أهمية صحراء سيناء ومصادرها التعدينية
فى ظل التغيرات المناخية والتنمية الصحراوية
ممدوح عبد الغفور حسن
رئيس هيئة المواد النووية سابقا
· تشيرالدراسات البيئية التى تجرى الآن على كوكبنا أن القرن الحالى سيكون شاهدا على ارتفاع درجة حرارة الأرض لأسباب متعددة، وتختلف الآراء فى توابع هذا التغير بين رأين نقيضين: يرى الرأى الأول أن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيؤدى إلى تمدد مياه المحيطات وانصهار الجليد وبالتالى ارتفاع سطح البحر فى الستقبل القريب وحتى أواخر القرن الحالى، وهو الرأى السائد، أما النقيض الثانى فيرى أن هذه الزيادة فى درجة حرارة الأرض ستؤدى إلى بداية عصر جليدى جديد. وتدل بعض الدراسات على أن دلتا النيل ستكون من أكثر المناطق الساحلية التى تتعرض للإغراق فى حالة ارتفاع سطح البحر، وأول ما يصيب إغراق الدلتا هى مصادر الرمال السوداء فى شمال الدلتا، وهى أهم المصادر التعدينية فى مصر.
· فى ظل هذا التعارض بين ما يراه العلماء، يجب أن نكون حذرين؛ فلا نفرط فى التشاؤم ولا فى التفاؤل، وعلينا أن ننظر فى واقعنا الحاضر وتخطيطنا للمستقبل البعيد ونضع فى اعتبارنا المخاطر التى قد تتعرض لها الدلتا، وبالتالى مصر كلها، ونكون على استعداد لمجابهة أى مخاطر نواجهها.
· أول هذه الاعتبارات هو واقع مصر الحقيقى؛ فمصر بلد صحراوى، يتركز شعبها فى الوادى والدلتا؛ أى فى 5% فقط من أرض مصر كلها، و 95% من أرض مصر صحراء، ولا بد من تعمير هذه الصحراء لخلخلة التكدس السكانى فى الوادى والدلتا، مع وضع الاعتبارات فى أن الدلتا قد يصيبها طغيان البحر، ولعل إبراز هذا يكون دافعنا على اقتحام الصحراء لنجنِّب أجيالنا المتعاقبة هذه المخاطر.
· فى نفس الوقت تعانى دلتا النيل من تغيرات بيئية أخرى نتيجة لعمليات جيولوجية تتمثل فى الانخفاض التدريجى لأرض الدلتا، والنحر البحرى، وما يصاحب هذه التغيرات من مخاطر، وأكثر المناطق التى تعرضت ولا زالت تتعرض للنحر البحرى مصبَّى رشيد ودمياط.
· وبإمعان النظرة الشاملة لمصر يتبين أنها تقع فى قلب الصحراء الكبرى وتعتبر حلقة الوصل بين الصحراء الكبرى فى أفريقيا والصحارى المتعددة فى الوطن العربى بصفة عامة، وهو موقع يتيح لمصر أن تكون مركزا عربيا ودوليا لتنمية البيئات الصحراوية، بالإضافة لتميزها فى نواحى أخرى عديدة.
· من هذا المنطلق ننظر إلى سيناء نظرة حديثة ونعمل على تنميتها بجدية، فسيناء أكثر الأراضى المصرية أهمية من نواح عديدة لا حاجة إلى تكرارها، ويزيد عليها تفرد سيناء بالخصائص التالية:
1- تعتبر سيناء امتدادا طبيعيا للدلتا إلى الشرق عبر قناة السويس، ويمكن أن تكون المقر الجديد للنازحين من الوادى والدلتا من ناحية، وكذلك من المهجرين من شرق الدلتا استجابة لارتفاع سطح البحر من ناحية أخرى.
2- تبلغ مساحة سيناء سدس مساحة مصر وتستوعب ما لا يقل عن 8 مليون نسمة فى مواجهة آثار التكدس السكانى فى الوادى والدلتا، وخلخلته بتهجير حوالى 8 مليون مواطن إلى خارج الوادى والدلتا خلال 20 عاما، ووضع سيناء يجعلها من أوائل المناطق الصحراوية المؤهلة للتهجير.
3- تعتبر سيناء نموذجا مصغرا لجميع البيئات الصحراوية فى مصر كلها، وللصحارى بصفة عامة، ويمكن أن تكون سيناء المثل الذى يحتذى لكل ماهو جديد أو مبتكر فى كافة نواحى النشاط الإنسانى فى البيئات الصحراوية لصغر مساحتها، فإذا بدأنا بتنمية سيناء بمفاهيم مبتكرة، نستطيع أن نمد هذه الإنجازات إلى الصحارى المصرية الأخرى.
4- من الخصائص الطبوغرافية والبناء الجيولوجى والثروات التعدينية تعتبر سيناء أيضا نموذجا مصغرا لمصر كلها، بل إن العامود الجيولوجى يعتبر أكمل ما يكون بالنسبة لأى عامود آخر على مستوى مصر كلها؛ ففيها صخور القاعدة فى المثلث الجنوبى والذى يعتبر الحلقة التى تربط بين الدرع العربى فى شبه الجزيرة العربية والدرع النوبى فى مصر والسودان. ويشابهها فى ذلك صخور القاعدة فى الصومال واليمن، أما باقى سيناء ففيه جميع التتابعات الصخرية المصرية.
5- جيومورفولوجيا تضم سيناء معظم المظاهر السطحية التى تميز الصحراء الشرقة والغربية ووادى النيل والسواحل بما فيها من البحيرات الساحلية، وتشترك مع محافظات قناة السويس فى القناة نفسها وبحيراتها، ولا توجد فى مصر محافظة أخرى تشابه سيناء فى هذا إلا محافظات القناة الثلاث التى تشترك فى الضفة الغربية للقناة، أما سيناء فهى تستأثر بالضفة الشرقية كلها للقناة. أيضا سيناء هى الأرض المصرية الوحيدة التى تطل على خليج العقبة.
6- تسود شمال سيناء مساحات شاسعة من الأراضى التى يمكن استصلاحها لزراعة المحاصيل الصحراوية، كما أن وديانها تصلح لزراعة الخضروات والفواكه، كذلك سواحلها على البحر الأبيض المتوسط وخليجى العقبة والسويس تصلح لمصايد الأسماك، ومن الخبرات المكتسبة فى سيناء يمتد الإشعاع التنموى إلى الصحارى المصرية الأخرى.
7- الرمال السوداء هى أكبر مصد تعدينى مؤكد فى مصر على الإطلاق حتى الآن، وتوجد على هيئة كثبان رملية فى موقعين: كثبان البرلس فى محافظة كفر الشيخ، وكثبان العريش - رفح فى محافظة شمال سيناء, وهو مصدر ضعف مصدر البرلس على أقل تقدير، ويتعرض مصدر الرمال السوداء فى محافظة كفر الشيخ للنحر البحرى حاليا، وسيكون أول ما يأكله البحر فى حالة ارتفاع سطحه ولو لمتر واحد، أما كثبان الرمال السوداء فى سيناء فلن تتأثر بارتفاع سطح البحر حتى 10 أمتار، ولن يحدث هذا التأثير إلا بعد سنين عديدة نكون قد استخلصنا المعادن الاقتصادية من هذه الثروة المعدنية الهائلة، علما بأن المعادن الاقتصادية فى هذه الكثبان لن تزيد عن 4% وباقى الرمال تعود إلى مواقعها كما كانت أو يعاد تشكيلها حسب المفاضلات البيئية. واستخلاص المعادن الاقتصادية من الرمال السوداء يخلصها من الإشعاع الزائد عن الحد الطبيعى المسموح به، كذلك سيناء غنية بالثروات المعدنية المحجرية فى الجرانيت والرخام، ورمال الزجاج والمواد النووية والعناصر النادرة.
8- يمثل وادى العريش نموذجا مصغرا لوادى النيل الذى يمكن من خلاله دراسة الظواهر الجيولوجية النهرية، فوادى العريش ينبع من صخور القاعدة فى الجنوب ويمر بكل التتابعات الجيولوجية مثل وادى النيل ويشترك فى تكوين الرمال السوداء مثل النيل تماما.
9- فى مجالات السياحة تتميز سيناء بمواقعها السياحية الغنية عن الذكر، منها موقعين فريدين: الموقع الأول هو مسار رحلة العائلة المقدسة من فلسطين إلى صعيد مصر فى شمال سيناء، والموقع الثانى هو دير سانت كاترين فى جنوب سيناء.
ممدوح عبد الغفور حسن
33442749 0105604772
ساحة النقاش