👏سلسلة من مقالات منتقاة من كتابي الجديد (أصول الفقه التربوي)
كمحاولة لفهم تربوي عميق وإدراك حياتي دقيق
🌛درء المفاسد مقدم على جلب المصالح🌜
تصور وعاء فيه عدة ثقوب وأردت ملأه ،فهل تملأه اولا ام تسد الثقوب؟
المنطق يقول ان تسد الثقوب اولاً ثم بإمكانك ملأه كما شئت , هذه القاعدة ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) والموصوفة في المثال السابق مهمة جدا في حياتنا التربوية والأسرية ولو اتقنا ذلك الفهم لكان وضعنا على المستوى العام احسن حالا ،فهناك أشخاص كثيرون, لهم أعمال طيبة, إلا أن هذه الأعمال ترافقها أعمال سيئة, هذا الإنسان اسمه كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام : مخلِّط, خلط عملاً صالحاً, وآخر سيئاً.
يقول عليه الصلاة والسلام :
((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط)) أورده الألباني بالسلسة الضعيفة وهو حديث ضعيف ومعناه لطيف.
لأن الورِع وعاؤه محكم, مهما قلت الكمية, أما المخلط فوعاؤه غير محكم, فمهما قذف فيه فلا يبقى شرابه.
لذلك قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، من القواعد الفقهية التي حام حولها كثير من كلام أهل العلم في كتب الأحكام والقواعد الفقهية والمقاصد، وهذا مما يؤكد على أهمية هذه القاعدة ومكانتها بين القواعد الفقهيةوالتربوية.
تدل القاعدة على أن المفاسد متى ما كانت أكبر من المصالح فإن الواجب دفعها قدر الإمكان، ولا ينظر في تحقيق المصلحة لكونها مغمورة في المفسدة، أما إذا كانت المصلحة أعظم من المفسدة فالقول الراجح هو الإتيان بتلك المصلحة لكون المفسدة مغمورة في تلك المصلحة، وإن تساوت المفاسد والمصالح وهو أمر يكاد يكون متعذراً فقد اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة.
القول الثاني: إن جلب المصلحة أولى من دفع المفسدة.
القول الثالث: التوقف أو بالتخيُّر في كل حالة بحسبها وما يلابسها.
دليل القاعدة: من الأدلة التي يستدل بها على القاعدة قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }[البقرة:219], ووجه الدلالة من الآية: أن الخمر حرمت في الشريعة وإن كان فيها بعض المنافع؛ لكون مضارها أعظم من المصالح الموجودة فيها.
ومن أدلتها أيضاً قوله تعالى (ولا تَسُبُوا الَّذِينَ يَدْعُونَ من دوُنِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) سورة الأنعام، آية (108). ووجه الدلالة من الآية: أن في سب آلهة الكفار مصلحة وهي تحقير دينهم وإهانتهم لشركهم بالله سبحانه، ولكن لما تضمن ذلك مفسدة وهي مقابلتهم السب بسب الله عز وجل نهى الله سبحانه وتعالى عن سبهم درءاً لهذه المفسدة.
منع التجارة في المحرمات من خمور ومخدرات وخنازير، ولو أن فيها أرباحاً ومنافع اقتصادية، لكون أضرارها أعظم من مصالحها.
دفع مفسدة غضب الزوجة ونفورها وما يتبع ذلك من شقاق , أولى من جلب مصلحة الصدق معها في ذكر مشاعر عدم الحب او الارتياح لها .
يمنع الشخص من التصرف في ملكه إذا كان تصرفه يضر بجاره ضررًا فاحشًا، لأن درء المفاسد عن جاره أولى من جلب المنافع لنفسه.
حُرمة بيع السلاح في أوقات الفِتَن، وإن كان فيه مصلحة، لكن لما كانت المفسدة مُتحققة في بيعه في أوقات الفتن حرم بيعه لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
المغالاة في المهور ، فإن فيه مصلحة بزيادة المال إلا أن مفسدته أعظم وأكبر كانتشار العنوسة .
لو أن شخصا دعي إلى عرس أحد الأقرباء وكان هذا العرس فيه بعض المنكرات ولم يستطيع أن ينكر فإن غيابه مقدم على حضوره ؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
هجرة المسلم محرمة( التربية بالهجر للأبناء بحكمة ) لما فيها من المفسدة ، لكنها جازت في ثلاثة أيام دفعا للمشقة عن المحرج الغضبان ...
قطع العلاقة بصديق صاحب منكر وتأثيره قوي على الأولاد خوفاً من فتنته على الأسرة.
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله: وإذا تأملت شرائع دينه التي وضعها بين عباده وجدتها لا تخرج عن تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان وان تزاحمت قدم أهمها وأجلها وعطل أعظمها فسادا باحتمال أدناهما.
وللقواعد صلة انتظرونا بمزيد من التفصيل
نزار رمضان
ج/0508705124
ساحة النقاش