من أجلك

خدمة وتنمية المرأة والأسرة العربية .

كتبت: الداعية ألفت مهنا

أقول وبالله التوفيق وإستكمالا لباقي عناصر إدارة العملية التعليمية، إنطلاقا من دراسة لأول مجلس علم في تاريخ البشرية وبعد أن أوضحنا أن الهدف والمقصد من التعليم  هو الإعداد للخلافة في الأرض  وأن المعلم هو الله الخالق العليم سبحانه وأن المتعلم الذي سيقوم بالمهمة سيدنا آدم عليه السلام  وأن العلم هو أسماء الأشياء وأسماء ذريته عليه السلام وأسماء الله الحسني وصفاته العلي.

ثم نوضح العنصر التالي بعد تلقي العلم وهو عرض هذا العلم فيما يمكن أن يسمي إختبار للتأكد من إستيعاب المتعلم للعلم الذي تلقاه، ويتضح ذلك في قوله سبحانه وتعالي :{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

{قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }

{قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }

بيان واضح أن الله قدأذن للملائكة أن تتسائل عن سر خلق آدم وهو سؤال إستفهامي يسمح به في مجالس العلم ويوضح أن الأصل في الملائكة أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ولكن في مجالس العلم يسمح بما لا يسمح به في خارج مجلس العلم .

ثم يتضح لنا السؤال الموجه للملائكة الذين اعترفوا بعدم العلم ثم نقف وقفة إجلال لكرم العليم الجليل الرب ففي قوله سبحانه إني أعلم ما لا تعلمون  - لم ينفي عنهم العلم ولكنه أثبت لهم العلم وأوضح أن علمهم لا يقارن بعلمه سبحانه ثم يتضح لنا الأدب في إقرار الملائكة بقولهم  سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا .

نعم الله يعطي ثم ينسب الملكية لمن أعطي ثم يوفقه لحسن الإستخدام ثم يجازيه علي ذلك، سبحانك ربي فكم أعطيتنا من نعم، ثم أثبت لنا ملكيتها ثم إستقرضتنا إياها ثم توفقنا ثم تجازينا – ما أكرمك من إله سبحانك ما عبدناك حق عبادتك .  

وهكذا شهدت الملائكة بعلم سيدنا آدم وأنه إجتاز الإختبار فيأتي العنصر التالي وهو بعد نجاح سيدنا آدم فيعطيه سبحانه المقام ويأمر الملائكة أن تسجد لآدم في موقف مهيب، أمر بالسجود في حضرة من لا يستحق السجود إلا له ولكنها الطاعة فيما أمر وهذه هي حقيقة العبودية فلولا علم الملائكة أن حقيقة الطاعة هي إلتزام الأمر لا الحكم علي الامر، لما حق لهم السجود لغير الله ولكن هذه هي حقيقة العبودية في إفعل ولا تفعل وإلا ما كانت طاعة سيدنا إبراهيم بذبح سيدنا إسماعيل وهو يدرك أن القتل جريمة ولكن إذا كانت أمر من الله تتحول لطاعة .

ولكن  ليس دائما وضوح الحق يكون كافيا للطاعة ولكن لابد من صفاء قلب من يتلقي الحق لكي ينصاع للأمر فها هو إبليس يرفض السجود ويظن أن عبادته التي كان يتقرب بها إلي الله كافية وتصوغ له التكبر علي آدم بل علي أمر الله سبحانه ويستفسر ولكن في هذه المرة لم يكن سؤاله أو إعتراضه للرغبة في العلم ولكن استكبارا وحقدا وإستعلاء ولهذا كانت النتيجة طردا ولعنا ويأس من رحمة الله سبحانه.

وحتي يكتمل الدرس بصورة عملية يدخل آدم الجنة ويأمره الله أمرا واحدا  - الا يأكل من الشجرة – ولكن إبليس يوسوس له ويجعله يقع في مخالفة الأمر، وإن كان الله سبحانه قد أوضح أنه نسى ولم تكن المخالفة عن إصرار ولكن خطأ، فقد أورد العلماء أن آدم لم يأكل من عين الشجرة ولكن من نوعها ظنا أن الأمر ينصب علي عين الشجرة، وهكذا توضع القواعد ويعاملنا الله جميعا هكذا، فمن أخطأ في فهم مراد الله ولكنه إجتهد فله أجر ومن أصاب فله أجران .

لطيفة : قد يسأل سائل كيف يطيع آدم عدوه الذي رفض أن يسجد له ويأكل من الشجرة مهما كانت الأسباب؟ يقول أهل المعرفة: ومن منا يتصور ذلك؟ إن ذلك يستحيل علي من خلقه الله وعلمه من علمه .. فماذا حدث؟

يقولون لقد ثبت بما لا يدع مجال للشك أن من رأي الله بقلبه لا يري السوي مهما كان .. فهل تتصور أن من يقف في حضرة الله قد التفت وراقب هذه الاحداث .. أكاد اجزم أن سيدنا آدم لم يلتفت لكل هذه الأحداث ولذلك كان دخوله للجنة وكيد إبليس له ضرورة لكي يدرك بما لا يدع مجال للشك إنه عدوه فيحذره وذريته من بعده، فلم يكن نزول سيدنا آدم للأرض إلا مرحلة ترقيه فبعد أن إستكمل كل الدرس أصبح الأن مؤهلا للقيام بالمهمة.

ولكن بقي شيء وهو الأدوات التي سيعمل بها ولذلك كانت أولها هي بعد العلم - التوبة – حيث لو عاش الإنسان الضعيف في معركة الحياة وأمامه أعدائه؛ النفس والهوى والدنيا والشيطان بدون سلاح العلم والتوبة وهي باب الرجوع إلي الله مهما كانت المعوقات أمام آدم وذريته. ولذلك  قال سبحانه : {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة37.

وحشي لله أن يعاقبه بعد أن تاب عليه – ولكنه قال بعدها {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة38. وهذه الأيات تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن التوبة التي تعلمها آدم هي له ولذريته منهج سيعيش به في الأرض من التخلية ثم التحلية، ومن الفرار إلي الله كلما إنتصر عليه أعدائه وكلما فر إليه أعطاه المكافأة منهج يعيش به، فان إتبع المنهج نجا وعاد للجنة التي دخلها ليشتاق إليها كلما ضعف أمام أعدائه حيث وعده الله الذي لا يخلف الميعاد بالعودة إليها إذا إتبع الهدي  وكذلك ذريته من بعده.

ويؤكد هذه المعاني ما ورد في صحيح البخاري: حآج موسى آدم، فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم، قال آدم: يا موسى أنت الذي إصطفاك الله برسالته وبكلامه، أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني، أو قدره علي قبل أن يخلقني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى. اللهم علمنا كيف نتأدب معك ومع رسلك وأولياءك وعبادك أجمعين، أمين أمين أمين.

المصدر: الداعية ألفت مهنا - مجلة من أجلك

ساحة النقاش

من أجلك

menaglec
من أجل تنمية المرأة والأسرة العربية ومشاركتها اهتماماتها المختلفة. »

ابحث

تسجيل الدخول