يحزننى ويؤلمنى ماألم بلغتنا الفصحى فى الآونة الأخيرة من إهمال وتخريب ، حيث نراها تتعرض لعملية تجريف وتشويه لأبجدياتها أضرت بها كتابة" ونطقا"، ومن المؤسف أن يحدث ذلك فى أمة " اقرأ" التى كانت أولى رسائل السماء إلى رسولها الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) هى كلمة " اقرأ " ..؟
فالراصد لأحوالنا ..الغيور على لغتنا الجميلة بات يسمع العجب العجاب من جيل اللمبى ، والصغير ، والعنب، وشكمان عبد الرحيم ..!! وقوم اقف وأنت بتكلمنى.! وبحبك ياحمار ..! ولهجة الروشنة من جيل النيولوك والموبيل وادينى رنة ..!! .. وركاكة رسائل الموبيل بلغة الفرانكوا آراب ..!! إنها حقا" ملهاة ، حتى الجاد منها حين نرى مزيعى نشرات الأخبار ، ومقدمى برامج التلفاز المصرى يتطاولون على اللغة العربية تطاولا" سافرا" ومعيبا" ، فيرفعون المنصوب ، وينصبون المرفوع ، ويأتون بمفردات ليس لها أى مكان من الإعراب ....... وإذا اعتراك السأم فرحت تتابع برنامجا" حواريا" مع مسئول كبير ، أو تستمع لحديث أو خطاب من أحد الوزراء لرأيت انتهاكا" صارخا" لكل قواعد النحو والصرف ولتحسرت كثيرا" كمثل ذلك الشاعر الغيور الذى قال :
مازال أخذهم فى النحو يؤلمنى ......كأنه حديث الغربان والبوم ..!!!
وفى معرض البحث عن جذور هذه المأساة اللغوية ، والوقوف على أسبابها بداية" بالمدرسة .. ومرورا" بالأسرة ... وانتهاء" بالمجتمع ، سوف نرى انحسار مكانة اللغة العربية فى مدارسنا ، وتقليص ساعات التدريس ، وضعف مستوى المعلم ... فأين منا الآن حصص المكتبة والقراءة الحرة ..؟؟ وأين المسابقات الأدبية بين الفصول والمدارس المختلفة ..؟؟ والمحتوى الجيد لمجلات الحائط ، ثم أين التوظيف النوعى للرحلات الترفيهية حين كان يطلب من التلاميذ أن يكتبوا موضوعا" تعبيريا" عن مشاهداتهم ، وانطباعاتهم أثناء الرحلة ... ثم أين الكتاتيب التى راحت أثرا" بعد عين وقد كان لها الأثر الفعال فى إتقان اللغة العربية لغة القرآن.
وأما عن الأسرة .. فلايخفى على نابه ما أصابها من تصدع بعد أن صار عائلها مطحونا" فى عمله .. ومنصرفا" عن تربية أولاده وتوجيههم ورعاية مواهبهم ..ناهيك عن إغتراب العائل طويلا" بحثا" عن الرزق ، فاختفت مكتبة الأسرة .. وتلاشت مقولة " خير جليس فى الزمان كتاب "، وضمرت الملكات ، واندحر التميز، وأصبح التلفاز هو الموجه والمعلم فانتشرت ثقافة كركر ..! وتسطحت العقول..!
وننتهى بأزمة مجتمع يفرط فى هويته ، ويتنكر للغته ، ويصم آذانه عن دعوة شاعرنا الراحل أحمد شوقى الذى قال :
صن لغة يحق لها الصيان ... فخير مظاهر الأمم البيان
فنرى هذا المجتمع بمختلف طوائفه قد فتح ذراعيه وسمعه وبصره لموجة تغريب عاتيه تجتاحه كالإعصار ، وتستهدف إيمانياته .. وقيمه .. وثوابته .. وموروثاته ، فها هى المدارس الأجنبية تفرض وجودها على الخريطة التعليمية فى مصر فتثرى مناهجها ، وثقافاتها ، ولغاتها ، وتهمش لغتنا الأم ، وحكومتنا الرشيدة تفتح لها الأبواب وتغض الطرف عن محتوى مناهجها بدعوى العولمة والإنفتاح على ثقافات العالم...؟؟!!
وهاهى السماوات المفتوحة بلا ضابط أو رابط ، تقذف إلينا بسموم فضائياتها من كل حدب وصوب لتستقطب عيون شبابنا وآذانهم فى منهجية تحريضية تبث السم فى العسل، وكانت النتيجة عزوف الشباب عن القراءة والإطلاع ، وصارت الثقافة عبئا" عليهم ، فتبدلت إهتماماتهم وطاشت عقولهم ، وعجبى على الشاعر الذى قال :
أنا من بدل بالكتب الصحابا ....... لم أجد وافيا" إلا الكتاب
وأخيرا" وليس آخرا" أقول بصوت مبحوح يذبحه الألم :
ياويل أمة فرطت فى لغتها .. وانسلخت من هويتها .. وتنكرت لثوابتها
وياحسرتا على جيل سيعتلى الكراسى يوما ما ، ويصدق فيهم قول الشاعر
أعمى يقود بصيرا" ، لا أبا لكم ...... قد ضل من كانت العميان تهديه ..!!
ساحة النقاش