3 ولكن لماذا يحدث الخلاف بين الإخوة بعضهم البعض وأحيانا قليلة الكيد؟ وكيف نعالجه؟
لأسباب عديدة منها:
أ) أننا كآباء كثيرا ما نفهم خطأ عند أبنائنا ، فأنت حين تعطي شيئا لأحد الأبناء أو تتصرف تجاهه بطريقة معينة فسرعان ما يفسر ذلك أحد الأبناء أنه تمييز لأخيه عليه أو على أخوته ويأخذ هذا الأمر بحساسية ، وحتى لا تتسرب نار الغيرة إلى قلبه أو قلب أحد أخوته فيمكن أن نستخدم ما نسميه في علم النفس (الإرشاد العقلاني الانفعالي ) بمعنى أن يكون المبرر لتصرفك واضحا وأن تسوق هذا المبرر في ثوب من الود وبخاصة في فترة الطفولة ، فلو كان عند أب 5 أولاد مثلا واشترى لأحدهم قميصا فليس معنى ذلك أنه يميز هذا الابن وليس من المعقول أن يشتري 5 قمصان حتى يبدو أنه عادل بين أبنائه رغم عدم حاجة بعضهم لهذه القمصان ، لكن يفهم الأبناء أنك تشتري لهذا قميصا وللآخر جاكيت وللثالث حذاء ... كل حسب حاجته ، فنحن نتصور أن التصرفات غير الواضحة من الآباء قد تحدث نقطا سوداء في نفس أحد الأبناء وبتزايد التصرفات غير الموضحة من الأب وبالتفسير الخاطئ لها من الابن تزداد هذه النقاط السوداء في نفس الابن مع الوقت ، (والجبل الشاهق يبدأ بذرات من الرمال)، ولذا فعلينا كآباء أن تكون تصرفاتنا واضحة فيما يخص الأبناء، وعلينا كأبناء أيضا أن نحسن الظن بالآباء ونثق في حسن تصرفهم.
ب) وعلى الأبناء أن يعلموا أن تحقيق العدل المطلق لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، وأن تحقيق العدل النسبي من الآباء لا يخصهم هم وحدهم فقط وإنما لا بد أن يمتد لأخوتهم الآخرين أيضا،
وحين فعل إخوة يوسف فعلتهم ليخلو لهم وجه أبيهم وينعموا بالتفاتاته ونظراته إليهم فهذا ليس عدلا بل لا بد أن يتشارك فيه إخوتهم الآخرون أيضا ، ولذا يوصينا النبي (ص) بالعدل بين الأبناء حتى في القُبَل (... اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) (أخرجه البخاري ) ويوصي فقهاء التربية الإسلامية المعلم بأن يسوي بين طلابه في جلسته (بمعنى أن يتجه تارة إلى طلابه الذين يجلسون عن يمينه ، ثم يتجه بوجهه وجسده للطلاب الذين يجلسون عن شماله ثم إلى الطلاب الذين يجلسون في المنتصف.... وهكذا) وهذا النوع من العدل قد يغفل عنه الكثير من الآباء والمعلمون ، فما أرقى هذه التربية ، وما أحوجنا إليها !
وإذن فعلى الأبناء أو أحدهم ألا يحاول أن يكون استحواذيا أو أنانيا ، وعلى الآباء أيضا أن يسعوا إلى العدل النسبي الذي أشرنا إلى أمثلة له.
ج) وقد يميل الأب لأحد الأبناء أكثر لأي سبب من الأسباب ، لكن شريطة أن يتوخى العدل في سلوكه وألا يميز هذا الابن أو يحرم أحد إخوته شيئا من حقوقه بسبب ذلك.
د) وأحيانا يهتم بعض الآباء بتربية الابن الأول كما يقول المثل العامي: (المنخل الجديد له عليقة) وقد يبالغ بعض الآباء في تدليل الابن الأخير متعللين بأنه آخر العنقود -كما يقولون- ويتركون الابن الأوسط كالغراب الحائر، ولا شك أن هذه الأساليب التربوية الخاطئة وأمثالها هي المسئولة إلى حد كبير عن غرس فتيل الغيرة وأحيانا الحقد والكيد بين الأبناء وربما دعائهم على الآباء الذين كانوا السبب في ذلك.
فإذا أردنا كآباء أن نحافظ على تماسك أسرنا وألا يدب الخلاف أو الغيرة بين أبنائنا فعلينا أن ؛
# ننتبه إلى الأسباب الأربعة لحدوث الغيرة وأحيانا الغل أو الكيد بين الإخوة السابق الإشارة إليها وهي:
-الفهم الخاطئ من بعض الأبناء لتصرفات الآباء .
-رغبة بعض الأبناء في الاستحواذ الزائد عن حده.
-تمييز الأب لبعض الأبناء أو لأحدهم في الممتلكات المادية.
-تفرقة الوالدين أو أحدهما في الاهتمام بالأبناء أو بأحدهم ، وفي أساليب التربية المتبعة معهم كما سبق الإشارة.
# وعلينا أيضا أن نتقي الله في تصرفاتنا ونراعي أبسط قواعد العدل بين أبنائنا (فالراحة الحقيقية هي راحة البال والنفوس وليست كثرة الأطيان والفلوس)
4 مسئولية الأخ الأكبر:
تلفتنا قصة سيدنا يوسف إلى أهمية دور الأخ الأكبر في حالة عدم وجود الأب وذلك لاتخاذ قرار معين أو التصرف المناسب في موقف ما ، فعندما وجدوا صواع الملك في رحل أخيهم وأصر الملك أن يأخذ صاحبه مكانه بناءً على حكمهم بذلك تحير الإخوة وقد أعطوا لأبيهم موثِقا من الله بالمحافظة على أخيهم (بنيامين، الأخ الشقيق ليوسف وأخوهم من الأب) اختلى الإخوة بأنفسهم ، وبعد حيرة وتفكير قرر الأخ الأكبر أن يبقى في مصر حتى يأذن له أبوه بالعودة أو يحكم الله له ببراءة أخيه فيأخذه ويعود:
(فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ) (يوسف ، 80)
وانظر إلى استخدام الأخ الأكبر للفظة (لي) وكأنه هو وأخوه جسد واحد فحين يحكم الله ببراءة أخيه بنيامين فكأنما حَكَمَ له .
وهذا يلفتنا إلى أهمية تربية الأخ الأكبر على تحمل مسئولية إخوته والمحافظة عليهم عند غياب الأب بالسفر أو نحوه دون تمييز له ، وإنما يعلم أن هذا واجبه
وأن يكون ودودا متحملا متسامحا مع أخوته كما شاهدنا ذلك في تصرف سيدنا يوسف بعد ذلك(عليه السلام) ، رغم أن أخوته كادوا له وألقوه في الجُب، واتهموه ظلما بالسرقة وهو بريء من ذلك؛ وكان يستطيع بسهولة وهو عزيز مصر أن يأخذ حقه منهم،
(قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ، قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ) (يوسف: 77) وتلحظ أنه استخدم نفس التعبير تقريبا الذي استخدمه أبوه عندما كادوا له في المرة الأولى (والله المستعان على ما تصفون).
وتشير التجارب الواقعية إلى أنه إذا كان الأخ الأكبر متصفا بهذه الصفات فإنه ينجح في لم شمل الأسرة وربما العائلة بع
وفاة الأب ، أما إذا كان الأخ الأكبر فظا أو أنانيا أو استحواذيا لا يفكر إلا في نفسه وأولاده فإن شمل الأسرة ينفرط حتى يتصدى أحد الإخوة للقيام بهذا الدور ويكون هينا لينا متصفا بالإيثار والعطاء والتودد لإخوته وحسن الخطاب معهم حتى لو كان هو الأخ الأصغر ، وهذه نقطة هامة قد لا تلتفت إليها الكثير من الأسر.
فما أعظم أن يتحمل الأخ الأكبر مسئولياته (فالأخ الكبير كبير) ، وما أجمل أن تكون الروح السائدة بين الاخوة والأبناء هي روح التواد والاحترام المتبادل والإيثار والمغفرة والتسامح.
ساحة النقاش