موقع الكاتب: د. "محمد حيدر" صادق محيلان

موقع ثقافي فكري يضم منشورات الكاتب في الصحف والمواقع الاليكترونية

محمد حيدر محيلان

إمرأة تنام على الرصيف

      هذا ليس اسما لقصة حزينة ولا اسما لفيلم هندي اود ان اتعرض له وانقده, ولكنه واقعا تعيشه هذه الامراة في احد شوارع عمان العاصمة الاردنية التي تستضيف كل عام الاف المشردين النازحين لها وتاويهم في مساكن وتوفر لهم الامن والطعام, عدا عن القوافل اللوجستية والمستشفيات الميدانية العديدة التي تلاحق المشردين والمعوزين في عواصم العالم  فتطعمهم من جوع  وتؤمنهم من خوف.

      هذه المرأة تفترش  الرصيف وتتوسد حذائها وتلتحف السماء في يوم المراة العالمي, سمعت هذا ومعي الملايين في العالم  من اثير احد الاذاعات الاردنية وانا اسوق سيارتي, (احد المشاهدين الكرام لمنظر  هذه المرأة) اتصل وتكلم بألم وحرقة وهو يترجم واقع حالها الذي تهتز له المشاعر وتنجرح له الخواطر وناشد المواطن المسؤولين ان يرأفوا بحالها, ونحن بدورنا نناشد اولي الامر والمعنيين وغير المعنيين ابتداءا من مدير ووزير التنمية الاجتماعية وليس انتهاءا باحد فكل المجتمع مسؤول عن هذه الانسانة.

        كما اننا نتأبط بكل مروءة وشهامة طعامنا ودوائنا ونهب لنجدة اريتيريا وليبيريا وهاييتي ودارفور وافغانستان والكونغو وغيرها, فهلا نهب مسرعيين لنجدة هذه وسواها الذين يهيمون على وجوههم في اصقاع المملكة جيئة وذهوبا.

        هل يسمع ندائنا المترفون من اصحاب المليارات في عمان (التي تنام على ارصفتها هذه المشردة) فيهبوا ليضيفوا بعض دنانير على هامش موازنة الكلاب والقطط التي لديهم لاطعامها من جوع وتامينها من خوف وكسوتها من العري وايوائها من العراء؟؟ 

        ليس هذه العمانية وحدها ولكن جميع رفقائها وشركائها بالتشرد والحرمان والغربة داخل الاردن , الذين يتوسدون وحدتهم وجرحهم وجوعهم وحرمانهم فرادى في الليل, وفي النهار يحومون على حاويات القمامة ليتناولوا وجباتهم المنتنة والخمجة,  على مرأى ومسمع من الجميع , ما زال يجرحني ويحز بخاطري منظره اشعث اغبر  ذي اطمار بالية وممزقة لو اقسم على الله لابره , وهو يأكل برتقالة نصفها خمج ويسيل ماؤها على ذقنه غير الحليق تناولها لتوه وامامي من الحاوية فاوقفت السيارة امام المنظر (تهذيبا لنفسي الخاطئة  وتاديبا وتقزيما لها) وبكيت ونزلت (وقمت ببعض الواجب) الذي لم ولن يحل المشكلة جذريا , كان موقفا يحرج  ويجرح كل ذا مروءة ويبكي كل ذا قلب وضمير حي.

        والانكى ان هؤلاء لا يمدون ايديهم للناس ومن يمد يده من الذين يتراكضون على الاشارات المرورية  ليسوا  محتاجين !! ان هؤلاء احق بالصدقات والحسنات والاجر والمعروف واموال الزكاة , من بناء المساجد, والتبرج والتوسع في زركشتها وتنميقها . لا اعفي نفسي من التقصير  كعضو بالمجتمع الاردني , واصلا لا يعفيني هؤلاء ولن يعفو عن الجميع, فكيف حال المسؤول المباشر ابتداءا من مديري التنمية الاجتماعية ومرورا بوزراء التنمية وليس انتهاءا باحد مهما علت رتبته او مكانته,  بل كلما علت الرتبة  زادت المسائلة واتسعت دائرة الاثم وكبر الذنب, وهؤلاء كثر. ولا اضن ان الله سيبدؤنا بالسؤال  عن التقصير وعدم التكافل عمن في (هاييتي) قبل عمان واربد والكرك.

        اقول للمشردة العمانية كل عام وانت بخير بمناسبة يوم المرأة العالمي وأطفي اصابعك التي اشعلتيها مع الجرائد المقروءة التي تنامين عليها , لانها كانت  تنقف عليك من البرد والثلج, محتفلة بعيد المرأة لوحدك وانفخي انفاسك الحزينة عليها وتناولي لوحدك كسرات الخبز المبللة اصلا من المطر الهاطل عليك وانشدي ترنيمة الميلاد (هابي بيرث دي) لوحدك او مع حزنك وألمك والرطوبة التي تنخر جسمك …واقول للجميع وللعمانيين  وللمسؤولين:

ماذا أعددتم جوابا لاي سائل زائر او فضولي يسألكم عن هذه الملقاة وغيرها على قارعة الطريق .. جواب عاجل الان في الدنيا وليس في الاخرة  امام الله ؟؟؟

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 55 مشاهدة
نشرت فى 27 أغسطس 2012 بواسطة mohammadhaider

ساحة النقاش

الدكتور (محمد حيدر) صادق محمود محيلان

mohammadhaider
موقع ثقافي فكري للكاتب الدكتور "محمد حيدر" صادق محيلان . - الكاتب من مواليد مدينة اربد عام 1963. - الاصل من سوم - عشيرة المراشدة - درس في مدارس اربد الابتدائية والاعدادية والثانوية وترعرع في مرابعها . - قضى معظم مراحل دراسته يعمل في محل ابيه , وحتى الانتهاء من »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

54,395

مختارات :السعي في حاجة الناس:

 

السعي في حاجة الناس:

 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم      :

من سعى لأخيه المسلم في حاجة فقضيت له أو لم تقض، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق.