"الأزمة تلد الهمة"، مقولة أثبتت صحتها مع غالبية تجارب الأمم علي مر العصور. وليس من شك في أننا اليوم نعيش في قلب الأزمة، والمظاهر البادية لهذه الأزمة لا تتمثل فقط في البطالة وصعوبة العيش وزيادة أعداد الفقراء، وإنما تتشكل الصورة الحقيقية لأزمة الأمة من الأبعاد الثلاثية التي طالما كانت سببا في سقوط الامبراطوريات والدول العظمي ألا وهي: التفاوت الصارخ بين شرائح المجتمع، والفساد وخراب الذمم، واعتلال وربما اختلال منظومة القيم.
وما أحوجنا في هذه المرحلة الدقيقة إلي تبني مشروع قومي، مشروع يحيي الأمل ويجدد الثقة ويستنهض الهمة ويحشد قوى الأمة لبناء دولة مدنية حديثة، تحقق الرفاهية والأمن والسلام والاستقرار لمواطنيها علي أسس من العدالة والمساواة والتكافؤ والتكافل. مشروع يؤكد النسيج الوطني الواحد ويدعم الهوية المصرية ويعمق آدمية وكرامة وحرية كافة المواطنين بلا تمييز. مشروع بدولة تقبل وتمارس، بل وتشجع، التعددية الفكرية والتنافسية السياسية والاقتصادية، مشروع لدولة لا يبيت فيها جوعان أو مشرد. مشروع لمجتمع تظله مبادئ التسامح والرحمة، وتقوده قيم التدين والتمدن والاستنارة.
وإذا كانت هذه هي العناوين الرئيسية للمشروع، يبقي إذن السؤال الأهم، وهو: من سيعمل على صياغة استراتيجيات وتفاصيل المشروع؟، بل ومن سيعمل علي تحويل هذا المشروع / الحلم إلي واقع معاش أو حتي إلي واقع مخطط ومتوقع الحدوث في المستقبل القريب أو المنظور؟. وعن السؤال الأول فالمتصور أن إجابته تتجه نحو فئة المفكرين والمثقفين والمستنيرين من أصحاب الرؤى ومن قادة الرأي ومن صانعي القرار، من المترفعين عن الغرض والمتنزهين عن الهوى والمتسامين عن المصلحة. أما إجابة السؤال الثاني فتتجه نحو الكوادر العلمية والسياسية المدربة والمؤهلة، من القادرين علي الحلم والفعل علي حد سواء، لأنه في عصر الاحتراف والحرفية والتنافسية لا مكان لعاطل عن فكر، ولا مجال لمتعطل من موهبة، كما أن تحدي الزمن لا يحتمل الاعتماد على الهواة. ويتطلب الأمر خلق مناخ فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، يقدم في كل يوم وفي كل موقع نماذج واقعية للقدوة الحسنة، ليزيل أسباب التخاذل والتواكل والسلبية، ويحفز روح العمل والإنتاج، ويشجع المنافسة الشريفة والمبادرات الفردية، ويرعي الإبداع ويحرر العقول من أسر الخرافات، ويؤكد قيمة الموضوعية والحوار، ويرحب بالنقد البناء، ويعتمد الدين السمح نبراسا ويتبني الضمير الحي والخلق القويم والعمل المنظم منهاجا للمعاملات اليومية.
والآن وقد هبت نسائم قوية تبشر بالعديد من صور الإصلاح، ما أحوجنا أيها السادة أن نتوقف لنراجع أجندتنا الوطنية وخرائطنا السياسية، ما أحوجنا أن نبحث عن القواسم المشتركة بين أبناء الوطن ونعظمها، وأن نعمل علي تحويل النوايا الصادقة والآمال والطموحات الكبيرة إلي واقع عملي، على أن يبدأ كل منا بمراجعة نفسه وبتقويم ذاته وبإصلاح موقفه. علينا جميعا أن نتوقف عن التباكي واجترار الألم، فلم يعد ثمة وقت للحزن والندم، فقد دقت ساعة العمل، وأزفت مرحلة الانطلاق، ولم يعد أمامنا إلا أن نحول غليان الغضب إلي طاقة عمل، وأن نبدل اللا مبالاة والسلبية بمشاركة فعالة وفعل مسئول، وأن نعتبر المصاعب والمشاكل التي تواجهنا تحديا لإرادة هذا الشعب العظيم واختبارا جديدا لصلابته وإثباتا مستمرا لقدراته الخلاقة. فهل تتفقون معي سادتي أن هذا المشروع / الحلم ممكن، أم أنه سيظل لأمد غير منظور حلم ليلة صيف، أم تراه كان حلما في ليلة شتاء بارد؟!!.
Email: [email protected]
ساحة النقاش