كتبت: الداعية ألفت مهنا
قال تعالي : بسم الله الرحمن الرحيم {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30
سبحانك ربي هكذا تعلمنا وفى أول مجلس علم على وجه الأرض حيث تمت فى هذا المجلس كل عناصر إدارة العملية التعليمية وهى:
- رؤية أو مقصد وهدف
- معلم ومتعلم ومادة علمية
- تلقى للعلم ثم عرض من المتعلم فى حضرة المعلم
- توثيق أو شهود
- مكافأة أو اعطاء للدرجة
- بيان لمعوقات أداء المهمة
- تجربة عملية بعد التلقي النظري لتأكيد المفاهيم
- إعطاء للأدوات ونزول لميدان العمل
هذا هو التصور العلمى لما حدث فى هذا المجلس العظيم المهاب أو نقول النموذج والقدوة للسلوك العلمى الصحيح. ولنبدأ مع أول ركن وهو الرؤية أو الهدف والمقصد الواضح لهذا التعليم وهو أن يصلح هذا المخلوق الجديد – الإنسان - لخلافة الله في الارض.
وهنا وقبل ان ننطلق في ظل من ظلال جنة المعارف وهو العلم كخطوة أولى فى مدارج الصعود إلى أعلى درجات المعرفة أو كباب للدخول إلى هذه الجنة الوارفة، أقول وبالله وحده التوفيق ان بعض المفكرين إعترض علي أن يكون الانسان خليفة لله في الأرض وقد جعل مرجعيته في ذلك الإجلال لله سبحانه لأنه لا يكون الشخص خليفة إلا إذا غاب المستخلف بمعني ان سيدنا ابو بكر ما كان خليفة لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا بعد غياب الرسول عليه السلام وإنتقاله إلي الرفيق الأعلي، وحيث انه بداهة يستحيل أن يغيب الله إذا يستحيل أن يوجد خليفة لله !!!
وفي الواقع ان هذا التفكير هو نموذج لإعمال العقل بدون تلقي للعلم من العلماء فلو كان هذا المفكر – كما وصف نفسه – تلقي العلم من علماء عاملين متصلين بأنوار القرآن والفهـــم عن الله لعــــلم أن المفاهيــــــم والمصطلحات التي وضعت للبشر لا تستقيم عند الحديث عن مقام الألوهية. بمعني أن الله سبحانه قد تعبدنا بمفهوم أساسي وهو أن الرب رب والعبد عبد، فكل ما اتصف به العبد يستحيل أن ينطبق بكل مقتضياته علي الله الرب سبحانه.
ولهذا فان مفهوم الخلافة عن الله لا يستقيم - بأنه إذا غاب المستخلف حضر الخليفة – والعياذ بالله من الضلال. ولكن مفهوم الخلافة عن الله هو اذا حضر المستخلف – أي إذا حضر الله سبحانه وتعالي في قلب وعقل ووجدان الخليفة كأنه يراه - هنا يستحق أن يكون خليفة لأنه عندها فقط يستطيع أن يحقق مراد الله منه وهو أن يعمر الأرض ويزكى النفس ويعبد الله سبحانه بطاعته فيما أمر والبعد عما نهي.
فان الانسان الذي لا يراقب الله ولا يستحضر عظمته سبحانه في قلبه لا يصلح للخلافة ولكنه يفسد في الأرض ويتحقق فيه قول الملائكة " قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء" لأنه سيكون في هذه الحالة والعياذ بالله خليفة لإبليس وسيكون صوتا له في الأرض يتبع الهوي يضل عن سبيل الله تحقيقا لقوله سبحانه :
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }الإسراء64
وتأكيدا لهذا المعني نقرأ قوله تعالي : {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }ص26
إذا الخليفة لله سبحانه يحقق عمارة الأرض بالحق والعدل ويعبد الله سبحانه وتعالي لانه يراقبه (فإنه يراك) ويزكي نفسه لتكون أهلا للحضرة الالهية ( كأنك تراه)
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا خلفاء له فإن لم نكن أهلا لذلك فهو القادر علي أن يصلح أحوالنا لنكون أهلا لذلك، آمين آمين آمين.
ساحة النقاش