مدخل لدراسة مفهوم مصطلح " الكرامة" والتعريف
بالشيخ الدكتور/ نزار ريان
يتناول هذا المبحث تعريف الكرامة في اللغة والاصطلاح والضوابط التي ترعى في اعتبار الكرامة لأولياء الله الصالحين، والأدلة من الكتاب والسنّة على حصول الكرامات، وأقسام الكرامة، وعقيدة أهل السنّة والجماعة في كرامات الأولياء، ويختـم المبحـث في إياد ترجمة موجزة لحياة الشهيد الشيخ الدكتور/ نزار عبد القادر ريان.
أولاً: تعريف الكرامة وضابطها:
قال صاحب القاموس المحيط: الكرم: ضد اللؤم. وأكرمه كرمه: عظمه ونزهه، والكريم: الصفوح، ورجل مكرام: مكرم للناس([1]). ويقال في التعجب: ما أكرمه لي([2]). وقال تعالى: " وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ "([3])، وعليه تكون الكرامة ضد الإهانة.
إن معنى الكرامَةُ في اللغة هو مشتق من الإِكْرَامْ، وهو ما يُؤْتَى المُكْرَمْ من هِبَةٍ وعَطِيَّة، وهِيَ في باب الكرامة من الله عز وجل، وفي الاصطلاح عُرِّفَتْ كرامة الولي بأنَّهَا " أَمْرٌ خارق للعادة جرى على يدي ولي ". لهذا تُضْبَطْ العادة في تعريف الكرامة (خارقٌ للعادة) بأنها عادة أهل ذلك الزمن([4]).
والكرامة في الأصل نعمة خاصة، يعني في اللغة الكرامة هي النعمة الخاصة ، ولهذا قال جل وعلا ?فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ? ?فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ? هذا الإكرام نعمة خاصة([5]).
ونذكر تعريفاً آخر للكرامة وحَدَّها: هي خرق الله العادة لوليه، لحكمة ومصلحة تعود عليه، أو على غيره"([6])، وعلى هذا التعريف لا فعل للولي فيها ولا إرادة([7]).
ويعرفها كثير من العلماء بأنها: الأمر الخارق للعادة، ويظهر على يد عبد صالح غير مدع للنبوة غير مقرون بالتحدي. ويفرقون بينها وبين المعجزة بفارق عدم التحدي في كرامة الولي، بخلاف معجزة الرسول المقرونة بالتحدي للدلالة على صدقه([8]).
* ثانياً: الأدلة من الكتاب والسنّة على حصولها:
الأصل في كرامات الأولياء من القرآن الكريم قول الله تعالى: " أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"([9])، وقوله تعالى أيضاً: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا"([10]). وحديث: أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا
وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ...الحديث"([11]).
ومن الواقع فإنَّهُ تواتر النَّقْلُ عن الصحابة وعن التابعين ومن تَبِعَهُمْ وعن الأُمَمْ السالفة، تَواتَرَ النقل بما لا يكون معه مجال للتكذيب ولا للرَّدْ بنَقْلِ عددٍ كبير يختلفون في أماكنهم ويختلفون في لغاتهم بحصول هذه الكرامات، فيكون معه النقل متواتراً ويكون دليلاً من الأدلة في هذه المسألة. فإذاً حصول الكرامات دَلَّ عليه القرآن والسنة ودَلَّ عليه التواتر في النقل عن الأمم السالفة وعن هذه الأمة([12]).
* ثالثاً: عقيدة أهل السنّة والجماعة في كرامات الأولياء:
إن أهل الحق لا ينكرون الكرامة التي ثبتت بالقرآن الكريم والسنة، كما يثبتون خرق العادة للأولياء في بعض الأحيان، لكن ليس في هذا دليل على أنهم يتصرفون ولا تلازم بين التصرف والكرامة؛ لأن الكرامة خرق الله العادة لوليه، من غير فعل من ذاك الولي([13]).
ويرى الباحث أنه ليس من الضروري أن تكون الكرامة خارقة للعادة، وليس فيها تحدي ولا تثبت شيئاً في المكانة الخاصة ولا يجب تصديقها، وهي حقيقة لا خيال وقد تغير وقد لا تغير في سنن الكون، وقد تتكرر لعدة أشخاص([14]).
* رابعاً: ترجمة موجزة لحياة الشهيد الشيخ الدكتور نزار ريان([15]):
إن الشيخ القائد الشهيد العالم الأستاذ الدكتور/ نزار بن عبد القادر بن محمد ابن عبد اللطيف بن حسن بن إبراهيم بن ريَّان مولود في معسكر جباليا, فجر الجمعة 26/شعبان/1378للهجرة وفق: 6/3/1959م، وتنحدر عائلته من قريتة الأصلية "نِعِلْيَا" من قرى عسقلان في جنوب فلسطين، وقد كان متزوجا، من أربع سيدات، وله ست أولاد ذكور، وست بنات، وحفيدان.
وقد حصل العلم المجاهد على أعلى درجة علمية في تخصص الحديث الشريف وعلومه، وهي الأستاذية – بروفيسور - بعد مجموعة أعمال علمية رصينة في التخصص وغيره. وعمل إماماً وخطيباً متطوعاً لمسجد الخلفاء الراشدين بمعسكر جباليا منذ 1985-1996م,
و اعتقل مراتٍ عديدة من اليهود المغتصبين، ومن السلطة الفلسطينة قبل أن تستلمها حركة حماس، وكتب مقالات عدة في صحف بلادنا, وهو عضواً مؤسساً لحزب الخلاص الإسلامي بفلسطين، وشارك في قيادة حركة حماس وفي مفاوضات داخل فلسطين مع الفصائل، وخارجها مع قيادة الحركة، وشارك في القيادة السياسية لحركة المقاومة الإسلامية حماس.وقد درس القرآن الكريم صغيراً على فضيلة الشيخ المرحوم حسن عبد الرحيم المناعمة,
وفي خارج فلسطين درس القرآن وعلومه على العديد من العلماء منهم: الشيخ الأستاذ الدكتور محمد الراوي، من أهل مصر. والشيخ الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس، من أهل صفورية بفلسطين، وهو مقيم بالأردن. والشيخ الدكتور أحمد نوفل، من أهل فلسطين، وهو مقيم بالأردن. والشيخ الدكتور زاهر الألمعي، من أهل الرياض, والشيخ الدكتور: سليمان أتش، من تركيا.وقد درس في خارج فلسطين الحديث الشريف وعلومه على العديد من العلماء منهم: الأسـتاذ الدكتـور: صالح سيف، من أهل مصر, والشيخ الأستاذ: عبد الفتاح أبو غدة، من أهل حلب الشهباء, لشيخ الدكتور: محمود الطحان، من أهل سوريا, الأستاذ الدكتور: همام سعيد، من أهل فلسطين مقيم بالأردن.ومن كتبه وأبحاثه المفردة: النقاد المتشددون في الجرح والتعديل – دراسة تطبيقية, صحيح الإمام مسلم - أسانيده ونسخه ومخطوطاته وطبعاته، منهج تحليل النصوص في السيرة النبوية, وقد تشرفت بعمل بحث مشترك معه بعنوان: رسم الأسانيد بالرموز صيغة مقترحة. وقد تم تحكيمه ونشره في مجلة الجامعة الإسلامية بغزة. وفي بحث قدمه الباحث لمؤتمر الشهيدين "صيام وريان" كانت النتائج أن جميع الصفات الخمسين متوفرة بكثرة في قيادة الشيخ الشهيد الأستاذ الدكتور/ نزار ريان من وجهة نظر المقربين من قيادته. وهذه النتائج لم يحصل عليها أي قائد تم إجراء الاستبيان على قيادته، ولعل ذلك لورع الشيخ الشهيد في آخر حياته عن تولي مصالح الناس في الحكومة الحالية التي شكلتها الحركة أو حتى دخول انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في 2006م، والإصرار على البقاء بين المجاهدين ومع الناس كعالم يقودهم لرضا الله فيما يكلف به من إخوانه.
وفي أهمية كتاب الورع يقول الأخ بشير سمعت شيخنا يقول([16]): " وفقني الله تعالى لمعرفة كتاب الورع هذا من بداية طلبي للعلم الشرعي وحرصي عليه، ونفعني الله به نفعا عظيما، يقول: هذا الكتاب ربّانِي، أدبني هذا الكتاب أيما تأديب! يقول: اللهم ارزقنا الورع، وأدبنا بآداب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين. قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله يصف كتاب الورع للإمام أحمد:" وهو كتاب نفيس، فيه الآيات البينات على ورع السلف، يخيل لقارئه أن الإمام أحمد دخل الجنة ثم جعل يتحدث عن أخلاق أهلها"([17]). وتم توفيق الله على الشيخ في هذا الباب أن شرح هذه الدرة العظيمة كتاب الورع.
ويضيف الأخ بشير قائلاً: كنت بجواره مرة فسألني عن فائدة علمية حديثية كانت قد مرت علينا، سألني عن مظانها، فما استطعت أن أتذكر، فنظرت إلي الشيخ فإذا به رافعٌ يديـه يدعو قد خشعت عيناه ورق قلبه، أنظر إلي شفتيه تتحرك بالدعاء، ثم إني رأيـت البشـر يعلـو وجهـه يقول: الحمد لله تذكرت، فأخرجها من مظانها"([18]).
ويضيف الأخ بشير قائلاً: تحدث الشيخ عن فترة من أول حياته حيث كانت الزندقة والعلمانية تموج كموج البحر، تغرق الناس في الانحراف والضلال عن سواء السبيل، قال: كان هؤلاء الشيوعيون يفسدون في الأرض أشد الفساد وكذلك زنادقة العلمانية الذين كانوا يعملون في كل سبيل من شأنه أن يسقط أبناء الإسلام في الضلال والانحراف، وإني أذكر كيف كانوا في المدارس يفسدون، وكيف كان أبناء الإسلام من الطلاب عن الصراط يتساقطون، وكيف نجانا الله تعالى منهم بمنه وكرمه، وحفظه ورعايته([19]). فقد كانت رعاية الله سبحانه تحيط بالشيخ وأترابه من أبناء الدعوة المباركة التي أخذت على عاتقها تصحيح المسار والعودة بالناس إلي معقل الإسلام ورياض الدعوة الربانية.
ويشهد له أحد القادة العسكريين بقوله: " كان عفيف النفس ، مؤثراً لإخوانه وكان يأبى أن يقدم على غيره في الطعام والشراب ، فلم يكن يقبل أن يعطى حتى يأخذ إخوانه ، ولعل من اعتكف معه يعلم هذا جيداً، فكان رحمه الله، آخر من يأخذ طعام الإفطار ، وآخر من يأخذ طعام السحور ، وآخر من يقدم عليه الشاي "([20]).
ويضيـف قائـلاًً: " ومن سمو همته ورفعة نفسه عن الصغائر، أنه كان لا يحب أن يزدحم حيث يزدحم الناس، وكان هذا له خلقاً ، فتذكره إحدى زوجاته وتقول له : احذر يا أبا بلال أن يكون هذا تعالياً أو غروراً ، فيتوقف ويقول : والله لا آمن على نفسي ويراقب نفسه ويدقق عليها حذراً من أن ينتقل من سمو الهمة ورفعة النفس عن الصغائر إلى الكبر والعياذ بالله([21]).
وينقل تعليقه على شرحه لصحيح مسلم بقوله: قد أكرمني الله تعالى وانتهيت من المجلد الخامس في شرحه لصحيح مسلم فقلت له متعجباً، وفي كم مجلد تنوي أن تشرحه كله ؟ فقال في خمسين مجلس إن شاء الله تعالى([22]). ونحن نقول لعل الله ييسر له من يكمل الشرح الوافي لصحيح مسلم على منهاج الشيخ نزار.
([1]) انظر: القاموس المحيط، 4/172.
([2]) انظر: مختار الصحاح، الفيروز آبادي، ص 568.
([4]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، صالح آل الشيخ، 1/670.
([5]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، صالح آل الشيخ، 2/225.
([6]) تحفة الطالب والجليس في كشف شبه داود بن جرجيس، 1/ 53.
([7]) انظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، 2/985.
([8]) انظر: موسوعة الرد على الصوفية، 7/63.
([11]) صحيح البخاري، ح 6137 ، ترقيم د. مصطفى البغا.
([12]) انظر: إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل، 46/10.
([13]) انظر: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب، 1/184 .
([14]) مختصر العقيدة الإسلامية، د.رمضان الزيان، نشر مطبعة المنارة،غزة، 2006م، ص153.
([15]) استفاد الباحث من سيرة الشهيد الموجودة على صفحته في موقع الجامعة الإسلامية.
([16]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
([17]) رسالة المسترشدين، ص 76.
([18]) من أقوال تلميذ الشيخ نزار وأحد العاملين في مكتبته الأخ/ بشير محمود سلميان.
([19]) إمداد المنعم شرح مقدمة صحيح مسلم، أد. نزار ريان، تحت النشر، 3/363.
([20]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([21]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
([22]) من كتابات أحد قادة المرابطين في شمال غزة رداً على استبيان البحث.
ساحة النقاش