أنواع الشر ووسائل التحصن والوقاية منه
(من خلال إطلالة على سورة الفَلَق 2)
التحصن من الشر والوقاية منه:
لقد بين الله لنا في كتابه العزيز وسائل التحصن من الشر ، وهي :
الإيمان بالله ، الاستعاذة به ، الذكر، الدعاء، صلاة الاستخارة ، صلاة الحاجة، أن يقوم الإنسان بما يجب عليه ، والصحبة الصالحة ، وإليك تفصيلٌ لذلك:
أولًا – الإيمان، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ﴾التغابن 11)
إن الإيمان مصدر لاطمئنان القلب؛ فمن كان قلبه عامرًا بالإيمان فقد حصن نفسه من شر شياطين الإنس والجن.
ثانيا - الاستعاذة بالله كما ورد بالسورة الكريمة : (قل أعوذ برب الفلق (1)، من شر ما خلق 2) ؛ حيث طلبت هذه السورة من النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يلجأ إلى ربه ويعتصم به من شر كل ذي شر من مخلوقاته).
ثالثا – كثرة ذكر الله ؛ حيث للذكر أثرٌ عظيم في طمأنة القلوب .
قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد : ٢٨)
فهو يهدي الذين تسكن قلوبهم بتوحيد الله وذكره فتطمئن، ألا بطاعة الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس.
وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾(الأحزاب : ٤١
أي يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذِكْرًا كثيرًا، واشغلوا أوقاتكم بذكر الله تعالى عند : الاستيقاظ من النوم ، وعند دخول المنزل أو الخروج منه ، وفي الصباح والمساء، وأدبار الصلوات المفروضة ، وعند العوارض والحاجة وعند النوم ، وفي غيرها من الأوقات والمواضع ولإن المجال هنا لا يتسع لتفصيل الحديث عنها فيمكن الرجوع إليها في كتب الأذكار والحديث ، فإن ذلك عبادة مشروعة، تدعو إلى محبة الله، وتكف اللسان عن الآثام، وتعين على كل خير.
رابعا – الدعاء: قال الله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾الأعراف : ٥٥
(ادعوا -أيها المؤمنون- ربكم متذللين له خفية وسرًّا، وليكن الدعاء بخشوع وبُعْدٍ عن الرياء ، وطلب كشف ما يضره ودفعه.
خامسا – صلاة الاستخارة، وهي على النحو التالي:
صلاة الاستخارة سنة ، والدعاء فيها يكون بعد السلام كما جاء بذلك الحديث الشريف.
وصفتها: أن يصلي ركعتين مثل بقية صلاة النافلة، يقرأ في كل ركعةٍ فاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن، ثم يرفع يديه بعد السلام ويدعو بالدعاء الوارد في ذلك، وهو: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويُسميه بعينه من زواجٍ أو سفرٍ أو غيرهما) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به ( رواه الإمام البخاري في "صحيحه")
سادسا ، دعاء وصلاة الحاجة:
<!--ومن صيغ دعاء الحاجة عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "لا إله إلَّا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللَّهُمَّ أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كلِّ برٍّ، والسلامة من كلِّ إثمٍ، لا تدع لي ذنبا إلّا غفرته، ولا همّاً إلا فرَّجته، ولا حاجة هي لك رضا إلَّا قضيتها يا أرحم الراحمين". وهو من أجمل صيغ دعاء الحاجة، روى عبد الله بن أوفى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: من كانت له إلى اللهِ حاجةٌ أو إلى أحدٍ من بني آدمَ فلْيتوضَّأْ، ولْيُحسِنِ الوضوءَ، ولْيُصلِّ ركعتَين، ثم لِيُثْنِ على اللهِ، ولْيُصَلِّ على النَّبيِّ؛ (ذكره الألباني في ضعيف الترغيب.
ومن الأدعية المستحبة لقضاء الحاجة أيضا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلّم: "اللَّهُمَّ إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلّا أنت، المنَّان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيّوم" ثم اطلب حاجتك التي تريد قضاءها، رواه أنسِ بن مالكٍ رضيَ الله عنه وأخرجه أبو داود في الصحيح.
دعاء سيدنا أيوب (عليه السلام) لكشف الضُر:
(وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) (الأنبياء، 83-84).
دعاء سيدنا يونس (عليه السلام) لكشف الغم:
(وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادا في الظلمات ألا إلاه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) (الب) أنبيا ، 87-88).
دعاء إنجاب الذرية:
(وزكريا إذ نادى ربه ربي لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ، فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ...) (الأنبياء ؛ 89-90).
<!--صلاة الحاجة وخطواتها
تعريف صلاة الحاجة بأنها الصلاة التي يؤديها العبد ويلجأ بها إلى ربه لقضاء حاجة له، ويتم فيها الدعاء والتضرع لله تعالى والتوسل إليه لقضاء حاجةٍ أو تيسير أمرٍ ما، وصلاة الحاجة مباحة مشروعة باتفاق معظم أهل العلم والمذاهب الأربعة، ومستحبةٌ عند بعضهم، ولا دليل عليها عند آخرين لضعف الأحاديث التي تدل عليها.وعدد ركعات صلاة الحاجة عند جمهور الفقهاء ركعتان، وهو مذهب المالكية والحنابلة والشافعية، ولا يشترط فيها قراءة سور معينة ، ويجب أن يتحلى المصلي بالثقة بالله تعالى واليقين أنه وحده القادر على نجدته وإنقاذه وقضاء حاجته، وهناك أدعية مستحبة بعد صلاة الحاجة لكنها ليست واجبة، والمستحب أن يكثر المصلي من حمد الله تعالى والثناء عليه وأن يكثر من الصلاة على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم يطلب حاجته وتيسير أمره.
وتصلى صلاة الحاجة في أي وقت من النهار والليل وتراعى أوقات استجابة الدعاء كالثلث الأخير من الليل ويوم الجمعة، ويجب أن يتجنب المصلي أوقات النهي الثلاثة المتفق عليها وهي: وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، وبعد صلاة الصبح حتى طلوع الشمس.
سابعا – الصحبة الصالحة
لقد حذر الإسلام من الصحبة السيئة، لاسيما رفقاء السوء، الذين يجاهرون بالمعاصي ، وحث على اختيار الصحبة الصالحة . فالصحبة الصالحة حصنٌ حصينٌ للمرء من الانزلاق
في مزالق الشيطان وشروره .
قال الله تعالى:﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾(الزخرف: ٦٧
(الأصدقاء على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة، لكن الذين تصادقوا على تقوى الله، فإن صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة.
وقال الله تعالى :﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾(الكهف: ٢٨
(واصبر نفسك – أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده، ويدعونه في الصباح والمساء، يريدون بذلك وجهه، واجلس معهم وخالطهم، ولا تصرف
نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا، ولا تُطِعْ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا، وآثَرَ هواه على طاعة مولاه، وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا).
ثامنا - وبالنسبة للشرور المجتمعية مثل المجاعات والحروب والكوارث ونحوها فعلى من يتعرض لها :
<!--أن يجهز ما استطاع ويحسن استثماره ، كما فعل سيدنا يوسف عليه السلام مع سنابل القمح وكما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم ) في غزوة بدر حيث أعد للمشركين ما استطاع من قوة.
<!--الإلحاح في التضرع والدعاء كما فعل الحبيب (صلى الله عليه وسلم) في غزوة بدر أيضا : إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ، بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) (آل عمران ؛ 124-125).
<!--أن نكون على يقين أن النصر أو رفع الكرب بيد الله وحده: (وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) (آل عمران ؛ 126 ) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) )يونس ؛ 107 ( ).
<!--ألا ييأس الإنسان أو يحبط إذا تأخرت الاستجابة قليلا لأن هذه الأمور ترتبط بسنن وقوانين كونية وإلاهية قد لا يحيط بها علمنا المحدود في لحظتها ، لذا يطلب منا القرآن أن نسلم الأمر لله بعد الاستعداد وألا نتعجل: (وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا) (المزمل ؛ 11)
(وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ، فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ) (إبراهيم ؛ 46-47).
تاسعا – الاستعاذة بالله من وساوس الشيطان ودفعها ، وأيضا عدم الاستجابة لغواية شياطين الإنس وهو ما حذرنا القرآن الكريم منه في الكثير من المواضع ، وما أشارت إليه سورة الناس والتي سيأتي تفصيل الحديث عن بعض الخواطر والإضاءات النفسية التي توجهنا إليها تلك السورة الكريمة في مقالين تاليين بإذن الله .
نسأل الله السلامة من كل إثم وشر والغنيمة من كل خير وبر إنه ولي ذلك والقادر عليه ومنه السداد والتوفيق.
ساحة النقاش