004 مصر والوقود النووى (عجز احتياطيات اليورانيوم عالميا، هل يؤثر على مصر فى المرحلة المقبلة؟) د. ممدوح عبد الغفور حسن هيئة المواد النووية
اليورانيوم هو المادة الأساسية فى الوقود النووى، وأى دولة تدخل العصر النووى لابد وأن تضمن توافر الوقود اللازم لتشغيل محطاتها النووية، وحيث أن مصر قد قررت دخول العصر النووى بإدراج أول محطة نووية لتوليد الكهرباء فى الخطة الخمسية الثالثة فى الضبعة على الساحل الشمالى، فقد أصبح من اللازم من الآن تكثيف الجهود لتحقيق الاحتياطى الكافى من اليورانيوم لتشغيل تلك المحطة طوال عمرها الافتراضى، ولمواجهة الاحتياجات اللازمة لأى محطات أخرى تنشأ فى المستقبل، وخاصة فى ظل الظروف السيئة التى تمر بها مصادر اليورانيوم العالمية حاليا والمتوقع استمرارها على مدى العشرين سنة القادمة على الأقل. ولهذا عقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرا اجتماعا دوليا فى فيينا خصص لمناقشة آخر التطورات فى وسائل استكشاف اليورانيوم وتعدينه واستخلاصه لمحاولة تنشيط هذه العمليات تحسبا للنقص الشديد الذى سيحدث فى إمدادات الوقود النووى فى المستقبل، وقد مثلت مصر فى هذا الاجتماع الدولى هيئة المواد النووية. وقد تعرض الاجتماع لأوضاع أسواق اليورانيوم الحالية وتم مناقشتها باستفاضة وخاصة توقعات المتطلبات على اليورانيوم ومدى إمكانية الوفاء بهذه المتطلبات بناء على الأوضاع الحالية، وتبين منها الحقائق التالية:
أولا: الأسعار:
جرى العرف على ذكر سعر اليورانيوم على أساس الدولار للرطل من أكسيد اليورانيوم أو على أساس الدولار للكيلوجرام من اليورانيوم الفلزى، ويمكن تحويل القيمة الأولى إلى الثانية بالضرب فى 2.6 أو تحويل الثانية إلى الأولى بالضرب فى 0.385، كذلك تتم مبيعات اليورانيوم إما بتعاقدات طويلة الأجل يتم إبرامها بين البائع والمشترى، أو بالشراء المباشر من المعروض فى الأسواق الفورية؛ ولذلك فإن الأسعار الفورية هى التى تعكس الحالة الواقعية لأسواق اليورانيوم وليست أسعار التعاقدات طويلة الأجل، وتتراوح أسعار اليورانيوم الفورية كثيرا تبعا للظروف المختلفة، وقد تطورت هذه الأسعار منذ أوائل السيعينيات كالآتى:
1- تزايد سعر اليورانيوم الفلزى للكيلو فى السوق الفورية زيادة مفاجئة من حوالى 17 دولار فى عام 1972 إلى حوالى 113 دولار فى عام 1987 وهى أعلى قيمة له فى التاريخ، وكانت هذه الزيادة المفاجأة غير طبيعية نتجت عن تراجع بعض الشركات العالمية الموردة للمفاعلات النووية عن التزامها بتوريد الوقود النووى لمفاعلاتها مما دفع الجهات التى تملك تلك المفاعلات إلى الاندفاع لشراء اليورانيوم بكميات كبيرة وتكوين مخزون احتياطى كبير لتأمين تشغيل هذه المفاعلات لفترة طويلة حتى تتمكن من تدبير مصدر دائم له، وبذلك تزايد الطلب كثيرا عن المعروض. وقد ساعد على ذلك أيضا أن التوقعات فى ذلك الوقت كانت تشير إلى تزايد الاعتماد على الطاقة النووية بمعدل كبير وكان هناك فعلا عدد كبير من التعاقدات على إنشاء مفاعلات جديدة وكثير من المشروعات المطروحة لمفاعلات أخرى على مستوى العالم؛ فمثلا كان البرنامج النووى المصرى فى ذلك الوقت يزمع إنشاء ثمانية مفاعلات بقدرة مركبة إجمالية مقدارها 8400 ميجاوات فى الفترة من عام 1990 وحتى عام 2000 وكانت ستحتاج حوالى 1200 طن يورانيوم فلزى حتى سنة 2000 و حوالى 650 طن يورانيوم فلزى سنويا بعد ذلك.
2- مع اقتراب أواخر السبعينيات تباطأت مشروعات إنشاء المفاعلات عما كان متوقعا فى كثير من البلدان، كما ألغيت عدة تعاقدات ومشروعات أخرى، خاصة بعد حرب 1973، ولذلك تراكمت المخزونات لدى الجهات المالكة للمفاعلات العاملة مما أدى إلى انحسار شديد فى الطلب على اليورانيوم على مدى سنوات قليلة وانخفض لذلك سعره انخفاضا شديدا إلى حوالى 50 دولار للكيلو الفلزى فى عام 1982 ثم تابع هبوطه بعد ذلك تدريجيا إلى عام 1994، حيث وصل متوسط سعره خلال الشهور الستة الأولى إلى 18.4 دولار للكيلو الفلزى، ومن المتوقع أن يستمر الهبوط فى الأسعار لبضعة سنوات قادمة، ولكن ذلك لن يستمر. وربما كان من هذه الأسباب أيضا الاكتشافات الهائلة التى تمت فى كل من استراليا وكندا لخامات هائلة الحجم وعالية الرتبة مما أشاع الشعور بالإطمئنان لدى المستهلكين بأنه لن تكون هناك مشكلة فى إمدادات اليورانيوم فى المستقبل القريب خصوصا مع وجود احتياطى كبير، وكان اكتشاف هذه الخامات بسبب تصاعد الاستثمارات فى استكشافه بناء على تزايد سعره خلال عقد السبعينيات، كذلك ساهم فى انخفاض السعر منذ عام 1988 العرض غير المتوقع لليورانيوم من دول الكومنويلث المتخلفة عن انفراط الاتحاد السوفييتى ودول شرق أوربا.
ثانيا: الإنتاج:
1- وصل الإنتاج العالمى إلى حوالى 61 ألف طن يورانيوم فلزى عام 1988 ثم تناقص بعد ذلك تدريجيا حتى وصل إلى 36 ألف طن عام 1992. أما عن الاحتياج العالمى فهو يقدر على أساس عدد المفاعلات النووية العاملة فى العالم؛ ففى نهاية 1992 كان هناك 424 مفاعلا تعمل فى 31 دولة، وهذه تحتاج إلى 56800 طن يورانيوم فلزى سنويا، وسيصل هذا الاحتياج إلى حوالى 80000 طن فى عام 2000.
3- قبل عام 1990، كان الإنتاج العالمى لليورانيوم المستخرج من الأرض يزيد عن متطلبات المفاعلات العاملة مما أدى إلى تراكم مخزون هائل منه قدر بحوالى 240 ألف طن فى نهاية عام 1992. أما منذ عام 1990 فقد بدأ الإنتاج يقل عن المتطلبات مما أدى إلى السحب من المخزونات. وبحساب النمو فى استخدام الطاقة النووية على مستوى العالم ومتطلبات اليورانيوم اللازم لذلك، فإن متوسط السحب من المخزونات على مدى السنوات الثمانية التالية لعام 1992 يبلغ حوالى 30 ألف طن فى السنة، وهذا يعنى استنفاد المخزونات مع بداية القرن القادم، بعدها ستظهر الفجوة بين الإنتاج والمتطلبات وتتزايد، هذا إن لم يدخل السوق منتجون جدد من خامات غير مستغلة حاليا أو خامات جديدة يتم اكتشافها.
3- قد يساهم اليورانيوم المستخلص من الأسلحة النووية المفككة فى تلبية بعض الاحتياجات المستقبلية، ولكن ذلك لن يزيد عن 10% فقط من المتطلبات على مدى العشرين سنة القادمة، كذلك من الممكن أن يساهم اليورانيوم والبلوتونيوم المستخلصين من الوقود المحترق إذا اتجهت النية إلى معالجة هذا الوقود. ولكن ذلك لا يمكن تقديره.
من هذا نرى أن اليورانيوم مقبل على فترة سيكون فيها شحيحا جدا وبالتالى سيتزايد سعره كثيرا تبعا لذلك، ولن يكون من السهل الحصول عليه، وهذا سيكون له انعكاسا على البرنامج النووى المصرى، وهذا لا بد أن يدفعنا إلى سؤال فى غاية الأهمية بخصوص البدء فى إنشاء المحطة النووية الأولى فى الخطة الخمسية الثالثة، والتى ستتبعها محطات أخرى بإذن الله؛ وهذا السؤال هو: هل تستطيع مصر أن توفر الوقود النووى اللازم لبرنامجها النووى من مصادر محلية؟ والرد ببساطة هو: نعم تستطيع. أما كيف؟ فهذا لا بد له من حديث آخر.
نشرت فى الأهرام فى 8/2/1995
ساحة النقاش