* ثاني عشر: كرامة الاستقامة([1]) حتى آخر حياته:
يرى الناظر في حياة الشيخ نزار كيف كان حرصه الشديد على الالتزام بشـرع الله والعمـل على إحياء السنة النبوية في حياته لتعود الأمة لفعلها، كما
يرى النموذج العملي للورع العملي في الحياة المعاصرة.
وتعتبر الاستمرارية على هذا النموذج من الاستقامة حتى آخر العمر إحدى أهم الكرامات الرائعة للشيخ الشهيد نزار.
* عاشراً: كرامة الاستشهاد مع أهله:
إن المتأمل في استشهاد الشيخ نزار مع جميع أزواجه وكل أولاده الغير متزوجين يلمس بأن الكرامة الربانية قد تجلت لهذا العالم الجليل الذي لم يُعرف في التاريخ الإسلامي – حسب علم الباحث – أنه استشهد رجل مسلم من أهل العلم وجميع نسائه وكل أبنائه الغير متزوجين في لحظة واحدة ليكونوا رفقاء إن شاء الله في الجنة. حتى لم يترك لنا يتيماً واحدة نرعاه من بعده، كما يُلاحظ أنه لم يستشهد أحد من غير عائلته في القصف الصهيوني الغادر لمنزل الشهيد كرامة له كذلك.
ينقل أحد قادة المرابطين عن استعداد الشيخ/ نزار للشهادة قوله: " كنت في السابق أتمنى الشهادة بعد أن أنهي المشروع الفلاني والمشروع العلاني ، أما الآن فوالله إني لأتمنى الشهادة في كل لحظة([2]). كما يشهد أقرباء الزوجة الرابعة أنها في صباح يوم استشهادها معهم قامت بتوصيل ابنتها – من غير الشيخ – لأمها وأعطتها مصاغها من الذهب! واستعجلت في العودة إلى البيت خوفاً من استشهادهم قبلها. وهذا يدل على تهيئة الشيخ لكل الأسرة للشهادة في سبيل الله فيضرب المثل الأروع في الاستعداد ويكرمه الله بالموت في سبيله شهيداً بعد أن نؤكد أننا نحسبه كذلك وإن كنا لا نزكي على الله أحداً.
وينقل لنا ابنه براء إرهاصات الشهادة الجماعية من فم إخوته حيث يروي لنا قول أخيه عبود لأبيه الشيخ/ نزار : " سأستشهد معك "([3]). وقول أخته حليمة لأمها ( أم علاء ) : " سأستشهد معك "([4]). وفعلاً استشهد الجميع في وقت واحد، وقد أكرمنا الله بالصلاة عليهم وحضور تشيع جنائزهم رغم القصف الصهيوني المتواصل على غزة الصمود والانتصار.
ويقول أخو الشيخ نزار الأخ/ عبد اللطيف أن الله تعالى قد استجاب لدعاء الشيخ في رسالته للماجستير بأن يرزقه الله الشهادة هو وأزواجه وأبنائه، ويعلق أخـوه([5]) بقولـه: وقد استشهد هو وأبناؤه وأزواجه في ضربة واحدة. ونحن نتمنى ما أعطاه الله من الخير بقبولنا شهداء مع أزواجنا وأبنائنا مجتمعين مثله، اللهم آمين.
*حادي عشر: قصة فواح المسك من كتابه "وأظلمت المدينة" وبعض بقايا كتبه:
يروي الأخ بشير قصة فواح المسك مما تبقى من كتب الشيخ نزار قائلاً: "بعد أن أنقذنا ما تبقى من كتب، ولم نجد مكانًا مناسبًا لها، أتيت بها إلي بيتي، فضاق المكان الذي عندي عنها، وإن لي جارًا صالحًا، أخبرته بالأمر، قال عندي غرفة لا أستعملها، وأنا في سعادة عظيمة أن أودعت في بيتي ما تريد من كتب، ففعلت، وكان مما أودعته عنده بعض نسخ من كتاب "وأظلمت المدينة" كان القصف أساء إليها جدًا بالحرق والخرق والتمزيق. ثم إنه بعد ما يقرب من شهر من انتهاء الحرب جاء محمد ابن الشيخ نزار ومعه شاب في سيارة يطلب بعض الكتب التي قد أثر فيها القصف تأثيرًا كبيرًا وأن يكون من ذلك نسخة من كتاب وأظلمت المدينة، فاتصلت بأخي الذي أودعت عنده الكتب، طلبت منه أن يرسل لي نسخة مما عنده، فأرسلها، فلما أسلمتها لمحمد أسلمها هو للشاب وكان يقود السيارة، ففتح الكتاب، ثم قال لي: من أين هذه الرائحة الطيبة للكتاب؟ أمسكت الكتاب، ففاحت رائحته الطيبة، قلت له: ربما يكون صاحبي قد جعل عليه طيبًا. ثم انصرفا"([6]).
ويضيف قائلاً: " واتصلت بأخي قلت له: (أبا حسام) طلبت منك ترسل لي الكتاب بحالته، ولم أطلب منك أن تطيب الكتاب، قال لي: إن هذا لم يحدث، لم أكن لأطيب الكتاب. ثم تذكرت في نفسي أن رائحة الطيب الزكية التي أنعشت نفسي لم أشمها أبدًا من (أبي حسام)، قال لي: والله إن هذه الرائحة التي تذكر أنك وجدتها، إني أجدها من الكتب التي عندي وخاصة كتاب وأظلمت المدينة. فاستدعاني لأقف على الأمر بنفسي، فلما فتحت الكيس الذي جعلت فيه هذه النسخ من كتاب "وأظلمت المدينة" ووجدت هذه الرائحة الزكية الطيبة، وقلبت صفحات هذه النسخ ورائحة الطيب توجد في كل مكان في الكيس وفي كل صفحة من صفحات هذه النسخ من الكتاب، ولا يوجد أي أثر يدل على أن هناك طيبًا ربما يكون قد انسكب على هذه النسخ"([7]).
ويواصل القصة فيقول: " فعدت إلي منزلي حيث الكتب، ووضعت يدي على وأظلمت المدينة فلما فتحته وجدت هذه الرائحة الطيبة، التي لا أبالغ إن قلت: إني لم ولن أجد أطيب منها. وإلي الآن ما زلت أجد هذه الرائحة كلما أفتح أي نسخة من هذا الكتاب والرائحة كما هي. وكتبتُ هذه الكلمة ونسخة من كتاب وأظلمت المدينة فتحتها بين يدي، أرتشف هذه الرائحة الزكية المباركة.. العين تدمع.. والقلب يخشع..أتذكر حيث كان الشيخ يقرأ هذا الكتاب ولا يفارقه البكاء..ختمه بالكلمات الرقيقة التي كانت وما زالت تهز كيان من ينظر إليها..يقول: نادَى المنادي من رُبَى طيبَةَ بِلال، ومَضَت رَكائِبُ زَحفِنا مُتَضَمِّخِينَ المِسكَ مِن طيب الفِعال.. سيدي أبا القاسم؛ "وأظلمت المدينة" لمَّا طَواك الثَّرى، فلا عاش من لم يعش لرسـالتك رسـالة السماء، سيدي رسول الله؛ سلامٌ عليك في الأولين، سلام عليك في الآخرين، سلام عليك، سلام عليك، سلام عليك، سيدي أبا القاسم يا حبيب قلبي، ويا حبيب ربي، عليك السلام"([8]).
وينقل الأخ بشير كلام الشيخ نزار عن كتابه :وأظلمت المدينة" فيقول: "سمعته يقول وقد أخرج الكتاب لطباعته في الخارج في دار المنهاج: أخرجت هذا الكتاب ولم تتعلق نفسي بأي منفعة مادية تعود علي من نشره، أخرجته لله وحبًا للنبي r أقل ما يمكن أن يكون في باب حب النبي r "([9]).
ويثنى على الشيخ ويشـهد لـه بقوله: "طبت حيًا وميتًا شيخنا أبا بلال..لا عشنا إن لم نكن على هدي نبينا r وعلى هدي العلماء الصالحين..كيف لا نجد الطيب..ولما أردتَ أن تُرسل إلي مسجد الخلفاء الراشدين بما يقرب من مائة وخمسين نسخة من المصحف لم ترسلها للمسجد حتـى اشـتريت الطيب وطيبت به هذه النسخ، نسخة نسخة..دمت طيبًا شيخنا أبا بلال"([10]).
ويختم كلامه بنقل كلام بلال ابن الشيخ نزار البكر قائلاً: " ومما يذكر في هذا السياق أني حدثت أخي بلال نزار ريان، قال: والله إني أجد مثل هذه الرائحة في ما تبقى من أشياء كانت خاصة بالشيخ، كنت قد جعلتها في ظرف، فلما جاء الدكتور عبد الرحمن الجمل لزيارتنا أردت أن أريه بعض ما تبقى من حاجيات الشيخ فلما فتحـت الظـرف فاحـت رائحة زكية طيبة، قد ذاق طيبها كل من كان حاضرًا"([11]).
([1]) أشار إلى وضع هذه الكرامة الأخ الزميل أ. طلعت المجدلاوي، في تعليقه على الاستبيان.
([2]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([3]) من أقوال ابن الشهيد/ براء نزار ريان للباحث.
([4]) من أقوال ابن الشهيد/ براء نزار ريان للباحث.
([5]) من أقوال أحد إخوة الشيخ نزار، وهو الأخ الأستاذ/ عبد اللطيف عبد القادر ريان.
([6]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
([7]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
([8]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
([9]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
([10]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
([11]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
ساحة النقاش