من الصعب أن نتوقع رعاية تربوية أو نفسية أو اجتماعية لذوى الظروف الخاصة بصفة عامة ولأصحاب الإعاقة على وجه الخصوص في المجتمعات القديمة حيث كان صاحب الإعاقة غير آمن على حياته فضلاً عن رزقه وذلك لشيوع العديد من المعتقدات الخاطئة وهي وإن اختلفت من مجتمع لآخر إلا أن نتيجتها واحدة فقد نجم عنها تصرفات وسلوكيات لا تليق بكرامة الإنسان وسنشير فيما يلي إلى طرف من هذه المعتقدات وتلك السلوكيات:-
فمن حيث الاعتقاد :-
- كانت بعض المجتمعات القديمة تعتبر صاحب الإعاقة بصفة عامة والأعمى بصفة خاصة عالة على المجتمع وأنه يضعف من قوته لذا فلا مناص من التخلص منه عملاً بالمبدأ الذي كانوا يؤمنون به وهو ضرورة الاستغناء عن كل عضو ضعيف في المجتمع .
- بينما كانت مجتمعات بدائية أخري تعتقد أن الإنسان الذي به عجز ظاهر كائن غريب ومتصل بالشياطين وربما جــاء القول السائر ( كل ذي عاهة جبار ) من هذا الاعتقاد الخاطئ لذلك كانوا يتخلصون من كل صاحب إعاقة حتى ولو كان طفلاً صغيراً فيطردونه من القبيلة أو القرية بما يعني القضاء عليه إلى الأبد .
- كما أن بعض المجتمعات الأخرى كانت تعتبر صاحب الإعاقة - و بخاصة الأعمى - تجسيداً "للعنة الآلهة " لذلك كان يلقي ألواناً من الاضطهاد والعنف قد تصل إلى حد القتل .
- حتى الفلاسفة الذين كنا ننتظر منهم الإنصاف لصاحب الإعاقة لم يفعلوا ذلك ، فها هو أفلاطون يضع تصوره لمدينته الفاضلة التي ليس بها موقع لمريض أو معاق ، بل لقد ذهبت بعض الحكومات في تلك العصور إلى أبعد من ذلك ، إذ نـادت بإبـادة كل معـاق ومريض تحقيقاً لخلق ( يوتوبيا المدينة الفاضلة ) التي نادى بها أفلاطون : ( لطفي بركات أحمد في كتابة الرعاية التربوية للمكفوفين )
- وفي بعض المجتمعات الأخرى انتشرت بعض المعتقدات والخرافات حول أصحاب الإعاقات ومنها : أن لمسهم قد ينقل العدوى ، وأن يدهم خطر على الصحة العامة ، حتى أن الأمهات كن لا يسمحن للأعمى بلمس أطفالهن .
- وفي بعض الآداب القديمة نلاحظ تكرار العبارة الآتية : ( أن الأعمى كالميت وأن من يمر على الأعمى فلابد أن يترحم عليه كما لو كان يترحم على ميت له ) .
ومن حيث التصرف والسلوك :
- فإن الأمر لم يقل بشاعة عن ذلك فقد عومل أصحاب الإعاقات في هذه المجتمعات بقسوة شديدة حتى من ذويهم وأقاربهم لأن هذه المجتمعات كانت تعتمد على الصيد والقنص ، والفرد العاجز عن ذلك كان يشكل عبئاً على أسرته وعائلته وقبيلته ولذلك كان غير مرغوب فيه .
- وفي بعض المجتمعات البدائية الأخرى كان بعض الآباء يلجئون إلى كف بصر أبنائهم أو إصابتهم بأي عاهة حتى يستدروا عطف الناس ويكون ذلك مصوغاً للتوسل والاستجداء .
- وفي روما ظل الناس لفترة طويلة يغرقون الأعمى في نهر التيبر حتى جاء رومالوس فحد من هذا التصرف بعض الشئ وطلب ضرورة تشكيل جمعية أهلية للبت في مدى صلاحية الأعمى للمواطنة الصالحة من عدمه .
- ومن مظاهر نبذ صاحب الإعاقة في بعض المجتمعات أنها كانت لا تسمح له إلا بممارسة الأعمال البسيطة ، ففي بلاد الصين القديمة سمح للأعمى بالاشتغال بالمعرفة واختص بقراءة البخت وفي اليابان كان يعمل بمثابـة مدلكاً لبعض الأمراء والسيدات مـن علية القـوم .
مما سبق نلحظ أن أصحاب الإعاقة قد تعرضوا للعديد من أشكال الظلم و العسف في الكثير من المجتمعات القديمة و ذلك بسبب وجود بعض المعتقدات و الأفكار الخاطئة و شيوع بعض السلوكيات والتصرفات غير المتحضرة ، و إذا كان ذلك يتماثل مع الحياة البدائية في المجتمعات القادمة فقد آن الآوان أن نتصدي لهذه الأفكار الخاطئة و أن نقضي على تلك السلوكيات القاصرة في مجتماعتنا الحديثة .
إعداد : د.أحمد مصطفى شلبي
ساحة النقاش