كتبت: الداعية ألفت مهنا
إنتهينا في المقال السابق إلي أن أول مجلس علم في تاريخ البشرية كان واضحا المعالم في قول الله عز وجل : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة31،
فبعد أن تبين لنا من الأية الكريمة:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30، أن المقصد الشرعي لخلق سيدنا آدم كان الخلافة في الارض عن الله سبحانه تبين لنا الآيات بقية أدوات إدارة العملية التعليمية
أولا: المعلم
وما أدراك من المعلم إنه الله – الواحد – الأحد – العليم – الخبير ... بكل أسمائه الحسنى وصفاته العلي الله الذي يعلم ما كان وما يكون وما سيكون وما يستحيل أن يكون لو كان كيف يكون، الله الذي يعلم السر وأخفى بل أكثر من ذلك أنه الله الذي خلق كل شىء{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14، بلى .. انه العليم وهو اللطيف الخبير.
قال أحد العلماء: إن العالم في أمر من أمور السنن الكونية لا يطلق عليه خبير ألا إذا علم كل دقائق هذا الأمر .. ويظل يتخصص في جزئياته ثم جزئيات الجزئيات حتي يكون خبيرا في أدق الأشياء – أي خبير فيما لا يعد شيئا (لا شيء)
وإذا أراد أن يتعلم شيئا أو معلومة عن كل شيء فستكون المعلومة بمقدار ( لا شيء)
بمعني أنه إما أن تعلم كل شيء عن لا شيء
أو تعلم لا شيء عن كل شيء
أما أن تعلم كل شيء عن كل شيء فهذا لا يكون إلا لخالق كل شيء الواحد الأحد، هذا هو المعلم – سبحانه، فمن المتعلم ؟ إنه سيدنا آدم – الذي خلقه الله سبحانه بيديه (أي بعطائين) عطاء الجسد وعطاء الروح؛
عطاء الجسد – من الأرض ومدده وإمداده للبقاء غذاء وكساء من الأرض،
وعطاء الروح – من الله سبحانه ومدده وإمداده للبقاء ذكر وتقوي لله سبحانه وتعالي.
سوى الله سيدنا آدم وقال له كن، فكان بشرا سويا ونفخ فيه من روحه فأصبح إنسانا قادرا علي حمل الأمانة والحياة علي الأرض التي خلق ليعمرها. وأصبح سيدنا آدم بعد النفخة قادرا علي تحمل العلم الإلهي الذي علمه اياه، فما هو هذا العلم ؟؟
قال سبحانه أنه علمه الأسماء – أسماء ماذا؟ وهنا إجتهد المفسرون فقالوا : أسماء الأشياء كلها (شجر – حجر – بحر- جبال ...........الخ ) وقالوا:أسماء ذريته لأنه سأل عنهم بقول " هَـؤُلاء "- وهذا لا يستقيم إلا للسؤال عن العاقل .
وقالوا:إن تفسير القرآن يكون بالقرآن ولم ترد كلمة "الأسماء" معرفة في كتاب الله إلا في هذا الموضوع وفي قوله سبحانه:{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف180
{قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً }الإسراء110
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى }طه8
{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الحشر24
إذا تكون الأسماء التي تعلمها سيدنا آدم هي أسماء الله الحسني التي سوف يحيا بها في الأرض فكل حياة آدم وذريته من بعده ما هي إلا تجليات لأسمائه سبحانه عليهم وعلي المخلوقات جميعا.
و الخلاصة كما يقول العلماء من أهل الله العارفين إذا كان المعلم هو الله والمتعلم فيه نفخة الروح من الله
فلماذا لا يكون العلم هو كل هذا؛ أسماء الأشياء وأسماء ذريته وعلوم ومعارف وتجليات الأسماء الحسنى والصفات العلي لله الواحد الأحد، لأنه سيكون خليفة فيجب أن يحمل كل هذه العلوم والفهوم قبل توليه مسئولية الخلافة هذا والله أعلم.
ولكن مما لا شك فيه ان سيدنا آدم لم يكن إنسانا بدائيا جاهلا – حاشا لله – ولكنه كان عالما تلقي العلم من العليم الخبير قال تعالي : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }التين4، وحاشا لله أن يكون الإحسان في ظاهره دون باطنه وعلمه
ولكنه – أي انسان – شغل بالأرض عن العلم فأهمل الروح وغذي الجسد فخان الأمانة التي حملها ولذلك ضيع كثيرا من العلم قال تعالى : {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }الروم7 فكان الجزاء {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ }التين5
اللهم إنا نعوذ بك من الجهل بعد العلم ومن السلب بعد العطاء {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران 8.
ساحة النقاش