الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

يعد الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي حيث يأتي بعد القرآن الكريم والذي  يعد المصدر الرئيسي والأول من مصادر التشريع , وأحاديث الرسول " ص " تتضمن مواقف تربوية وأخلاقية واجتماعية لها من الواقعية والسهولة ما يساعد في فهمها نغزها كما أنها جاءت بأسلوب من الفصاحة والدقة ما جعلها سهلة الحفظ وقد عالج فيها الرسول مشكلات الحياة المختلفة , وقد اعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم في علاجه لهذه المشكلات أساليب عقلية وحجج وبراهين ما ساعد على وصولها نحو الكمال والأمان لما تتضمنه.

ومن المعروف أن الأحاديث النبوية جاءت لتفسير مجمل وتوضيح بعض الآيات القرآنية التي جاءت بصياغة عامة , كما أن الحديث النبوي ما هو إلا ترجمة عملية واقعية لأحكام القرآن وتعاليمه , فهو في عمومه شرح وتحليل للقرآن الكريم.

ماهية الحديث الشريف:

يطلق الحديث في اللغة، على الخبر قليله و كثيره، وعلى كل ما يتحدث به من كلام وخبر؛ ومنه حديث رسول الله ( r )كما يطلق على الجديد من الأشياء، وهو على نقيض القديم؛ لأنه يحدث شيئا فشيئا وجمعه: أحاديث على خلاف القياس، قال الفراء – كما نقل عنه ابن منظور – إن واحد الأحاديث: أحدوثة.

أما الحديث في الاصطلاح فمن الأهمية بمكان، أن نبين أن الحديث ينقسم – في الاصطلاح – إلى قسمين:

علم الحديث الخاص بالدراية: هو علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن؛ ويسمى بعلم أصول الحديث، أو علم مصطلح الحديث أو علوم الحديث، وهو علم يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها، وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم، وأصناف المرويات وما يتعلق بها.

وموضوعه دراية: الراوي والمروي من حيث القبول والرد، وإنما كان هذا موضوعه؛ لأنه يبحث في العوارض الذاتية للراوي والمروي، كقول العلماء: الحديث الصحيح يستدل به، والحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال؛ ويفيدنا هذا العلم في معرفة الصحيح من غيره، وما يقبل وما يرد من الأحاديث.

أنواع علوم مصطلح الحديث دراية:

من أنواع علوم الحديث دراية ما يلي:

علم معرفة الصحابة: ويهتم بالتعرف على حياة أصحاب الرسول ( r )ولهذا العلم ثمرته العظيمة وهي: معرفة المتصل والمرسل من الحديث، وقد ألفت في معرفة الصحابة كتب مرتبة على الحروف أو القبائل أو غير ذلك.

·     علم رجال الحديث: ويهتم بتاريخ الرواة؛ من حيث: مولدهم، ووفاتهم، وموطنهم، ورحلاتهم، وشيوخهم وتلاميذهم؛ ليتبين من ذلك اتصال الإسناد أو عدم اتصاله. وأول من عرف عنه الاشتغال بذلك: الأمام البخاري، وابن سعد في طبقاته، ومن أشهر المؤلفات في ذلك: ( تهذيب التهذيب )، و: ( تقريب التهذيب )، لابن حجر.

·     علم معرفة الأسماء والكنى والألقاب: ويهتم ببحث معرفة أسماء من أشتهر بكنيته وكنى من أشتهر باسمه أو يكون قد أشتهر بلقبه دون اسمه أو العكس، ومعرفته مهمة حتى إذا ذكر الراوي مرة باسمه ومرة بكنيته، لا يظنهما من لا معرفة له أنهما رجلان، وربما ذكر بهما معا، فقد يتوهنا رجلين وممن كتب فيه: ابن المديني ومسلم النسائي، والإمام أحمد بن حنبل كتاب الأسماء والكنى، وكتاب أبى بشر محمد بن أحمد، وللإمام البخاري كتاب: الكنى.

·     علم نقد الحديث أو علم الجرح والتعديل: ويهتم بوضع كل راو في درجة معينة من حيث: العدالة والضبط، وتكلم فيه كثيرون من عهد الصحابة إلى المتأخرين من العلماء؛ ومن الصحابة  ابن عباس 568و وعبادة بن الصامت ومن التابعين: سعيد بن المسيب 562، والشعبي 104هـ، وابتدأ التأليف فيه في القرن الثالث الهجري، وكان من أوائل الذين ألفوا في هذا العلم: يحيى بن معين 233هـ وأحمد بن حنبل 241هـ ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، . والبخاري ومسلم وأبو داود السجستاني، والنسائي، ومن الكتب المؤلفة فيه: كتاب الضعفاء للإمام البخاري، كما ألف فيه: ابن حاتم  327هـ، ابن الصلاح 642، وابن تيمية 728هـ والعراقي 806هـ وابن حجر 852هـ.

·               وعلم التخريج: ويهتم بعزو الحديث إلى موضعه من المصادر الأصلية المعتبرة في الحديث.

·     وعلم دراسة الأسانيد والحكم على الحديث: ويهتم بتطبيق القواعد والضوابط والموازين؛ ليحكم على الحديث بالصحة أو بالحسن أو الضعف.

·     وعلم مختلف الحديث: ويهتم برفع التناقض فيما ظاهره أتناقض بين الأحاديث. وأول من تكلم فيه الإمام الشافعي 204هـ صنف كتابه المعروف بـ ( اختلاف الحديث )، وفى القرن الثالث ألف ابن قتيبة الينوى ت 276هـ وسمى كتابه: ( تأويل مختلف الحديث )، كما ألف

·     وعلم شرح الحديث تحليليا أو موضوعيا: ويهتم بشرح المفردات واستنباط الأحكام أو يجمع أحاديث الموضوع الواحد وشرحها.

·     وعلم مناهج المحدثين: ويهتم ببيان منهج كله؛ ومن التابعين: سعيد بن المسيب 62، والشعبي 104هـ مؤلف حديثي وما يحتويه كل كتاب من الموضوعات.

ب: علم الحديث الخاص بالرواية:

تتفق معظم تعريفات المحدثين والعلماء له – مع بعض الاختلافات اليسيرة بالزيادة والنقصان – على أنه يشمل على نقل ما أضيف إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – من أقوال وأفعال وتقريرات وصفات، وروايتها وتحرير ألفاظها.

فالقول: كقوله ( r )في الحديث الذي  رواه أبى هريرة – رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( لا يلدغ المؤمن من الحجر مرتين ) – رواه البخاري: ك (الأدب )، بـ ( لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين ) وغيره من الأحاديث القولية: والفعل: كتعليمه ( r ) كيفية الصلاة، والحج، والعمرة.. . وغيرها من أعماله الشريفة، والإقرار: كإقراره صلى الله عليه وسلم – لما فعله بعض أصحابه – رضى الله عنهم – من قول أو فعل؛ سواء أكان ذلك في حضرته – صلى الله عليه وسلم – أم في غيبته ثم بلغه ذلك؛ ولم ينكره.

ولكي يكون هذا التعريف مكتملا فإنه ينبغي الإشارة هنا؛ إلى أن الحديث قد يكون نبويا: - وهو ما سبق بيانه – وقد يكون قدسيا: وهو المنسوب إلى الله عز وجل – ويكون معناه من عند الله تعالى – ولفظه من عند رسول الله ( r )وقد جمع منها صاحب الإتحافات السنية ثمانمائة وستين حديثا، وقال كما نقل عنه المصحح: " إنه قصارى ما وجده، وإن التتبع والاستقصاء يقصى أكثر من ذلك؛ وبالتالي فإنها ليست بكثيرة بالمقارنة بالأحاديث النبوية.

هذا ويختلف الحديث القدسي عن الحديث النبوي: في أن الأول مقطوع بنزول معناه من عند – الله تعالى – لما ورد من النص الشرعي على نسبته إلى الله تعالى – بقوله الرسول – صلى الله عليه وسلم – كذا؛ فلذا سمى قدسيا وأما الحديث النبوي فلم يرد فيه مثل هذا النص ح إذ أن منه ما هو " توقيفي " مستنبط بالاجتهاد والرأي من كلام الله –  تعالى – والتأمل في حقائق الكون وهذا ليس كلام الله- تعالى – ومنها ما هو " توقيفى " جاء في الوحي إلى الرسول  ( r )فبينه للناس بكلامه، وهذا القسم وإن كان مرجعه إلى الله – تعالى – الملهم والمعلم ألا أنه كان من قول الرسول ( r )ووضعه، كان حريا أن ينسب إليه ويطلق على القسمين حديثا؛ وقوفا عند الحد المقطوع كما أن الأحاديث القدسية تختلف عن القرآن الكريم: فمع إنها من كلام الله – تعالى – إلا أنها ليس لها خصائص القرآن الكريم؛ حيث إنه نقل إلينا بطريقا التواتر بلفظه ومعناه كما أن متعبد بتلاوته، ويحرم على المحدث مسه وعلى الجنب تلاوته ن والجملة منه تسمى آية، ولا تجوز روايته بالمعنى، وهو بجميع آياته وسوره نزل به جبريل الأمين – عليه السلام – على قلب النبي ( r )أما الأحاديث القدسية فليس لها شيء من تلك الخصائص والمزايا، وهى أحاديث تروى عن طريق آحاد عن ربه – عز وجل – وهى خاضعة لقواعد القبول والرد، وأدرجها المحدثون في عداد الأحاديث وخلطوها بها في المؤلفات والتصنيفات، وأجمعوا على أنها غير معجزة بألفاظها ولا متعبد بتلاوتها، ولا تسمى باسم القرآن الكريم، وأنه يجوز روايتها بالمعنى للعارف بالمعاني والألفاظ.

ولقد أطلق النبي – صلى الله عليه وسلم – على ما صدر عنه حديثا فعن أبى هريرة – رضى الله عنه – أنه قال: قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –" لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث )، رواه البخاري: ك(العلم ) ب(الحرص على الحديث ).

ولعل من الأهمية بمكان؛ التنبيه إلى ما أوضحه الإمام ابن تيمية – رحمه الله – من أن الحديث النبوي عند الإطلاق ينصرف إلى ما حدث به عنه – صلى الله عليه وسلم – بعد النبوة من قوله وفعله وإقراره وأن كتب الحديث هي ما كان بعد النبوة خاصة، وإن كانت فيها أمور حدثت قبل النبوة؛ فإن تلك لا تذكر لتؤخذ وتشرع فعله قبل النبوة؛ ولهذا كان عندهم من ترك الجمعة والجماعة وتخلى في الغبران والجبال؛ حيث لا جمعة ولا جماعة وزعم أنه يقتدي بالنبي – صلى الله عليه وسلم – لكونه كان متحنثا في غار حراء، في ترك الشرع من العبادات التي أمر الله – تعالى – بها رسوله – صلى الله عليه وسلم- كان مخطئا فإن النبي – صلى عليه وسلم – بعد أن أكرمه الله تعالى بالنبوة لم يكن يفعل ما فعل قبل ذلك من التحنث في غار حراء ونحو ذلك، كما لم يفعل أصحابه رضى الله عنهم – شيئا من ذلك ل لقد أجمع المسلمون: على أن الذي  فرض على عباده الإيمان به والعمل، وهو ما جاء بعد النبوة؛ وعليه فإن يغلب أن يستدل بما حدث به عنه – صلى الله عليه وسلم – بعد في الدين والتشريع، وأما ما حدث به عنه – صلى الله عليه وسلم – قبل النبوة؛ فإنه يستدل به على أحواله التي تنفع في دلائل النبوة كثيرا؛ ولهذا تذكر في سيرته ومغازيه؛ حيث يذكر فيها كثير من أحواله.

ويتصل بالمفهوم السابق للحديث الشريف – اصطلاحا – مفهوم آخر ألا وهو مفهوم السنة في الاصطلاح؛ حيث أنهما يطلقان بمعنى واحد؛ فلقد اتفق أكثر المحدثون على أنهما مترادفان، يدل أحدهما على ما يدل عليه الآخر؛ حيث إن السنة في اللغة: الطريقة، وفى الاصطلاح: تطلق على ما يطلق عليه لفظ الحديث؛ وبالتالي فهي تشمل ما أضيف إلى النبي ( r )قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة؛ بيد أن الحديث أعم من السنة من حيث المفهوم؛ إذ أنه يزيد عن السنة في تناوله لكل ما صدر عنه – صلى الله عليه وسلم – حتى ولو كان منسوخا ليس عليه العمل، كما أن أخبار الجاهلية المروية في كتب الحديث تدخل في مسمى الحديث ولا يطلق عليها مسمى السنة، كذلك الأحاديث المنسوخة، كحديث: ( الوضوء مما مست النار، ولو كان من ثور أقط )؛ فالسنة ليست على هذا بل على ترك الوضوء مما مست النار؛ ففي الحديث: ( كان آخر الأمرين من رسول الله، ترك الوضوء مما مست النار )، - رواه البخاري – والواقع أن أحاديثه ( r )مؤيدة لأعماله، وأعماله مؤيدة لسنته وأقواله، والحديث كما هو معلوم أساس السنة.

كما يتصل بالمفهوم السابق للحديث والسنة في الاصطلاح – مصطلحات أخرى مثل: الخبر، والأثر، وخلاصة القول فيهما: أنهما متقاربان في المفهوم السابق للحديث والسنة – في الاصطلاح – حيث إن الخبر ما يضاف إلى الصحابي أو التابعي؛ وبالتالي فإنه أعم من الحديث؛ لأنه يطلق على المرفوع والموقوف؛ فكل حديث خبر ولا عكس؛ لأن الحديث على هذا التفسير خاص بالمرفوع إلى النبي ( r )ولا يراد به الوقوف إلا بقرينة؛ أما الأثر فهو مرادف للخبر، ومذهب الجمهور: التساوي بين الخبر والحديث؛ فيعمان ما أضيف إلى النبي ( r )أو الصحابة والتابعين. وسوف نقتصر على استخدام مسمى الحديث الشريف؛ وذلك لما سبق بيانه من تسمية الرسول ( r )لما صدر عنه بالحديث؛ ولأن هذا هو مسمى هذه المادة في كل المراحل التعليمية – بالأزهر أو بالتعليم العام في مادة التربية الدينية الإسلامية، وأما إذا ورد مسمى: ( السنة )؛ فإننا نعنى به نفس المسمى السابق، الذي  اختارتاه وهو الحديث الشريف.

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 505 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,674,235