* ثامناً: قصصه مع المرابطين:
أنقل في هذه الفقرة ما أرسله لي أحد قادة المرابطين في شمال غزة([1])، حيث كان يرابط الشيخ نزار ذاكراً بعض القصص التي يرى فيها شيئاً من كرامات الشهيد المجاهد/ نزار ريان، حيث يقول:" رابطت معه قبل استشهاده بأسبوع، وقد استأذن أن يذهب حتى يتوضأ ويصلي ركعتين في آخر وقت الرباط، وطلبت منه أن أصلي معه فأذن لي فأردت أن أقف للصلاة واضعاً سلاحي بجواري فأنكر علي ذلك وقال لي: إن الكرة الأرضية كلها تحاربنا، لا تضع سلاحك وصل وأنت تحمله، فأطعته رحمه الله رحمة واسعة وقد صلى بنا في الآيات من سورة البقرة " الله ولي الذين آمنو ...." وبعدها بصفحتين حسب مصحف المدينة([2]). ثم عاد إلى إخوانه المرابطين ، وكان قد تجمع عدد منهم في مكان آمن، فأخذو يخوضون في بعض الأمور والمسائل ( والتي كان منها بعض القضايا الأمنية والأخلاقية) ثم طلبوا منه أن يعظهم فتكلم موعظة جليلة ، وكان مما ذكر فيها: (يا أهل الأمن احفظوا قلوبكم، احفظوا خواطركم، احفظوا ألسنتكم)، وحذر كذلك من الغيبة، وقال ناصحاً المربين في المساجد حين يذكروا قضية لمتربي أو يذكروا تقييماً له أن يكون ذلك عند الحاجة فقط، وأن يتكلم المتكلم عن الأخ وكأنه حاضر فيقول (فلان شاب طيب وفيه من الصفات الحسنة كذا وكذا.. ومن ثم يذكر إن كان هناك قضايا تريد علاجاً)" ([3])
ويقول الأخ : " أؤكد هنا على مواظبة الشيخ على الرباط ليلاًً ونهاراً، حيث أن بعض الشباب المجاهدين يتذمرون من الرباط النهاري في المواقع، فأقول إن الشيخ نزار رحمه الله كان مرابط مثله مثل أي مجاهد في مجموعة ، سواء كان الرباط ليلاً أو نهاراً، بل وكان يغضب من إخوانه إذا لم يتصلوا به في أي من الرباطات راغبين في التخفيف عنه"([4]).
ويواصل الأخ كتابته فيقول: " أذكر كذلك أنه في إحدى المرات التي مرض فيها وظل أياماً في المستشفى في قسم القلب ، وكنت ولله الفضل والمنة رافقته ونمت معه آخر ليلة وعندما خرج من المستشفى بعد أن تحسنت حالته الصحية وافق ذلك يوم الرباط الأسبوعي التي ترابط فيه مجموعته وأراد إخوانه إعفاؤه من الرباط لحالته الصحية ولسوء الأحوال الجوية فرفض. وأصر إصراراً شديداً على الخروج للرباط حسب المعتاد ، وحاول إخوانه الاتصال على المشايخ لثنيه من ذلك فأبى أشد الإباء وخرج للرباط, وكان عند إصابته بوعكات صحية غير مقعدة يخرج للرباط ويقول إنني أتحسن كثيراً وأنا أعيش في أجواء الرباط والجهاد"([5]).
ويشهد له الأخ القائد فيقول: " كان الشيخ نزار رحمة الله عليه مجيداً للرماية، حيث أن معدل إصابته للهدف تسعة من عشرة أو عشرة من عشرة([6]).
ويشير الأخ إلى كرمه مع المرابطين خاصة فيقول: : كان الشيخ نزار رحمة الله عليه كريماً جداً مع إخوانه فإن الكثير من المجاهدين سلحهم الشيخ بنفسه ، وكان كثيراً ما يكرم المرابطين بوجبة عشاء ، إضافة إلى أن بيته ومكتبته مكان تجمع للمجاهدين في الأزمات والاحتياجات"([7]).
ويوجه المرابطين للفهم الصحيح للإسلام فنلمس ذلك من كتابة هذه القصة حيث يقول: " خرج بعض المجاهدين يضرب الهاون في جو مفعم بالطيران الإسرائيلي ، وقدر الله تعالى أن يستشهد منهم ويصاب فلما رجعوا اعترض عليهم البعض وقال لهم أنتم آثمون ، فغضب الشيخ وقال بل هم المجاهدون المجاهدون ،المجاهدون وفي المقابل ، سألته مرة : يا شيخ إننا قد نعترض لقصف واستهداف من اليهود، فنحرص أشد الحرص على النجاة، فهل هذا فيه بشيء من الجزع ؟ فقال لي: يا فلان كم من السنوات أنفقت عليك حتى تجلس هذا المجلس (وكنا في ذلك الوقت في الرباط)، فروحك أمانة فحافظ عليها([8]).
ويزيد الأخ القائد فيقول: " خرجنا للرباط يوماً وكان إخواننا قد نبهوا ألا نتجاوز أبراج الشيخ زايد، وكان الشيخ يحب أن يتقدم أكثر، وأن يكون أقرب إلى صفوف العدو ، فقلت له يا شيخ : إن إخواننا أمرونا أن نجاوز الأبراج، فقال: ها نحن قبل أبراج عسقلان، ولنا أن نأخذ بالظاهر وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالظاهر حين قال له " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ، فاستغفر لهم ، فقلت له يا شيخ لا تعطي اليهود انجازاً، بشهادتك ، فقال إنجاز الأمة الإسلامية أن أقف هنا، وتقدم كما أراد رحمه الله، ولم يأمره إخوانه يومها بالرجوع([9]).
وفي ختام هذه القصص يذكر الشيخ أنه لن يتخلى عن طريق الجهاد فيقول الأخ القائد: " قال لي يوماً تركت كل شيء وتفرغت للعلم ، فتركت العمل السياسي ولست نادماً عليه! ولو طلب مني إخواني أن أعود لعدت، وتركت التدريس في الجامعة! ولكني أبداً لا أترك البندقية، وكان رحمه الله في الفترة الأخيـرة قـد كرس حياتـه لأمرين: البحـث العلمـي في مكتبته، والرباط في
سبيل الله تعالى([10]).
* تاسعاً: قصص الصدقة والكفالات.
لقد تعاملت مع الشيخ نزار عن قرب فلمست منه حبه الشديد لمساعدة الناس، وهذه شهادة أحد المقربين منه تأتي في هذا المعنى: " كان رجل عامة، كثير الخير والنفع للناس، وكان الناس يعلمون ذلك عنه ويقصدونه، وكم من الأمثلة والوقائع ما يدلل على هذا، فهذا يريد أن يتزوج فيساعده الشيخ في مهره، وذاك يعجز من رسوم ابنته الجامعية فيقصد الشيخ فيعطيه وغيرهم الكثير([11]).
من قصص تصدقه يروي ابن الشيخ نزار الأخ براء عن أبيه هذه القصة، حيث يقول كتابة لي ([12]): حدثني والدي رحمة الله عليه قال: كنت خارجًا إلى الجامعة ظهيرة يوم إبان دراستي بالمملكة، ولم أكن أحمل في جيبي إلا عشرين ريالا، فلقيت في طريقي رجلا كبير السنّ، وفيما يبدو كبير القدر.
كانت الشمس تصبّ حميمها على الرؤوس وقد بلغ التعب والإرهاق بالرجل مبلغه.
وإذ به ينادي عليّ: يا ابني، تعال.. ركّبني .. ركّبني.
قال: ولم يكـن من مجـال لمناقشـة الرجـل –الذي ربّما أضاع نقوده أو سرقت منه- فقلت له:
يا عمّ؛ أين تريد؟
قال: المكان الفلانيّ.
فأشرت إلى أوّل سيارة أجرة مرّت، وقلت لسائقها: أبلغ الرجل المكان الفلاني. كم أجرتك؟
قال: عشرون ريالا.
قال والدي: فأعطيته العشرين وما معي غيرها.
وبقيت في مكاني بعيدًا عن البيت، بعيدًا عن الجامعة. لا أعرف ماذا أفعل!
قال: فعثرت بشابّين فلسطينيين أعرفهما. فمشيت معهما ليوصلاني إلى الجامعة ويدفعا عنّي.
وفي الجامعة أجد من أصدقائي المقرّبين من أستدين منه ويستدين منّي.
قال: فلمّا وصلت الجامعة، لقيني بعض أساتذتي، فسألني عن أحوالي، وأظهر اهتمامًا بالغًا!
قال: ثمّ أعطاني مظروفًا، لا أعلم ما به، وذهب.
ففتحت المظروف فإذا به ألفا ريال، فقلت: والله يضاعف لمن يشاء.
ومن الأمثلة على كفالته لطلاب العلم: سمعت عن كفالته لبنتين لتعليمهن في الجامعة وذلك لانقطاع المعيل لهن، ولما استشهد الشيخ نزار حزن كثيراً فجاءهن في المنام وقال لهن إذهبن للشيخ وائل الزرد وقلن له أن يكمل المشوار عن الشيخ نزار! وفعلاً استعد الشيخ وائل بكفالتهن في التعليم الجامعي([13]).
([1]) وقد طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية.
([2]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([3]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([4]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([5]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([6]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([7]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([8]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([9]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([10]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([11]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([12]) هذه القصة من كتابة ابن الشيخ نزار، الأخ/ براء رداً على استبيان البحث.
([13]) سمع الباحث القصة من الشيخ الدكتور/ وائل الزرد.
([14]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([15]) من أقوال ابن الشهيد/ براء نزار ريان للباحث.
([16]) من أقوال ابن الشهيد/ براء نزار ريان للباحث.
([17]) من أقوال أحد إخوة الشيخ نزار، وهو الأخ الأستاذ/ عبد اللطيف عبد القادر ريان.
([18]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
ساحة النقاش