القاهرة: زينب البقري - جريدة الشرق الأوسط
مع قرب انتهاء العام الدراسي وبدء العطلة الصيفية في مصر، سيكون بمقدور الأطفال وأسرهم أن يقصدوا هذا المكان لتجديد نشاطهم المجهد جراء الدراسة والاستذكار
هنا في حي السيدة زينب بالعاصمة المصرية القاهرة، صورة مغايرة لطبيعة المكان المزدحم والمفتقر للإمكانيات. فهنا توجد حديقة قائمة على عبق التاريخ، صممت لتكون موالا ينشد إيحاءات رائعة الدلالة تبعث الأمل في جيل قادم، وتعيد الروح لهذا الحي الثري بمعالمه الأثرية الكثيرة، طمح مصممها إلى أن يجعل منها بستانا من بساتين الأحلام.. ونجح في ذلك إلى حد بعيد .
تلتف «الحديقة الثقافية للأطفال» بوشاح القاهرة الفاطمية والمملوكية، فقد كانت البيئة المحيطة بالحديقة هي الوحي الملهم للمسات التصميم. إذ جسّد مئذنة جامع ابن طولون الدائرية الملتوية في الحديقة على شكل ممرّات ومصابيح ومبان حجرية. وأقام ممرات من الطوب عبر جدول مائي وأشجار في محاولة لاستحضار عناصر طبيعية، وهو شكل إسلامي متكرر من الأندلس في إسبانيا إلى آسيا الوسطى، وزين المباني بالمشربيات والقباب.
تعود فكرة «الحديقة» إلى حين مر بهذه المنطقة المزدحمة بكل ألوان القمامة الدكتور عبد الحليم إبراهيم عبد الحليم، الأستاذ بجامعة القاهرة، وأحد أبرز أعلام العمارة العربية المعاصرة. فقد صدمته الحالة الرثة التي كانت عليها المنطقة، مع أنها كانت في عهد المماليك حديقة غناء تسمى «الحوض المرصود». ومن ثم، تحرك بدافع من وجدانه وإرادته من أجل تغيير ذلك الفضاء الخراب، وكانت أدواته هي العمارة لأنه يؤمن بأن المعمار وسيلة فعالة لتطبيق التغييرات الاجتماعية والاقتصادية.
وما لبث الدكتور عبد الحليم أن علم بوجود مسابقة تتبع وزارة الثقافة بين المعماريين لتصميم الحديقة عام 1982، فقدم تصميمه، وفاز بالجائزة الأولى، ليشيد الحديقة على مساحة فدانين ونصف الفدان.
روعة التصميم تتجلى حين يدرك الزائر والمتجول بالحديقة أن المهندس المصمم «درس» خطواته بعناية، إما من خلال التوازن الدقيق بين عناصر التصميم النباتي فيها، أو من خلال المنظومة الهندسية التي اعتمد عليها التصميم. وبالفعل، نجح الدكتور عبد الحليم في إعطاء البعد الإنساني الطفولي لعناصر الحديقة المبنية، إذ احترمت طبيعة الطفل بالارتقاء التدريجي بما يحاكي نمو الطفل. ويضاف إلى ذلك كله أن الحديقة على الرغم من خصوصيتها للطفل، لم تدر ظهرها إلى المحيط، بل أبدت «حسن الجوار» من خلال السور المتواضع المتقطع بصريا الذي يسمح للجيران بمد أنظارهم إلى الطبيعة، في تناغم وتكامل لا يضاهيهما إلا طبيعة الأطفال البريئة الأخاذة.
ولدمج الحديقة مع الحي حولها، أقيمت سوق تضم 20 محلا لتكون جسرا بين الحي والحديقة. وصُمم وأنشئ مقهى ونافورة ومكتبة وغرفة صلاة وميدان ومكتبات ومحلات للحرفيين، وجُعلت فيها ورش للأطفال في مجالات الفخار والنجارة والنسيج.
افتتحت الحديقة عام 1989، وكان افتتاحها مميزا، إذ دُعي إليه نحو 5 آلاف من سكان الحي، بالإضافة إلى مئات الأطفال. وفي عام 1992، حازت الحديقة «جائزة الآغاخان للعمارة» التي اعتبرتها درسا تاريخيا مجسما.».
نورهان مدحت، مسؤولة العلاقات العامة في الحديقة، قالت لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معها، إن الحديقة «تستهدف الأطفال من سن 6 سنوات حتى 16 سنة، والدخول إليها مجانا كي يتاح لكل الأطفال اللعب والاستفادة. كذلك تستقبل الحديقة أطفال المدارس وأطفال الجمعيات الخيرية، فتقام لهم العروض والحفلات بالاتفاق مع إدارة تلك المدارس أو الجمعيات». وتابعت أن «بين الأنشطة التي تقوم بها الحديقة الورش الفنية، والفنون الشعبية، والمسابقات والمسرحيات والفنون التشكيلية، إذ توجد فيها أقسام مختلفة للسينما والمسرح والتربية الرياضية والمتحف والركن الأخضر وورش لتعلم التفصيل والحياكة، وهناك أيضا اختصاصية لذوي الحاجات الخاص .
وعن أحدث فعاليات «الحديقة الثقافية»، قال أحمد ضياء مسؤول المسرح: «أحدث فاعلية اشتركنا فيها كانت في مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال في شهر مارس (آذار) الماضي بعنوان (عالم الأطفال يتغير)»، شارحا أن الأنشطة تزداد في شهر رمضان وفترة الإجازة الصيفية
أما إسلام إبراهيم، الموظف في «الحديقة»، فيذكر أن الحديقة تحمل ذكرياته وحنينه إلى طفولته، «.. والآن شاءت الأقدار أن أعمل فيها»، متذكرا، بالمناسبة، حكاياته مع الأراجوز ومسرح العرائس وليالي رمضان الساهرة.
ومن بين زوار «الحديقة»، تقول والدة الطفلتين تقى وإيمان (6 سنوات) «هذه أول مرة نأتي للعب في الحديقة، ولقد أحببنا فيها المتحف والمكتبة والرسم والتشكيل بالصلصال
أما محمد أيمن، الطالب في الصف الأول الإعدادي، فقال إنه منذ نعومة أظافره وهو يتردّد على «الحديقة» نظرا لأنه يسكن على مقربة منها، مضيفا أن له فيها ذكريات كثيرة، ولا يزال يذكر اختصاصية المكتبة وهي تقرأ له ولأقرانه القصص الجميلة، إلى جانب الأمسيات الرمضانية
ساحة النقاش