عشرون مليون إنسان أكثر من نصفهم شيوخ ونساء وأطفال، شردتهم فيضانات غير مسبوقة في باكستان، فهدمت بيوتهم وجرفت الطرق والجسور، فهام المساكين على وجوههم بلا مأوى ولا غذاء ولا ماء؛ إذ الوصول إليهم بالمعونات عسير وعسير جدًّا.
فابتداء لا نقول إلا ما نعتقده يقينًا: الحمد لله على قضائه وقدره، وصدق سبحانه وهو أصدق قائل إذ عَلَّمنا في محكم التنزيل أن نستسلم لقدره بنفوس راضية وقلوب مطمئنة، قال عز من قائل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
لكن التسليم بقدر الله لا يتنافى مع بذل أقصى الوسع في مواجهة أسباب المحنة والسعي لإزالة ما أمكن من آثارها, فذاك كذلك من قدر الله، مثلما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما عجب أبو عبيدة من قرار عمر عدم دخول أرض فيها الطاعون بفلسطين، فقال له: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ فقال الفاروق: نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله.
إن لهذه المأساة التي تؤلم قلب كل مؤمن -بل تستثير ضمير كل إنسان بقيت لديه ذرة من إنسانيته لم تمسخها ثقافة البغضاء- جوانبَ ليست سيئة بالضرورة، فقد جرفت السيول معها جملة من الشعارات الزائفة، وهي ساقطة أصلاً عند ذوي الألباب، لكن أبواق التضليل كانت تضخ قناطير مستمرة من الأكاذيب التي قد تخدع بعض العامة وغير المتابعين لقضايا الفكر والشأن السياسي العام.
والغرب الكذوب يتصدر الساقطين في امتحانات باكستان العسيرة، الغرب الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل اعتقال أحد عملائه، أو من أجل كلبٍ نَفَق في نقطة قصيَّة من الأرض، لا يبالي بكارثة تضرر منها عشرون مليون إنسان، لا ذنب لهم غير أنهم مسلمون!! ومن بقي عنده شيء من عدم اليقين، فليضع موقف الغرب التعامي عن طوفان باكستان في مقابل دعمه الغادر لمتمردي دارفور!!
وحتى المنظمات القليلة المتخصصة نظريًّا في مساعدة البشر، حرصت على تصوير لقطات لمساعداتها الهزيلة التي ألقتها من الطائرات كيفما اتفق!!
الغرب صاحب الصراخ الدائم عن الإنسانية والحياد بين أتباع المِلَل، والمساواة المزعومة بين الأعراق، مشغول عن صرخات المشردين من فيضانات باكستان، بمطاردة باكستانيين مدنيين قرر الغرب الجائر أنهم إرهابيون، فحكم عليهم بالموت عبر طائراته التي تطير بلا طيار!!
وثاني الساقطين في الامتحان الرئيس اللاديني المسيطر على الحكم في إسلام آباد، فبينما مواطنوه يغرقون ويهيمون على وجوههم في الجبال والبراري، كان آصف علي زرداري يسافر إلى لندن لبيع أحد قصوره هناك، ويحتفي بتخرج ولده في إحدى الجامعات البريطانية!!
وهذا التغريبي ذهب إلى بلاد الإنجليز بعد أن أهانه رئيس وزرائهم علانيةً بأيام، وأكمل القوم ازدراءهم له، فلم يجد في المطار مسئولاً رفيع المستوى يستقبله!!
وسقط الإعلام التغريبي المنشغل بمسلسلات المجون والتفاهة، ولو كان ضحايا هذه المحنة عشرة من البوذيين، فضلاً عن اليهود والنصارى، لشبعنا تقارير وتغطيات تدمي القلوب!!
وفي حين فشلت دولة كاملة بأجهزتها الضخمة -لأن قادتها متغربون لا ينتمون إلى وطنهم- كان النجاح اليتيم من نصيب الجمعيات الإسلامية الباكستانية التي استطاعت إيصال نجدتها إلى المحتاجين بجدارة شهدت بها صحيفة نيويورك تايمز، التي لا يمكن اتهامها بالانحياز إلى "الأصوليين"!!
بل إن أبواق التغريب أبت إلا أن تسقط سقوطًا آخر فوق سقوط صمتها الخياني اللئيم؛ إذ شن بعضها حملة رخيصة للتشكيك في نية المؤسسات الخيرية الباكستانية الإسلامية، وأن غايتها انتخابية!! فهل شق هؤلاء الزنادقة عن قلوب الناس؟! وهل يعلم السرائر غير الحق تبارك وتعالى؟
أفليس من العار على القوم، أنهم يهاجمون الإسلاميين لأي تقصير يتوهمون أنه وقع منهم، كما يهاجمونهم عندما يتحركون بتميُّز وجدارة، وكأن نيات البشر صارت من اختصاص أولئك الفجرة، الذين دأبوا على الهزء بقطعيات الإسلام!!
============================================
* نظرات :
نعم انه لابتلاء ليس لأخوتنا في باكستان فحسب بل لنا جميعا كمسلمون لعلنا نتضرع الى الله في مثل هذه الأيام المباركات أن يثبتهم ويخلف عليهم خيرا ويعوضهم بأفضل مما أصابهم من مصائب ونحمد الله تعالى من ثم على ما نحن عليه من نعم صغرت أم كبرت ونلهج الى المولى عز وجل ألا يصيبنا بذنوبنا فبلاء هو أفضل من بلاء إن كان من غلاء وبعض فساد أو غيره إنه نعم المجيب
ساحة النقاش