تنمية الأداء التدريسى لمعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها ، وأثره على أداء دارسيهم اللغوى :
تعُد اللغة من أهم وسائل اتصال الإنسان بغيره من بني جنسه، ومن أهم أدوات التعبير عن ذاته ، ومشاعره، وهي المظهر الحضاري للمجتمع ، و المقوم الأساسي من مقومات ذاتيته ، وهي الوعاء الثقافي والحضاري للبشرية، ومن ثم كانت عنصًرا أساسيًا وهامًا في إتمام عملية التعليم والتعلم .
وقد صارت اللغة العربية تجوب جميع الدول والاقطار ، الجامعات والمدارس فى الدول التى لاتتحدثها كلغة أم ، فصارت فى كثير من الدول تعلم كلغة ثانية ؛ وذلك لما لها من أهمية بالغة على المستوى الدينى ، الثقافى ، السياسى ، والاقتصادى ، وغيرها .
تلك اللغة التى حملت روح الأمّة العربيّة، وعبّرت وما زالت تعبِّر عن حضارة هذه الأمة ومبادئها وقيمها وآدابها وعلومها في شتّى الأزمان واختلاف المواقع. (عبدالقادر الرّباعي ، 2001م ، ص 30) .
فقد أقبل المسلمون من شتى مناطق هذا البلد على دراسة اللغة إقبالا عظيما ، فأتقنوها واتخذوها لغة علم وأدب ، لغة تأليف وإدارة ، ووسيلة لكتابة لغاتهم المحلية ، فقد كانت العربية هي اللغة الرسمية التي كان يتم بها مراسلات ملوك البلاد وأمراؤها وكتابة معاهداتهم، حتى الوثنيين منهم كما تشهد بذلك مراسلات بكر جلاس من زعماء منطقة سين في القرن التاسع عشر الميلادي. وهذا الوضع للغة العربية في البلاد ألجأ الإدارة الاستعمارية إلى استخدامها في المراسلات وتحرير المواثيق والمنشورات.
واللغة العربية الآن صارت من أهم لغات العالم ، يعيش أهلها على مساحة كبيرة من الأرض ، فصار تعلمها ضرورة حتمية لكل من يمت بصلة للشعوب العربية حاضرا وتاريخا ، لكل من أراد أن يتعلم مبادئ الاسلام ، فلا صلاة ولا قراءة للقرآن إلا باللغة العربية ، وكذلك لكل من أراد أن يتعامل اقتصاديا أو عسكريا أو سياسيا أو اجتماعيا ، حتى الترفيه والسياحة والرياضة ، العالم اليوم أصبح قرية واحدة ، والعرب يحتلون موقعا فيه ، كل ذلك جعل اللغة العربية تنتشر عبر العالم وتجوب أقطاره .
وفي العصر الحاضر، توسع نطاق اللغة العربية وآدابها في ربوع الهند عندما انتشرت شبكة المدارس الإسلامية بما فيها دار العلوم يوبند، ودار العلوم ندوة العلماء لكناؤ وغيرها من المدارس العربية والإسلامية. لقد اهتمت هذه المدارس اهتماما كبيرا في تعلم اللغة العربية والعلوم الإسلامية. ثم بدأت الجامعات الهندية تهتم بتدريس اللغة العربية بما فيها الجامعة الملية الإسلامية وجمعة على كراه الإسلامية، والجامعة العثمانية ، وجامعة جواهر لال نهرو وجامعة دلهي وما إلى ذلك من جامعات أخرى فلعبت هذه كل منها ولا تزال تلعب دورا ملموسا في تطوير اللغة العربية وآدابها في الهند
https://www. madarisweb. com/ar/articles.
ولهذا فإن كل الامم تهتم الأمم بلغتها الأم اهتمامًا كبيرًا ؛ لأن اللغة في أية أمة من هذه الأمم تؤدي وظائف متعددة ومهمة للأفراد والجماعات على حد سواء ، فبها يتفاهم الفرد مع بني جنسه ويقضي حاجته وينقل مشاعره وأحاسيسه إلى الآخرين وعن طريقها تحفظ الأمة تراثها وتتناقله من جيل إلى آخر وتنقله إلى الأمم الأخرى ، وتتعرف تراث تلك الأمم وحضاراتها.
ولإدراك الأمم لأهمية اللغة الأم في التقدم والتطور في ميادين الحياة المختلفة فقد اعتنيت بلغاتها الأم ، ووفرت لها الإمكانيات اللازمة لتطوير تعليمها وتحسين وسائله وأساليبه، وحظي معلم اللغة الأم في هذه الأمم بقسط وافر من العناية حيث بذلت الأمم جهودا متتالية لرفع قدراته وتطوير برامج إعداده بما يتلاءم والتقدم والتطور التقني في هذا العصر.
أما واقع الأمة العربية عامة يشهد تراجعًا ظاهرًا في اكتساب المعرفة ما فتئ يتعمَّق بمرور الأيام، وإن الجهود المبذولة في تدارك هذا النقص لا تسلم من مواطن الضعف ومكامن الخلل، وهي تعتمد أساسًا على الاستيراد التكنولوجي الجاهز أو في صور تراخيص أو تعاون مشروط ، كما تعرف غياب التخطيط والتصور السليم والتدعيم المادي الوافر، بالإضافة إلى ضعف تثمين الجهد الفكري وإهمال مجالات وتخصُّصات معينة .
( عبدالناصر بوعلي ، 2019 )https://www. alukah. net/literature_language
ومن ناحية أخرى تجد أن هناك قصور فى الإعداد التكنولوجى لمعلمى اللغة العربية للناطقين بغيرها ، حيث أن موقف معلِّمينا من استخدام تكنولوجيا المعلومات في مجال التعليم فما زال مشوباً. فيرى بعضهم فيه منافساً خطيراً، وبعضهم الآخر غير موقن بفاعليتها؛ إما بسبب الثقافة التربويّة السائدة وإما لنقص التدريب، وإمّا لعدم توافر المعدّات والبرامج. وقد ترسّخت لدى معظم المعلِّمين العرب عادة التدريس بالتلقين، وعدم تنويع مصادر المادّة التعليميّة. ويحتاج علاج ذلك إلى تضافر جهود التأهيل، وتصميم المناهج، وأساليب التقويم والامتحانات، ولا يمكن للمعلِّم العربي أن يتقن مهمّة التعلّم باستخدام تكنولوجيا المعلومات في جميع المناهج في كليّات التربية من السنة الأولى.
كذلك فإن إنتاج برمجيّات تعليم اللّغة العربيّة ما زالت قاصرة كمّاً وكيفاً، ويميل معظمها إلى اتّباع أنماط التعليم التقليدية، كالأسئلة متعدّدة الخيارات وملء الفراغات وما شابه. إنّنا بحاجة إلى برامج تعليم ذكيّة، تستخدم أساليب الذكاء الاصطناعي القائمة على نظم معالجة اللّغة العربيّة آلياً: الَصْرف الآلي، الإعراب الآلي، التشكيل الآلي، نظم التلخيص والفهرسة الآلية وما شابه ذلك (نبيل علي ، د. ت ، ص262) .
ومن هنا شاع أن اللغة العربية من أصعب اللغات ، وأغربها ، فقد كتب ( محمد سرحان ) يقول :اللغة العربية بشكلها الحالي معقدة، و تعقيداتها تجعلها صعبة جداً حتى على متحدثي "نظائرها" من اللغات المحلية. أنا شخصياً يمكنني التحدث بنص عربي "فصيح" مرتجل بحيث ألتزم بقواعد النحو و الصرف، ذلك لأنني أقرأ الكثير من المطبوعات و أستمع للبرامج الإذاعية، و مع الاعتياد أمكنني إجادة التحدث بالعربية. كل هذا لا فائدة منه، فلا أحد سيتحدث معي بهذه اللغة ، تخيلوا وجود شخص أوروبي يتحدث اللاتينية اليوم...
https://io. hsoub. com/culture/810017
وبالتالى كثرت الدعوات بصعوبة تعلم اللغة العربية من بعض الفئات الناطقة بغير اللغة العربية ، وما يهم هنا – رغم خطأ هذه الدعوات – أن الدارسين هم الذين يدفعون الثمن ، فقد قيل ، إن صعوبة التعامل مع اللغة العربية يظهر بوضوح عند طلابنا العرب في إسرائيل، ويمكن فحصه وقياسه من خلال تعاملهم اليومي مع بعضهم البعض عبر الرسائل المكتوبة التي يتراسلون بها بوسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة. حيث أن معظمها يكتب بأحرف عبرية لكن مضمون الرسالة يكون بالعربية.
وقد أعلن المشاركون في المؤتمر الدولي السنوي الأول للمجلس الدولي للغة العربية المنعقد في بيروت عام 2012 م ، أن اللغة العربية في خطر، وأنه يجب حماية اللغة العربية، وتعريب الحياة الفكرية والثقافية في العالم العربي، وقد أجمعت نتائج البحوث وأوراق العمل المقدمة للمؤتمر، البالغة 256 بحثًا – على أن اللغة العربية تواجه أزمة كبيرة مزمنة وخطيرة، وأن هذه الأزمة تزداد حدةً وتفاقمًا مع الزمن تحت تأثير متغيرات الحداثة والعولمة، والتطور الفكري، والتطورات العلمية والرقمية المتفجرة في مختلف أنحاء المعمورة .
(علي وطفة ، 2014م ، ص 113 ) .
بالإضافة لذلك فإن واقع تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ، يشوبه ويعتريه الكتير من أوجه النقص والتقصير ، بما فى ذلك قضية إعداد معلمها ، والذى يعتبر سببا أولياً فى هذه المشكلة ، فمن الدنمارك ، أوضح الخبير التربوي د. محمد مطلق، رئيس بيت الضاد لتطوير طرق تعليم العربية في إسكندنافيا، بأن التقصير في تعليم العربية لأبناء المسلمين في المهجر ناتج عن بضعة عوامل وصفها بالمثلث الآتي .
والملاحظ أنه يضع فى مقدمتها معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها :
1- المعلم : فتعليم العربية لأهلها يختلف عن تعليمها لغير أهلها، فأهل اللغة يكتسبونها في صغرهم ثم يذهبون إلى المدرسة لتعلم القراءة والكتابة، أما العجم فهم لا يكتسبون اللغة العربية في صغرهم بل يتعلمونها بعناصرها ومهاراتها في الفصول التعليمية، وهذا بدوره يحتم علينا تقديم المعلم المؤهل والمؤطر تربوياً وأكاديمياً في مجال تعليم العربية لغير الناطقين بها كي نحصل على مخرجات تعليمية مرضية، وإذا دققت النظر في طريقة معظم المعلمين المكلفين بتعليم العربية لغير أهلها في البلاد غير العربية تجد أنه بعيد كل البعد عن أساليب وطرائق تعليم العربية لغير أهلها، وأنه يعلّم العربية كما تعلمها من معلمه، أو يعلمها بطريقة النحو والترجمة بأسلوب ممل ومتعب، وهذا الأمر يجعل الطلبة راغبين عن العربية وتعلمها.
يعد التعليم بصفة عامة من ركائز نهضة الأمم، وعملية تطوير التعليم وإصلاح مساره عملية مستمرة يسعى إليها العالم كله، وتعكف على دراستها المنظمات والهيئات الدولية فى محاولات جادة لإيجاد صيغ جديدة متطورة للتعليم تعود بالخير والرخاء على البشرية.
وعملية إعداد المعلم وتطوير أدائه التدريسي الأساس المتين في عملية التطوير التربوي بما يتناسب مع الأدوار الجديدة التي فرضت نفسها على المعلم، فلم يعد المعلم ناقلاً للمعرفة ومصدرها الوحيد بل صار عالما ًومفكرا ًومبدعا ًومجدداً ( رانية صاصيلا ، 2005 م ، ص46).
كما أن المعلم يمثل محور الارتكاز فى تحقيق الأهداف التربوية، وعلى عاتقه تقع مسئولية تحويل الأفكار والرؤى التجديدية التى يطرحها القائمون على النظام التعليمى، إلى نواتج تعليمية تتمثل فى صورة معارف ومهارات واتجاهات تظهر فى سلوك التلام ( ناجى نخلة ، 2008م ، ص20 ).
ومع الاتساع اللامحدود للمعرفة ، وتنامي المعلومات ، والتقدم المطرد في وسائل التعليم والتعلم والاتصال يواجه التعليم عددا من التحديات التي يجب عليه مواجهتها ، والبحث عن الأسلوب الأمثل للتصدي لها ، يأتي في طليعتها : الانفجار المعرفي الرهيب الذي يلاحقه التكدس المماثل للفصول ، يتم ذلك التغير السريع اللاهث لحقائق العلم ، فما نُمْسِي على معرفته كجديد نُصِْبحُ على سِواهُ أحدث . . . . الأمرُ – إذن – يحتاجُ تغيرا حقيقيّا لكل نظم العطاء والتلقي تعليمًا وتعلمًا ، مناهجَ وأدوات ، معطياتٍ ومفردات ، تلميذًا ومعلمًا . ( إسماعيل الدريدي ، 2000م ، ص 23)
كما أكدت منظمة اليونسكو على اِعتبار "اِعداد المعلم " مسألة اِستراتيجية لمواجهة أزمة التعليم في عالمنا المعاصر ؛ وذلك لأن الأبنية المدرسية والتجهيزات والمرافق والكتب والوسائل التعليمة، على أهميتها وآثارها المختلفة في العمل التربوي، تبقى محدودة الفائدة، إذا لم يتوافر المعلم الكفء.
كذلك أكدت اللجنة الدولية للتربية القرن الحادى والعشرين، في تقريرها الذي قدمته لليونسكو، على الدور المركزي للمعلمين، إذ أن التربية الجيدة تتطلب معلمين جيدين، كما اِختار المؤتمر العام لليونسكو في دورته السابعة والعشرين1993_ موضوع " تعزيز دور المتعلمين في عالم متغير " ليناقش في المؤتمر الدولي في دورته الخامسة والأربعين المنعقد في جنيف عام 1996وذلك بهدف السعي لرفع كفاية المعلمين بحيث تتلاءم مع متطلبات العصر. ومع أدوارهم الجديدة في العالم المتغير( محمود الناقة ، 1996 م ، ص 19) .
وحيث إن المعلم هو الأساس الرصين في صرح العملية التعليمية فإن معلم اللغة العربية- باعتباره الركيزة الأساسية في الميدان التعليمي- قد حظي بمزيد من الاهتمام لأنه يُعَلِّمُ اللغة التي بها يتم تعليم المواد الدراسية الأخرى ومن أجل تطوير قدراته ورفع كفاءاته العلمية والمهنية اهتمت الدول العربية بفتح مؤسسات متخصصة لإعداده ، ثم اتبعت ذلك بدراسة برامج إعداده وتطويرها وتحسينها بما يواكب متطلبات العصر ويساير الاتجاهات المعاصرة في مجال إعداد المعلمين .
قد شغل العالم كله بهذه الظاهرة ، وسرعة حركتها وانتشارها بأساليب التقنية المختلفة بين الدول أفرادا ومؤسسات ومرافق حية ، في محاولة لمواجهة هذه الموجة الجديدة . . وتطويع ما يمكن الانتفاع به منها بصورة تتوافق مع نسيج الثقافة وهوية المجتمع
وتتفق جميع الآراء على أن نجاح المؤسسة التربوية في عصر المعلومات يتوقف ــ بالدرجة الأولى ــ على نجاحها في إحداث النقلة النوعية في إعداد المعلم ، وإعادة تأهيله ، وكسر حاجز الرهبة لديه في التعامل مع التكنولوجيا ، حتى يتأهلَ للتعامل مع أجيال الصغار التي رسخت لديها عادة التعامل مع هذه التكنولوجيا( نبيل علي ، 2001 م ، ص 338 : 339) .
والمعلم المستقبلي أو المعلم في القرن الحادي والعشرين لابد وأن يكون قادرًا على ممارسة الأدوار والمهام الجديدة الملقاة على عاتقه ، ومنها : دور الخبير أو المستشار التعليمي والموجه للطلاب ، ودور المشرف والمرشد ، ودور الباحث والمحلل العلمي ، ودور المختص التكنولوجي ، والمتمرس بمادته التعليمية ، ودور المساعد القادر على إحداث التغييرات والتطور الإيجابي ، ودور المجدد الذي يساعدُ تلاميذهُ على الإبداع والابتكار ودور المواكبِ لتطورات العصر ( يوسف عبد الله، 1985م ، ص 21 ) .
وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أهمية إعادة النظر فى برامج إعداد وتدريب المعلم بصفة عامة ، وذلك قبل وأثناء العمل ؛ تماشيا مع الأدوار والمتغيرات الحديثة ، ومن ذلك
ولأن مجال اللغة العربية للناطقين بغيرها من أحدث المجالات في العقدين الأخيرن، وبدأ الإقبال عليه يتزايد من الباحثين والمتخصصين والدارسين، وأعتقد جازماً أن ما وضع في هذا المجال حتى اللحظة لا يحقق الحد الأدني من متطلبات الراغبين فيه على المستويين النظري والتطبيقي.
وكل الامم تهتم الأمم بلغتها الأم اهتمامًا كبيرًا ؛ لأن اللغة في أية أمة من هذه الأمم تؤدي وظائف متعددة ومهمة للأفراد والجماعات على حد سواء ، فبها يتفاهم الفرد مع بني جنسه ويقضي حاجته وينقل مشاعره وأحاسيسه إلى الآخرين وعن طريقها تحفظ الأمة تراثها وتتناقله من جيل إلى آخر وتنقله إلى الأمم الأخرى ، وتتعرف تراث تلك الأمم وحضاراتها.
فقد أقبل المسلمون من شتى مناطق هذا البلد على دراسة اللغة إقبالا عظيما فأتقنوها واتخذوها لغة علم وأدب، لغة تأليف وإدارة، ووسيلة لكتابة لغاتهم المحلية، فقد كانت العربية هي اللغة الرسمية التي كان يتم بها مراسلات ملوك البلاد وأمراؤها وكتابة معاهداتهم، حتى الوثنيين منهم كما تشهد بذلك مراسلات بكر جلاس من زعماء منطقة سين في القرن التاسع عشر الميلادي. وهذا الوضع للغة العربية في البلاد ألجأ الإدارة الاستعمارية إلى استخدامها في المراسلات وتحرير المواثيق والمنشورات. ( Voir Ndiaye Mamadou1985 p. 10
ساحة النقاش