الجهود المسرحية لليهود العرب
حقائق وأكاذيب
أ.د/ سيد علي إسماعيل
كلية الآداب - جامعة حلوان
ـــــــــ
عندما قرأت أن مجلة فصول بصدد إصدار عدد عن استئناف النظر فى التراث، وطرحها لسؤال، يقول: كيف تقوم جماعة بترتيب ماضيها، وإعادة بنائه وتركيبه؟ تذكرت على الفور كتابًا – أصدرته جامعة مانشستر فى إنجلترا عام 1996 باللغتين الإنجليزية والعربية - عنوانه الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية فى القرن التاسع عشر Jewish Contributions to Nineteenth-Century Arabic Theatre. وهو كتاب يُبين كيفية قيام الحركة الصهيونية بترتيب الجهود المسرحية لليهود العرب، وإعادة بنائها وتركيبها بصورة معينة؛ بغية إظهار هذه الجهود فى صورة ريادات مسرحية فى معظم البلدان العربية!
وهذا العمل أثار حفيظتى؛ لأن الكتاب يتحدث عن اليهود العرب؛ وكأنهم كانوا يعيشون فى بلدان عربية غير بلداننا المعروفة، وأن جهودهم المسرحية، كانت تُمارس بعيدة عن جهود أخوانهم المسلمين والمسيحيين فى هذه البلدان!! وهذا الأمر – للأسف الشديد – يُعدّ مقبولاً عالميًا؛ لأن أحد مؤلفى الكتاب هو الإسرائيلى (شموئيل موريه Shmuel Moreh) أستاذ الأدب العربى بالجامعة العبرية! ولو كان هذا المؤلف من العرب المسلمين أو المسيحيين؛ لوجد نفسه مُتهمًا بالعداء ضد السامية!! وكأن العداء للعرب المسلمين والمسيحيين مُباح للإسرائيليين الصهيانة، أما العداء ضد تعصب الإسرائيليين الصهاينة فهو مُحرّم على كل عربي مسلم أو مسيحى داخل البلدان العربية وخارجها!!
وبسبب الجهود الصهيونية – داخل إسرائيل وخارجها – انتشر هذا الكتاب انتشارًا واسعًا فى العالم الغربى، وبدأ يتسرب إلى الدراسات العربية منذ عام 2003 – كما سنرى لاحقًا – وبدأت الأقلام العربية المسرحية، تتبنى ما فيه من أكاذيب وافتراءات! لذلك أردت فى هذه الدراسة إظهار الجهود المسرحية لليهود العرب؛ كما جاءت فى حقيقتها التاريخية، لا كما جاءت بصورة مشوهة ملفقة كاذبة فى كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية!!
جهود اليهود فى المسرح المصري
أ – الجمعيات الخيرية
إذا نحينا جانبًا الحديث عن (يعقوب صنوع)؛ بوصفه مصريًا يهوديًا رائدًا للمسرح العربى – كما يعتقد الكثيرون – لأننا سنفرد له حديثًا مطولاً فيما بعد، ونظرنا إلى جهود اليهود فى المسرح المصرى الحديث؛ سنجدها جهودًا، تنوعت بين أنشطة مختلفة للجمعيات الخيرية ولبعض النوادى الأدبية! ناهيك عن جهود بعض الرجال فى مجال الغناء المسرحى! أما النساء فكان دورهن هو الأكبر والأهم فى مجال التمثيل المسرحى! هذا هو مُجمل النشاط اليهودى فى المسرح المصرى، وإليك التفاصيل:
بدأ النشاط اليهودى فى مجال المسرح المصرى الحديث عام 1881؛ عندما أرادت الجمعية الخيرية الإسرائيلية فى القاهرة، تنظيم حفلة خيرية لمساعدة الفقراء اليهود، فوقع اختيارها على (يوسف الخياط)، وطلبوا منه تنظيم عرض مسرحى يُقام فى الأوبرا الخديوية! وقام الخياط بالمهمة خير قيام، وعرض مسرحية حفظ العهود. وهذا الأسلوب، استمرت عليه الجمعية عدة سنوات! ففى عام 1887 عرضت الجمعية إحدى المسرحيات، وحضرها المطرب (عبده الحامولى)، وخُصص إيرادها لمدرستى البنين والبنات للطائفة الإسرائيلية. وفى عام 1898 عرضت الجمعية مسرحية غرام وانتقام فى تياترو شارع عبد العزيز – سينما أوليمبيا الآن – من خلال فرقة (إسكندر فرح) بطولة الشيخ (سلامة حجازى). وفى عام 1899 عرضت الجمعية فى حفلتها مسرحية لابوهيم من خلال الجوق الإيطالى فى دار الأوبرا الخديوية. ثم ظهرت عدة جمعيات أخرى، منها جمعية الآداب الإسرائيلية، التى عرضت عام 1898 مسرحية الرجاء بعد اليأس، وفى عام 1900 أحيت جمعية المقاصد الخيرية الإسرائيلية فى طنطا ليلتين خيريتين، مثّل فيهما جوق (إسكندر فرح) مسرحيتين بطولة الشيخ سلامة، خُصص دخلهما لفقراء الطائفة الإسرائيلية. وفي 1901 أحيت الجمعية الخيرية الصهيونية ليلة فى الأوبرا الخديوية، فمثلت مسرحية عايدة، وخُصص دخلها لتلامذة المدرسة الصهيونية المجانية. وفى 1903 احتفلت الجمعية الخيرية الإسرائيلية الإشكنازية بإحياء ليلة خيرية فى تياترو الأزبكية، ومثل جوق الدوزا الإيطالى رواية توسكا. وفى عام 1906 أحيت جمعية الاتحاد الأخوى الإسرائيلى الخيرية ليلتها فى دار التمثيل العربى فمثل جوق الشيخ سلامة حجازى مسرحية صلاح الدين الأيوبى. وفي عام 1908 أحيت جمعية المساعى الخيرية الإسرائيلية ليلتها فى دار التمثيل العربى ومثل جوق الشيخ سلامة حجازى رواية صدق الإخاء. وفى عام 1909 أحيت جمعية الاتحاد الأخوى الخيرية الإسرائيلية ليلتها الخيرية فمثّل جوق الشيخ سلامة حجازى بدار التمثيل العربى مسرحية عظة الملوك. وفى عام 1910 عرضت جمعية العهد الأخوى الإسرائيلية فى ليلتها مسرحية صلاح الدين الأيوبى. وفى عام 1913 قدمت الجمعية الخيرية الإسرائيلية ليلتين لفرقة (عزيز عيد)، وخُصص إيرادهما كالعادة لفقراء الطائفة الإسرائيلية (<!--).
والجدير بالذكر إن هذه الحفلات لم تكن تُعقد سرًا، أو بصورة هامشية، أو مهملة من قبل المسلمين أو المسيحيين – كما يتخيل المتعصبون، أو كما تريد الصهيونية إيهام العالم بذلك – فنظرة سريعة على مضمون النشاط السابق؛ سنجد المشاركين - فى هذه الأنشطة المسرحية اليهودية – مسلمين ومسيحيين، أمثال: عبده الحامولى، والشيخ سلامة حجازى، ويوسف الخياط، وإسكندر فرح!! وأكبر دليل على هذا الترابط الدينى، والمواطنة بين المسرحيين على اختلاف طوائفهم فى مصر، أن الشيخ سلامة حجازى خصص إيراد عرض مسرحية كاترين هوار فى نوفمبر 1905 مساعدة منه لطائفة الإسرائيليين القرائيين! وبعد شهر واحد كرر الأمر بعرض مسرحية السر المكنون، وخصص دخلها لجمعية الاتحاد الأخوى الإسرائيلية. وفي عام 1908 مثّل الشيخ سلامة رواية عربية خصص ريعها لجمعية مساعدة العذارى، التى أنشأها جماعة أدباء الإسرائيليين القرائيين (<!--). وتأكيدًا على هذا الترابط الدينى، والرعاية الرسمية لهذه الأنشطة اليهودية المسرحية، ما ذكرته جريدة (مصر) يوم 7/10/1914، قائلة: " تحيى لجنة الشبيبة الإسرائيلية - المؤلفة لإعانة منكوبى الحرب - ليلة شائقة فى تياترو عباس فى مساء اليوم، تحت رعاية عطوفة القائمقام الخديوى. وسيحضرها الوزراء والمعتمدون السياسيون، ويغنى فيها الشيخ سلامة حجازى، وينشد حافظ بك إبراهيم وخليل مطران قصيدتين غراوتين، ويلقى سعادة باتا باشا خطبة بليغة. وثمن الكرسى عشرون قرشاً فنحث القراء على حضور هذه الحفلة الشائقة".
ب – الأفراد
إن كان حديثنا السابق اتجه نحو نشاط الجمعيات والنوادى اليهودية فى مجال المسرح المصرى الحديث؛ فإن حديثنا هنا سيتجه نحو جهود الأفراد؛ أى الجهود الفردية التى قام بها الممثلون أو الممثلات أو المطربون أو الكُتّاب – من اليهود - فى مجال المسرح الحديث فى مصر، وأول شخص وجدناه – بعيدًا عن يعقوب صنوع كما أشرنا - كان المُطرب الشامى اليهودى (مراد رومانو)، الذى كوّن فرقة مسرحية مع (سليمان القرداحى)، وقدم أعمالاً ناجحة طوال شهر يناير 1886 على مسرح البوليتياما بالإسكندرية، منها على سبيل المثال مسرحيات: زنوبيا، هارون الرشيد، يوسف، عنترة العبسى، تليماك (<!--). وفى الشهر التالى، قام مراد رومانو بتكوين فرقة مسرحية أخرى مع (يوسف الخياط)، وقدم فى الإسكندرية أيضًا عدة مسرحيات على مسرح زيزينيا، منها: عائدة، أندروماك، شارلمان (<!--). وفى يونية 1886 وجدنا مراد رومانو، يعمل من خلال فرقة مسرحية خاصة به على مسرح البوليتياما بالإسكندرية، وبدأ عمله بمسرحية الفرج بعد الضيق (<!--).
والمسرحى اليهودى الثانى، كان مطربًا أيضًا، وهو (زكى مراد) - والد المطربة والممثلة المشهورة (ليلى مراد)، ووالد المطرب والممثل (منير مراد) – وقد بدأ نشاطه المسرحى عام 1909 بالغناء بين فصول العروض المسرحية – أثناء تبديل الديكورات، وفى وقت الاستراحات – ثم وجدناه عام 1912 يلقى القطع الغنائية بجانب بعض الممثلين – أمثال زكى عكاشة – داخل العروض المسرحية لفرقة الشيخ سلامة حجازى، ثم وجدناه ممثلاً فى دور واحد فقط، وهو دور العاشق وليام فى مسرحية صلاح الدين الأيوبى. وفى عام 1914 وجدناه يلقى الأناشيد والمنولوجات بين فصول العروض المسرحية لفرقة أولاد عكاشة، وقام بالعمل نفسه لفرقة نجيب الريحانى عام 1918. وعندما أقامت الحكومة أول مسابقة شاملة فى مجال المسرح عام 1925، وجدنا زكى مراد يفوز بالجائزة الثانية للغناء المسرحى للرجال. وفي عام 1926 قرأنا إعلانات عن أسطوانات غنائية باسمه تُباع، وآخر عهدنا به كان مطربًا فى فرقة منيرة المهدية المسرحية (<!--).
اليهودي الثالث، كان (جورج أستاتى) - وربما كان شقيقًا للممثلات المصريات أبريز أستاتى، وألمظ أستاتى، وإيزابيل أستاتى – وللأسف لا نعرف عنه شيئًا سوى إنه كان ممثلاً فى فرقة نجيب الريحانى – أثناء عملها فى أمريكا – وذلك من خلال خبر واحد منشور فى إحدى المجلات عام 1925، حيث قالت هذه المجلة تحت عنوان نجيب الريحانى فى سان باولو بأمريكا: " بلغ إيراد الليلة الأولى التى أحياها الأستاذ نجيب الريحانى فى سان باولو 12000 ريال أمريكى. وعقد اتفاقًا مع أحد متعهدى المسارح على مدة شهرين فى نظير 250000 ريال مع العلم بأن عدد الممثلين معه لا يزيد عن ستة أشخاص هم: نجيب الريحانى، بديعة مصابنى، ألظ أستاتى، فريد صبرى، محمود التونى، جورج أستاتى " (<!--).
اليهودى الرابع، كان التركى (وداد عرفى)، الذى بدأ نشاطه فى مصر من خلال السينما عام 1926؛ عندما كوّن شركة سينمائية مع الفنان (يوسف وهبى) والدكتور ماركوس – صاحب شركة ماركوس السينمائية – من أجل تصوير أفلام فى مصر؛ ولكن الشركة فشلت فى أولى محاولاتها؛ حيث إنها بدأت العمل فى تصوير فيلم بعنوان محمد عن شخصية الرسول – صلى الله عليه وسلم – واعترض الأزهر على ذلك، فتم وقف المشروع، فتعاون وداد عرفى مع الفنانة (عزيزة أمير) فى مشاريعها السينمائية. أما نشاط وداد عرفى فى مجال المسرح؛ فكان عام 1927، عندما ألفّ – باللغة التركية - مسرحية السلطان عبد الحميد، التى عرّبها (عبد العزيز الخانكى)، وعرضتها فرقة (فاطمة رشدى) فى دار التمثيل العربى. وفى العام التالى 1928، كرر الأمر مرة أخرى؛ فألّف بالتركية مسرحية بيزنطة أو مدينة الدم، وعرّبها أيضًا عبد العزيز الخانكي، ومثلتها كذلك فرقة فاطمة رشدى. ومن الواضح أن نشاطه المسرحى اتجه كلية إلى فرقة فاطمة رشدى؛ حيث ألفّ لها ثلاث مسرحيات متتالية – بعد ذلك - خلال عامين، والمسرحيات هي: غليوم الثانى أمبراطور ألمانيا، والفاجعة، وإبراهيم باشا، والمسرحية الأخيرة عرّبها (فؤاد سليم). أما الفرقة الأخرى، التى ألفّ لها وداد عرفى؛ فكانت فرقة رمسيس – لصاحبها يوسف وهبى – حيث ألفّ لها مسرحية حريق روما عام 1928 (<!--). وبخلاف وداد عرفى هناك أسماء عديدة لكُتّاب يهود، ترجموا وعربوا واقتبسوا عدة مسرحيات، ولكنهم لم يؤلفوا المسرحيات، ومنهم: إسكندر عازار، إلياس عازار، سليم عنحورى، شمعون موريال، أدمون تويما.
ومما سبق يتضح أن دور الرجال اليهود فى مجال المسرح المصرى، كان محصورًا فى الغناء المسرحى بين الفصول، أو تأليف بضعة مسرحيات باللغة التركية – لا العربية – ولم نجد ممثلاً يهوديًا، استطاع أن يبرز اسمه فى تاريخ المسرح فى مصر – حتى عام 1920 - لأن هذا المجال تفوقت فيه النساء اليهوديات! وأول ممثلة يهودية كانت الشامية (لبيبة ماللى) – أو مانلى – وقد ظهرت كبطلة لعدة فرق مسرحية فى أواخر القرن التاسع عشر – مثل: فرقة سليمان القرداحى، وفرقة أبو خليل القبانى، وفرقة إسكندر فرح - حيث قامت لبيبة ببطولة أغلب مسرحيات هذه الفرق، ومن أشهر مسرحياتها: تليماك، حسن العواقب، البرج الهائل، غانية الأندلس، عائدة، صلاح الدين الأيوبي. وظلت هذه الممثلة تعطى فى مجال التمثيل المسرحى حتى سنة 1920، عندما وجدناها ضمن ممثلات فرقة أولاد عكاشة فى مسرحية مطامع النساء (<!--).
الممثلة اليهودية الثانية (ميليا ديان) - سورية متمصرة – ظهرت عام 1901 بوصفها بطلة فرقة إسكندر فرح، ومن أشهر مسرحياتها مدهشات القدر. وعندما كوّن الشيخ سلامة حجازى فرقته الخاصة عام 1905، كانت ميليا بطلة فرقته، وعرضت معه مسرحيات كثيرة منها: مظالم الآباء، غرام وانتقام، صلاح الدين الأيوبى، عائدة، تسبا .. إلخ، ووصفتها جريدة (الوطن) يوم 6/11/1905 بـ(نابغة الممثلات العربيات فى الشرق). وعندما مرض الشيخ سلامة، وكوّن أفراد فرقته شركة التمثيل العربى سنة 1910، كانت ميليا الممثلة الأولى فى هذه الشركة، وقامت ببطولة مسرحيات: عبرة الإبكار، الخداع والحب، حلم الملوك، وبسبب تألقها فى التمثيل، أطلقت عليها جريدة (الوطن) يوم 16/2/1912 لقب (سارة برنار الشرق)، تشبهًا بأشهر ممثلة مسرحية فى العالم – فى هذه الفترة – وهى (سارة برنار) الممثلة الفرنسية اليهودية. وظلت ميليا ديان وفيّة للشيخ سلامة حجازى، فلم تبرح فرقته حتى وفاته عام 1917، حيث انتقلت إلى فرقة عبد الرحمن رشدى سنة 1918، وإلى فرقة حافظ نجيب سنة 1920، وإلى فرقة جورج أبيض سنة 1921، وآخر عهدنا بها كان عام 1924، عندما وجدناها ممثلة فى فرقة منيرة المهدية (<!--).
وما قيل عن (لبيبة ماللى)، و(ميليا ديان) يُقال أيضًا عن أغلب الممثلات المصريات والعربيات اليهوديات العاملات فى مجال التمثيل المسرحى فى مصر، ومنهم: أستر شطاح، نظلى مزراحى، وردة ميلان، إديل ليفى، روجينا إسرائيل، هنريت كوهين، مريم ماللى – شقيقة لبيبة ماللى - صالحة قاصين وشقيقتها جراسيا قاصين، سرينا إبراهيم - الشقيقة الكبرى للممثلة السينمائية المشهورة نجمة إبراهيم - فكتوريا كوهين وشقيقتها سمحة كوهين، وأبريز أستاتى وشقيقتها ألمظ أستاتي وشقيقتهما إيزابيل أستاتي. فهذه الأسماء كانت نجوم معظم الفرق المسرحية منذ ظهور المسرح العربى فى مصر، وحتى أواخر عشرينيات القرن الماضى، ومن هذه الفرق: فرقة سليمان القرداحى، فرقة سليمان الحداد، فرقة إسكندر فرح، جوق الشيخ سلامة حجازى، فرقة جورج أبيض، جوق أبيض وحجازى، جوق الأوبريت الشرقى لمصطفى أمين، فرقة عبد الرحمن رشدى، فرقة عمر وصفى، فرقة منيرة المهدية، فرقة أولاد عكاشة، نادى موظفى الحكومة للآداب والفنون الجميلة، فرقة نجيب الريحانى، فرقة أمين عطا الله، فرقة على الكسار، فرقة أمين صدقى، جوق صدقى والكسار، فرقة سيد درويش، فرقة عزيز عيد، فرقة فكتوريا موسى.
ومما سبق يتبين لنا أن جهود العرب من اليهود – فى مجال المسرح المصرى – تمثل فى الغناء والتمثيل فقط، وهو مجال مهم جدًا – بالنسبة للنساء على وجه الخصوص – فلولا الممثلات اليهوديات لظل الرجال يقومون بتمثيل أدوار النساء، مما يعنى تأخر ظهور المسرح العربى، وبالتالى تأخر تطوره!! ومقابل هذا التفوق فى مجالى التمثيل والغناء، لم نجد جهودًا فكرية أو تأليفية لليهود العرب فى مجال المسرح – باستثناء وداد عرفى، الذى ألفّ بالتركية لا بالعربية!! – وهذا الأمر المُحدد فى مصر، ربما نجده فى بقية البلدان العربية الأخرى! ومن المؤكد وجود جهود مسرحية أخرى لأخواننا العرب من اليهود فى مجالات مسرحية أخرى؛ مثل: الإدارة المسرحية، أو الإدارة المالية، أو تأجير المسارح والقاعات، أو بيع التذاكر .. إلخ هذه الأمور، التى برع فيها اليهود بسبب تفوقهم فى إدارة المال والاقتصاد!
وربما حقيقة عدم وجود جهود فكرية وتأليفية لليهود العرب فى مجال المسرح، أصابت كل متعصب صهيونى إصابة بالغة؛ لأن هذه الحقيقة مرفوضة فى الفكر الصهيونى! ذلك الفكر الذى سعى – وما يزال يسعى بكل وسيلة ممكنة – لإثبات أن أغلب الحضارات العربية، أصحابها هم اليهود، وأنهم أصحاب معظم المبادرات، وأصحاب أعظم الأفكار والابتكارات، وأصحاب كل فكر بناء ..... إلخ! فكيف لا يكونوا روادًا لنهضة المسرح العربى فى أغلب الأقطار العربية؟!
تهويد المسرح العربي
فى عام 1996 أصدرت جامعة مانشستر فى إنجلترا كتابًا ضخمًا باللغتين الإنجليزية والعربية؛ عنوانه على القسم العربى الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية فى القرن التاسع عشر. وعلى القسم الإنجليزي Jewish Contributions to Nineteenth-Century Arabic Theatre، وقام بكتابة الكتاب كل من: (شموئيل موريه Shmuel Moreh) من الجامعة العبرية (<!--)، و(فيليب سادجروف P.C. Sadgrove) من جامعة مانشستر (<!--). والقسم الإنجليزى من الكتاب يقع فى (138) صفحة، وهو دراسة تاريخية نقدية تحليلية لدور اليهود فى المسرح العربى فى القرن التاسع عشر من خلال جهود: (أبراهام دانينوس 1797 – 1872 Abraham Daninos) فى الجزائر، و(يعقوب صنوع 1839 - 1912) فى مصر، و(زاكي كوهين ؟ - 1911) وابنه سليم فى بيروت، و(أنطون شحيبر ؟ - 1932) فى بيروت أيضًا. أما القسم العربى من الكتاب فيقع فى (305) صفحة، وهو عبارة عن نصوص ست مسرحيات، الأولى نزاهة المشتاق وغصة العشاق فى مدينة طرياق فى العراق لأبراهام دانينوس، والمسرحيات الخمس الأخرى لأنطون شحيبر، وهى: المريض الوهمى، مُدّعى الشرف، انتصار الفضيلة أو حادثة الابنة الإسرائيلية، ناكر الجميل، ذبيحة إسحق.
هذا الكتاب .. كان الهدف الصهيونى من وراء نشره – كما جاء فى مقدمته - إثبات " أن اليهود الذين يتحدثون العربية، كانوا روادًا لحركة نهضة المسرح العربى فى منتصف القرن التاسع عشر" (<!--)! ومن أجل تحقيق هذا الهدف الصهيونى (<!--)؛ أسهمت عدة جامعات رسمية، وعلى رأسها الجامعة العبرية فى نشر الكتاب، هذا بالإضافة إلى بعض الأسر اليهودية، مثل أسرة (أبو العافية)، التى ساعدت على ظهور هذا الكتاب، ناهيك عن الشخصيات اليهودية، التى مدت يد العون لدعم هذا الكتاب! لذلك وجه المؤلفان شكرهما وتقديرهما إلى هذه الجهات، وإلى هذه الشخصيات فى بداية الكتاب (<!--)!
وعلى الرغم من هذا الدعم؛ إلا أن المؤلفين شموئيل موريه، وفيليب سادجروف لم ينجحا فى تحقيق هدف الكتاب بالصورة المأمولة صهيونيًا؛ لأنهما فشلا – وبنسبة كبيرة - فى إقناع القارئ أن اليهود كانوا روادًا للمسرح العربى! وكنت أتمنى أن يتجه جهدهما نحو إبراز دور اليهود الحقيقى فى المشاركة المسرحية العربية، والابتعاد عن العنصرية الصهيونية؛ التى تسعى إلى تزوير التاريخ، وسلب الحقوق والريادات من أصحابها!!
أبراهام دانينوس فى الجزائر
أول مسرحية نُشرت فى كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية، هى مسرحية أبراهام دانينوس نزاهة المشتاق وغصة العشاق فى مدينة طرياق فى العراق! وهذه المسرحية دُرّة الكتاب، ومؤلفها أبراهام يُعدّ كشفًا تاريخيًا! فحتى صدور كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية عام 1996؛ كُنا نعتقد أن رائد المسرح العربى هو (مارون النقاش) اللبنانى، وأن أول مسرحية عربية كانت البخيل، التى عرضها مارون عام 1848؛ ولكن كتاب سادجروف وشموئيل أطاح – مؤقتاً – بهاتين الحقيقتين؛ حيث وردت فى الكتاب معلومات تقول: إن أبراهام دانينوس الجزائرى، هو رائد المسرح العربى؛ لأنه نشر مسرحيته نزاهة المشتاق وغصة العشاق ... عام 1847 فى الجزائر، أى أنه سبق مارون النقاش بعام كامل، وبذلك أصبح هو الرائد الحقيقى المُكتشف حديثًا، وأصبحت الجزائر موطن بداية المسرح العربى لا لبنان كما كان الجميع يعتقد منذ عام 1869، وهو عام صدور كتاب أرزة لبنان، الذى جمع تاريخ مارون النقاش، وجمع أعماله المسرحية والشعرية، وهذا الكتاب كان أول كتاب مسرحى عربى منشور (<!--)!
لم يكتف سادجروف بإعلان ريادة أبراهام دانينوس للمسرح العربى فى هذا الكتاب؛ حيث أعلنها مرة ثانية فى كتابه المسرح المصرى فى القرن التاسع عشر، الذى صدر بالإنجليزية عام 1996؛ أى بعد صدور كتابه الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية ... مباشرة وفى العام نفسه! كذلك فعل شموئيل موريه عندما أعلن ريادة دانينوس للمرة الثالثة فى مقدمة تحقيق مسرحية الأحمق البسيط باللغة العربية عام 1997! وبهذا نجد إصرارًا كبيرًا من قبل سادجروف وشموئيل على نشر ريادة أبراهام دانينوس للمسرح العربى!
وإذا نظرنا إلى المعلومات المنشورة فى كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية .. عن دانينوس ومسرحيته، سنجدها تتمثل في: إن مسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق ...، هي (مسرحية جزائرية) كما جاء فى فهرس القسم العربى فى الكتاب، وفي الصفحة الأولى! أما الصفحة الأولى لنص المسرحية، فكتب سادجروف وشموئيل – بعد عنوان المسرحية – " تأليف أبراهام دانينوس المترجم فى محكمة الجزائر حوالى سنة 1847"! وكلمة (حوالى) عائدة على عمل دانينوس فى المحكمة، لا على تاريخ نشر المسرحية؛ بدليل قول المؤلفين فى القسم الإنجليزى من الكتاب: " إن هذه المسرحية طُبعت فى المطبعة الحجرية، دون ذكر لمكان النشر، أو تاريخ النشر " (<!--)!!
وبالرغم من عدم تحديد تاريخ نشر هذه المسرحية؛ إلا إن عام 1847، أصبح التاريخ المُعتمد فى الكتاب، والمعتمد أيضًا فى جميع الكتابات العربية، التى تناولت ريادة دانينوس للمسرح العربى (<!--)! فالمعروف أن مارون النقاش هو رائد المسرح العربى، عندما قدّم مسرحيته البخيل فى بيروت عام 1848. وهذا التاريخ أثبته أكثر من مرة نقولا النقاش – شقيق مارون - فى كتابه أرزة لبنان عام 1869، عندما قال: "... بهذا المكان عينه قد تقدمت أول رواية عربية من أستاذى وأستاذكم أخى مارون نقاش، تغمده الله بغزير رحمته. وموقفى الآن هنا مكان موقفه فى سنة 1848. يذكرنى ما قاله بخطبته على رواية البخيل، التى هى أول رواية تقدمت بلساننا العربى". وقال فى موضع آخر: "... فى أوائل سنة 1848 قدم فى بيته إلى أصحابه رواية موسيقية معروفة برواية البخيل، ودعى إليها كامل قناصل البلدة وأكابرها؛ فأعجب هذا الفن أهالى بلادنا حتى شاع ذكر هذه الرواية بكل البلاد العربية، واندرجت فى الغازيطات [ أي الجرائد] الأفرنجية". وفي موضع ثالث ذكر خطبة مارون تحت عنوان "الخطبة التى تلاها رحمه الله عند تقدمة أول رواية فى شهر شباط سنة 1848 "(<!--).
إذن عام 1848 هو عام ريادة المسرح العربى على يد مارون النقاش؛ وعندما يحاول البعض – وعلى رأسهم سادجروف وشموئيل - إقحام عام 1847 – دون سند توثيقى أو علمى – بوصفه العام المُفترض لنشر مسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق ..؛ ليُصبح مؤلفها (أبراهام دانينوس) رائدًا للمسرح العربى؛ لأنه سبق مارون النقاش بعام واحد! فهذا يعنى تحويل البحث العلمى إلى مؤامرة صهيونية غير شريفة! الغرض منها سلب ريادة المسرح العربى من مارون النقاش المسيحى اللبنانى، وإلصاقها بأبراهام دانينوس اليهودى الجزائرى!
وللأسف الشديد، نجحت هذه المؤامرة منذ عام 1996 – وحتى الآن – حيث إننى لم أجد أحدًا تناول هذه القضية إلا وتحدث عن أبراهام دانينوس؛ بوصفه رائدًا للمسرح العربى، لا سيما بعد عام 2003، عندما نشر د.مخلوف بوكروح تحقيقًا آخر لمسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق .. لأول مرة فى الجزائر! وآخر من تحدث فى هذا الأمر، كان الدكتور عبد الرحمن بن زيدان، عندما قال: " ... وبهذا يكون كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية ... للباحثين فيليب سادجروف وموريه إضافة نوعية للدرس النقدى الذى يهتم بتاريخ المسرح العربى، لكن من منظور آخر، هو منظور مساهمة اليهود فى النهضة المسرحية العربية، التى تعطيهم الريادة فى كتابة النص المسرحى المؤلف والمنشور، هذا الكتاب الذى سيظل متبوعًا بسؤال هذه الريادة، وسيظل محكومًا بما سيأتى به البحث – استقبالاً – فى مجال المسرح لإبقاء هذه الريادة قائمة إذا لم يظهر نص مسرحى عربى آخر، أو يعيد النظر فى هذه المسلمة وذلك حين يتم اكتشاف نصوص أخرى تكون قد ساهمت فى تأسيس عمر المسرح العربى الذى ضاعت كثير من الوثائق والمستندات التى تتحدث عن أزمنته وتجاربه. لقد فتح هذا الكتاب الباب على مصراعيه أمام دراسات أخرى تحدثت عن نص دانينوس الجزائرى فقط، دون النظر إلى العرق أو الديانة والمقصود هنا الكتاب الذى قدمه مخلوف بوكروح، وقدّم فيه مسرحية أبراهام دانينوس كأول نص مسرحى تأليفًا وطباعة " (<!--).
وبناءً على ما سبق، بدأت الكتابات الجزائرية والعربية تتوالى، وبدأت الاجتهادات تظهر فى الآفاق حول مسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق وصاحبها. وأغلب هذه الكتابات والاجتهادات، تحدثت – ومازالت تتحدث – عن أمور اجتهادية، بوصفها حقائق علمية (<!--)، تتلخص فى : أن المؤلف الجزائرى اليهودى أبراهام دانينوس، ألف مسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق ..، وطبعها فى المطبعة الحجرية بالجزائر عام 1847، وبذلك يكون رائدًا للمسرح العربى!
وهذه العبارة – التى هى الشغل الشاغل فى قضية ريادة المسرح العربى فى وقتنا الحاضر - تحتاج إلى مراجعة دقيقة قبل تبنى ما فيها من معلومات! ومنها جزائرية دانينوس! وبمعنى آخر: هل أبراهام دانينوس يهودى جزائرى بالفعل؟! فسادجروف وشموئيل قالا عنه: "يهودى من اليهود السفرديم، مُتحدث العربية، مُقيم فى الجزائر" (<!--)، ورغم ذلك حاول المؤلفان الالتفاف على هذا الأمر، مستخدمين المراجع التاريخية، والحُجج السياسية، والمنطق السليم فى قبول الأمر فى بعض الأحيان، والمنطق غير السليم فى أحيان كثيرة! ورغم ذلك لم يستطع المؤلفان إيجاد مرجع واحد، أو عبارة واحدة صريحة تقول: إن أبراهام دانينوس جزائرى أو من أصول جزائرية!!
والدليل على ذلك أن سادجروف وشموئيل كتبا فصلاً كاملاً عن دانينوس ومسرحيته تحقيقًا وتوثيقًا، ولم أجد فى هذا الفصل عبارة صريحة عن جزائرية دانينوس! بل ما قرأته – فى هذا الفصل - يدل على فرنسيته أكثر مما يدل على جزائريته! ومن الأقوال الدالة على ذلك: " أُلفت هذه المسرحية بواسطة يهودى يتحدث اللغة العربية فى الجزائر ..... ما الذى جعل يهوديًا يتحدث العربية كاتبًا للمسرح فى الجزائر؟ ..... منذ بداية الاحتلال كان دانينوس على صلة وثيقة بالفرنسيين .... كان دانينوس مساعدًا ومترجمًا ودليلاً للقائد العسكرى توربين خلال حملته العسكرية .... إن دانينوس استمد علمه فى الأدب والفلكلور العربى من خلال تعامله اليومى مع المثقفين العرب فى الحىّ وفى المقهى والتجارة " (<!--).
وإذا نظرنا إلى أسلوب دانينوس فى الكتابة بالعربية؛ سنجده أسلوبًا شبيهًا بالأجنبى الذى يتعلم مبادئ العربية! والذى يثبت بجلاء أن دانينوس فرنسى لا محالة! وكفى بنا أن نذكر ملخص مسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق كما أورده دانينوس بخط يده – فى بداية نص مسرحيته المنشور - تحت عنوان هذا شرح حكاية هذا الكتاب، قائلاً: " نعمه بنت قايد واحد الوطن فى العراق نعمان بن عمّها شقيق زوّجته فى حياة أبوها كيف مات أبوها نعمان رجلها تولع بالسفر ورجع رئيس متاع واحد القرصان فى خدمة الباشا وسافر الهند مع الرئيس دمنهور صاحبه كيف رجع السفر نعمه تغيير قلبها عليه وحبّت تطلقه وتأخذ أملاكها ورزقها وتزوّج القايد رابح ابن خالها هكذا دبّرت عليها أمّها فى هذا الحال الباشا أمرهم يرجعوا يمشيوا لجزور واق يجيبوا الغرامة والعشور ومن هناك يمشيوا لأرض الكافور يجيبوا الطيور والدرّات الّى ريوشهم على كل لون غريب والشجور الّى وراقهم ورقه ذهب ورقه فضّه وحبهم من زمرّد وروبين والحوت لون الذهب والفضّه وعطاهم هديّه عظيمه للحكيم مغرب حاكم ارض زوجة الرئيس دمنهور بقّت حزينه وجازت عليها غصّه كبيره كيف شافت الشقوف الكل رجعوا من غير رجلها دمنهور ونعمه حتى هى رقّ قلبها لابن عمها نعمان وكيف رجعوا سامحت قلبها عليه ورجعت معه كيف قبل ودمنهور رجع حتيهو ولاجل ذلك عملوا النزاهة" (<!--).
وإذا نحينا جانباً الحديث عن أصل أبراهام دانينوس المتأرجح بين الفرنسى والجزائرى – رغم وضوح فرنسيته بناءً على أسلوب كتابته للعربية - حتى يحسمه أحد المتخصصين فى تاريخ اليهود فى الجزائر فى القرن التاسع عشر - وافترضنا جدلاً أنه جزائرى! سنجد أمامنا هذا السؤال: هل طُبعت بالفعل مسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق .. فى المطبعة الحجرية فى الجزائر عام 1847؟!
بالنسبة لطباعة المسرحية فى المطبعة الحجرية؛ فهذا أمر مؤكد لا شك فيه؛ لأن شكل الطباعة واضح وظاهر ويثبت أسلوب الطباعة الحجرية؛ ولكن الشك يتمثل فى هذا السؤال: أى مطبعة حجرية طبعت هذه المسرحية؟ المعروف – بناءً على ما سبق، وبناءً على المعلومات المعروفة – أن المسرحية طُبعت فى المطبعة الحجرية فى الجزائر! وهذا أمر غير منطقى بنسبة كبيرة؛ لأن المطبعة الحجرية أدخلتها فرنسا إلى الجزائر عام 1847 من أجل طباعة جريدة (المُبشر) (<!--) كأول جريدة رسمية تصدر فى الجزائر باللغتين العربية والفرنسية، من أجل اطلاع أهل الجزائر على قوانين المستعمرين وأوامرهم (<!--)!! ولا يُعقل أن هذه المطبعة تطبع مسرحية فى أول عام لها، وهى مطبعة رسمية للاستعمار!!
فالمعروف أن جميع المطابع الحجرية – وغير الحجرية – عندما تدخل أية دولة لأول مرة، تقوم بطباعة الصحف الرسمية، والنشرات السياسية، والأوامر والقوانين، ثم الكُتب الدينية والتعليمية، ثم كتب التاريخ والتراث، ثم دواوين الشعر، ثم الكُتب الأدبية المعاصرة كالروايات والمسرحيات .. إلخ، وهذا الترتيب يستغرق سنوات كثيرة؛ أى أن مسرحية دانينوس لا يُمكن طباعتها فى المطبعة الحجرية فى الجزائر إلا بعد عام 1847 بعدة سنوات!! فتونس مثلاً أدخلت المطبعة الحجرية عام 1849، وأول كتاب طبعته مسامرة قرطاجنة وهو مناظرة دينية بين قاضٍ ومفتٍ وراهبٍ. وفى المغرب دخلت أول مطبعة حجرية عام 1864، فطبعت أول ستة كتب فى سبع سنوات، وكلها كتب دينية وتعليمية (<!--)!
وبناءً على ذلك نقول: إن مسرحية نزاهة المشتاق وغصة العشاق .. طُبعت فى المطبعة الحجرية الجزائرية بعد عام 1847 بسنوات كثيرة، أو أنها طُبعت بالفعل عام 1847؛ ولكن فى المطبعة الحجرية فى فرنسا، وليست فى الجزائر! والدليل على ذلك أن نُسخة هذه المسرحية لم تُذكر فى كُتب الفهارس والمؤلفين وفهارس المطابع! ولم تُدرج فى بحوث المتخصصين، الذين تحدثوا عن أوائل المطبوعات العربية أو المطابع الحجرية؛ مما يؤكد أن المسرحية طُبعت فى المطبعة الحجرية فى باريس، وليست فى الجزائر!!
(تابع) هذه الدراسة في الجزء الثاني والثالث حتى تكتمل نصاً
ساحة النقاش