<!--
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) لم يغفل القرآن الكريم تجارب الأولين ممن سبقنا لتكون لنا عبرة وعظة ومنها قصص العشاق (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيه) يأتي هذا الحديث منقولا وقائعه في زمن ونقله لنا في زمن آخر هي المرأة حينما تحب وتعشق وهو الرجل يبتلى ويتحمل يرصد لنا القرآن قصة استثنائية للمرأة والمعروفة بالصبر والكتمان والجلد والرجل المتعجل المتسرع واللهوف ( المرأة تكتم حبها أربعين عاما ولا تكتم كرهها يوما واحدا بل وساعة واحدة ) القصة هذه المرة لقلب طيب وطاهر ومعصوم مثل قلب يوسف عليه السلام ورغم ذلك يضعنا القرآن في نص يهوى به إلى البشرية بكامل تكوينها (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) لتتراكم التفاسير وتتناقض حول معنى القول وما كان يصبوا اليه يوسف من ذلك أمام لغة الجبروت لامرأة أوتيت من كل شئ إلا إرضاء جوانحها وقلبها وهى قمة البلاغة في عدم الكمال الرباني للبشر والمبحر فى القصص القرآني يجد أن الرواية مروية بالعشق المبطن والألم والعذاب وليس فيها من الصفاء والنقاء إلا القليل كما يفاجئنا النص القرآني بمدى الرطوبة والليونة التي يتعامل فيها مع ما يروى من قصص الجبروت والتسلط وان هذا النبي المبتلى بقصص الحب التي تحيل حياته لجحيم دنيوي ولا تهنئه بشئ بداية من عشق عمته إليه وتدبير الاستحواذ الأول له (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ)وعشق أبيه الذي أورده مهالك إخوته (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) ولا يكاد يفلت من كل هذا الوباء الذي سببه العشق ليبتلى بما تهوى الجبال من حمله وهو عشق (إمرة العزيز)
وتتجلى كماليات الحب والكتمان والمعاناة والشوق في الوصول للأخر، ولان الكتمان في الحب يقتل صاحبة أو يدمره مضطرا أن أروى لكم تلك القصة عن صاحبها بعد أن استأذنت منة والذي رواها لى حينما تقدم لزميلته والتي كانت على علاقة بآخر ولكن لما يتمتع به من سمعة وثراء طيبين قبلته العائلة ولم تصارحه هي بحقيقة وضعها متأثرة بكلام أهلها عنه والغريب كما يخبرني هي التي عجلت بالزواج ورغم استمرار اللقاءات بينهما لم تخبره بشي لتكتشف كم الحنان والحب الذي يرويها به ليحتوى كل شئ فيها ولما أحست انه استوعبها ولم يعد يقنعها غيره وبعد أن صار كل شئ فى حياتها طلبت منه ذات يوم بتغيير خط تليفونها كان وقتها الخطوط مكلفه جدا لم يمانع احضر لها خطا جديد ووقف مذهولا أما م إصرارها بحرق الخط القديم فوعدها بذلك ولكن أهداه لزميله الدكتور بنفس الجامعة والذي حضر له بعد فتره واخبره أن هناك رسائل لا بد أن يقرأها ليكتشف الجزء المظلم بحياة زوجته وبمجرد عودته حكت له تفاصيل ما كان ينتظرها منها فأتفق على الطلاق وهى تتوسل إليه وتقسم أن ذلك لم يعد الآن له وجود وأمام إصراره هكذا يخبرني قالت لا تقدم على هذه الخطوة حتى احضر لك الشيك الموقع منك لأبى حتى لا يمسك سوء ولم تحضر الشيك أملا في أن يرجع عما هو مقدم عليه فطلقها غيابيا ليفاجئ بدعوى قضائية ضده بمبلغ ضخم وحكم قضائي واجب النفاذ يقول لي رفضت دفع المبلغ والتصالح كانت لي رغبة ملحة أو ربما شهية مفتوحة لاعتزال الناس ورأيت أن السجن هو انسب مكان لي في وحدتي الطارئة وربما المزمنة وقبل أن تبدأ الجلسة وأنا في طريقي للقضبان لسماع الحكم النهائي فوجئت بامرأة شعثاء الشعر منهارة القوى مفككة الأوصال تصرخ أمام القاعة ( أنا متنازلة ) لينظر لها القاضي ويسأل من أنت تقول أنا صاحبة الدعوى وزوجته (تتغير ملامح القاضي ويتمتم ( انه القانون ) يقول لي صاحبي خرجت ورغم إجراءات الخروج التي أخذت وقتا طويلا والتي اقتطعت من الليل ثلثه أو نصفه أو ربما لم يتبقى منه إلا قليلا كانت برفقة أمها وأخيها وأبيها تنتظر أمام باب المحكمة وكان ينتظرني والدي وصاحبي الذي انخرط في المشكلة بحكم خط التليفون والذي جاهد وصابر واجتهد في ترميم العلاقة بيننا ولكنه فشل وأنا في طريقي للسيارة تقدمت نحوى وهي التي كانت يوما زوجتي عاجلتها قائلا أنا لن اعتب عليك ولا ألومك ولكن من الصعب أن تكوني رفيقة ضربي ( بس لو كنت قلتي كان يجرى إيه ) هذه هي القصة بأمانة العرض واعتذر عن رداءة الأسلوب في العرض ولكن تكمن المأساة في جرح ينزف من قلب طاهر لأنه ضلت حوافره ملامسة الحنين وصحيح الطريق ، وانه ليس بالإمكان إشباع القلبين إلا بالحزن والانكسار ليسير هو ضال الخطى في كل أدواره فيلحظ تلاميذه وطلبته هذا الانحدار والاستسلام ويلحظ رؤساءه رغبته في عدم الكلام وتعتكف هي رافضة كل المتقدمين لها رغم مرور سنين على طلاقها وكأننا ننبح خلف الأحزان ونكرس لعدم المغفرة أو الصفح كان هذا واضحا لقلبين اجترا المآسي .... يقول لي ..انه كل يوم أمر بسيارتي أمام منزلها ولا اعرف السبب تراودني رغبة شديدة في البكاء لا تفارقني ضحكاتها وهمساتها وحسن اختيارها وأسلوبها الراقي في الحوار لا اعرف إن كنت كسرت قلبها أم هي التي كسرت قلبي وأحس أنها تنتظرني وتتابعني من خلف نافذتها ولكن أيضا تراودني الكوابيس أمام ذلك الدور المزدوج (ما كان لرجل من قلبين في جوفه ) أو ما كان لعشقين في قلب واحد فكيف يجتمع في قلب واحد الضحك والحرمان هنا تنهى القصة وأنا لا أدرى إن كان إحساسي مبالغ فيه لهؤلاء الزوجين أم أنها قصة كل أمس بأحاسيس نادرة وكل ما أثارني وأنهى كل محاولاتي لإرجاعهما ما قاله أمام المحكمة ( لو كنت قلتي كان يجرى إيه )اختصرت كل معاني الخديعة والخيانة الحسية والقلبية.. لقد تصيد الرجل ألفاظه من أعماق الكلمات فتظل تطارده بحبها.. ويطاردها بسياط كلماته اللاذعة هذا هو اختصار العشق الصافي لان جرح المشاعر أعمق من جرح الحياة ورغم انه لم يبقى في قلبها غيره ولم يبقى في قلبه غيرها مما عكس رفض الاثنان الدخول في تجربة ثانية ولكن تظل مراكب الفراق تبحر بهما بين شواطئ تجارتها الأحزان ، ويظل الجرح النازف راقدا على كل ناصية مران بها وكل عبارة همسوا بها وكل لقاء اجتمعوا فيه إذن سيرة الحب بعد الفراق كما هي لعنة ومعاناة وأنشودة يتبناها اليتامى في أحضان الربيع ومواسم الأعياد وهم بلا رفيق.. قاسية الوقع على القلوب لأنها تجربة قائمة على ماضي هش يقابله حاضر قوى ومنيع تنبع منه كل روافده الحب والحنان ولكن الماء ما عاد عذب بسب جبروت اعتنقاه تجمدت عند حدوده كل سبل العفو والمغفرة يقابله ماضي ملغم بالهفوات التافه والهشة لأنغام لم تعد مشديه فعقيدة كل طرف عمقت الجرح وهدمت قواعد أسست في بدايتها على ارض رخوة سرعان ما تحولت أسسها الجديدة كالأوتاد فى مؤخرة الجبال ولأننا دائما نعتنق (التفاهات) خارت قوانا وعزيمتنا أمام مواقف باهتة ليس لنا ذنب فيها