نظرات

موقع اجتماعي سياسي و تربوي ونفسي يهتم بالطفل وتربيته وقصصه

د نعمان حسن البرديسي

      

 يروى أحد مرضى المستشفيات السعودية هذه الواقعة الحقيقية التى عايشها أثناء إقامته بالمستشفى بعد إصابته فى حادث سيارة أدى إلى حدوث كسور متعددة بجسده ورأسه مما دعا الأطباء لوضع سائر جسده فى لفافات الجبس وشد ذراعيه وساقيه بشدادات حديدية بحيث لم يكن يستطيع تحريك رأسه أو جسده فى أى إتجاه ......... يقول : أصبت بحالة من الحزن والإحباط الشديدين ، وكنت أتألم وأبكى طوال الليل ، فشعر بحالتى هذه المريض الراقد على السرير المجاور لى ، فتعرف على وبدأ يحدثنى عن حالته المزمنة والأمراض العديدة التى يعانى منها ، وأخذ يصبرنى ويحدثنى عن جزاء الصبر والإحتساب عند المولى عز وجل . علم أننى لاأستطيع أن أحرك رأسى فقال لى : لاتقلق سوف أجعلك تشعر كأنك تحرك رأسك تماما .. هذه نافذة كبيرة بجوارى تطل على لوحة طبيعية خلابة ... وسوف أنقل إليك مأراه بعينى من خلالها وبدأ ينقل لى ما يراه ... هذه نافورة مياه متدفقة تحتضنها مساحات من الخضرة والجداول المترامية ..

. وراح يصف لى أشكال الأشجار ، وأنواع الزهور المتناثرة فى أنحاء المكان ، ثم راح يصف أنواع الطيور والعصافير التى تحلق حول هذه اللوحة المخملية من صنع الخالق الذى أبدع كل شىء خلقه .. وكان ينتقل بى تارة إلى وصف حركة الشارع اليومية .. جماعات العمال التى تتحرك بنشاط إلى عملها مع كل إشراقة صباح جديد ، وكنت أسمعه يدندن بترنيماتهم البسيطة العفوية التى تدفع الحماس فى عروقهم وسواعدهم.. وتارة أخرى يصف لى أنواع وأشكال السيارات التى تمر أمام النافذة .

           

.ثم يتوقف ليصف صفاء السماء وحركة السحب وجمال دقات رذاذ الندى على سطح النافذة.. وقد سار على هذا المنوال كل يوم وكانت روياته متنوعة وغاية فى الإتقان والتشويق حتى ألفت حديثه وروياته التى كانت تسرى عنى ، وتخفف من آلامى وتؤنسنى فى محبسى فى قفص الجبس.

وذات يوم وأنا اتهيأ لسماع أحاديثه ورواياته اليومية .. لم أشعر به ! ناديت عليه فلم يجبنى ؟؟! صرخت طالبا" ممرضة القسم وسألتها عنه .. فأطرقت رأسها وقالت بنرة هادئة حزينة : عم حمزة انتقل إلى رحمة الله ليلة الأمس ...؟؟؟؟!!! فنزل الخبر على كالصاعقة .. وقلت لاحول ولاقوة إلا بالله .. كيف حدث هذا ولم أشعر به ولم أودعه ....؟؟؟؟؟ فأجابت الممرضة : كنت أنت نائما" من تأثير إبرة المخدر التى أعطيناها لك فى المساء، وعم حمزة داهمته أزمة قلبية مفاجئة نقلناه على أثرها إلى العناية المركزة وتوفى هناك ؟؟!! فحزنت حزنا" شديدا" ، وتحجرت الدموع غى مقلتيى وأنا أقول للممرضة : رحمة الله عليه .. لقد كان يؤنسنى ... ويخفف عنى ويحكى لى يوميا" مايراه خلال النافذة التى بجواره ، فرأيت علامات الدهشة على وجه الممرضة وهى تقول : أية نافذة ؟؟!!! لم يكن بجواره إلا جدار من الحجر لأن النافذة فى الناحية الأخرى من الحجرة ؟؟!! ثم إن عم حمزة كان ضريرا" ...؟؟؟؟!!!! فصعقتنى المفاجأة ... فقد كان يوهمنى أنه يرى من خلال النافذة حتى يخفف عنى آلامى ويسرى عنى ... ثم سارعت بسؤالها عن الأمراض التى كان يعانى منها.. والتى ذكر لى الكثير عنها ؟؟ فأجابتنى الممرضة بأنه لم يكن يعانى إلا من أزمة ربو بسيطة ...؟؟؟!!!! وأنه لم يكن عنده أى من الأمراض التى ذكرتها ....؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!! فأيقنت أنه أراد أن يضخم من حجم مصيبته حتى يخفف عنى وطأة مصيبتى .. انتهى .

تلك كانت رواية المريض المجاور لسرير عم حمزة والتى نرى فيها الكثير من الآيات والعبر ... الإيمان بقضاء الله وقدره ... والصبر على البلاء والمصائب ... وحب الناس ، والتعاطف مع آلامهم وإدخال السرور عليهم للتخفيف عنهم رغم مانعانيه من آلام مثلهم . حقا" إن السعادة الحقيقية ..... هى أن تسعد الآخرين .. فلنتعلم من هذه القصة المعبرة أن السعادة ليست " قيمة " فحسب بل " ممارسة " .. وقمة السعادة هى " العطاء " بدون مقابل ، فلا تنتظر أن تأخذ لكى تعطى ، ولنتذكر أن كل شىء ينقص إذا قسمناه على إثنين إلا السعادة فأنها تزيد إذا شاركناها مع الآخرين . ولنتعلم الرضا .. والصبر .. والإيمان المطلق بقضاء الله وقدره .. والتسليم الكامل لمشيئته من غير إعتراض أو تسخط بل بيقين راسخ أن رب الأرباب ومسبب الأسباب لايريد للعبد إلا الخير، فإن لم يكن فى الدنيا فهو مدخر لآخرته. ورحمة الله عليك ياعم حمزة.

  • Currently 353/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
117 تصويتات / 1930 مشاهدة
نشرت فى 3 مايو 2009 بواسطة nazrat

ساحة النقاش

محمدمسعدالبرديسي

nazrat
( نظرات ) موقع إجتماعي يشغله هم المجتمع سياسيا وتربويا بداية من الاسرة الى الارحام من جد وعم وخال الى آخره , الاهتمام السياسي أساسه الدين النصيحة و يهتم بالثقافةبألوانها ويعد الجانب النفسي والاهتمام به محور هام في الموقع كذلك الاهتمام بالطفل ثقافة وصحة »

ماذا تود البحث عنه ؟

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

619,769

مصر بخير

                         
* الشكر واجب للسيد العقيد هشام سمير  بجوازات التحرير , متميز في معاملة الجمهور على أي شاكلة ..

* تحية للمهندس المصري محمد محمد عبدالنبي بشركة المياه