريه – السابق – ص(8، 73، 74، 76).
(<!--) - ينظر: جرجى زيدان – تاريخ آداب اللغة العربية – الجزء الرابع – دار الهلال – 1911 – ص(38)
(<!--) - ينظر: جريدة (الأهرام) – 26/9/1878
(<!--) - جريدة (الأهرام) – 2/11/1882
(<!--) - جريدة (الأهرام) – 7/12/1882
(<!--) - مجلة (المقتطف) – السنة 12 – الجزء الأول – أكتوبر 1887 – ص(49).
(<!--) - مجلة (الهلال) – السنة الرابعة – الجزء الثالث – أكتوبر 1895 – ص(116).
(<!--) – ينظر: فيليب سادجروف، شموئيل موريه – السابق – ص(83)
(<!--) – ينظر: السابق – ص(93 – 121)
(<!--) - مجلة (المقتطف) – السنة الثامنة – الجزء الخامس - شباط 1884 – ص(281).
(<!--) - يُنظر الكتاب التذكارى الضخم، الذى صدر فى هذه المناسبة، صفحات (4، 66، 110). والكتاب مكتوب على غلافه الآتى: " عرفان الجميل لصاحب اليوبيل: وهو مجموع ما انتهى إلينا مما نظم الشعراء وفاه به الخطباء من التهانئ لنيافة الحبر الطيب الأحدوثة والبعيد الذكر ذي المآثر الغراء السيد العلامة الجليل المطران يوسف الدبس رئيس أساقفة بيروت الجدير بكل إطراء وتكرمة وذلك بمناسبة الاحتفاء بعيده الفضى جعل الله كل أيامه أعيادًا وأحرز له السعادة آمادًا. وقد ألحقنا به ما وصل إلينا مما أثبتته الجرائد فى هذا الشأن متوخين بترتيب مقالها تواريخ نشراتها. وقف على طبعه الفقير إليه تعالى عبد الله البستانى اللبنانى فى مطبعة جريدة المصباح ببيروت سنة 1897".
ساحة النقاش