عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

وغــــــــاب رفــــيـق العـــمر(<!--)

(الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن خُميِّس رحمه الله)

 

هنيئاً له قد طاب حيا وميتا
<!--

 

فما كان مُحتاجاً لتطييب أكفاني
<!--

      الإنسان الصالح المستقيم المتمسك بكتاب الله وبهدي سيد المرسلين نبينا محمد إذا اختاره المولى إلى جواره هنأهُ محبوه وأقرانه، ودعوا له بطيب الإقامة في جدثه إلى أن يبعث الله جميع الخلائق يوم يجازى بما كسب، وإن طال حزنهم الشديد على فراقه وبعده عنهم.

     فها هو الشيخ الإمام الفاضل عبد الله بن إبراهيم بن خُميِّس قد أسلم روحه إلى بارئها في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الأحد 12/11/1427هـ على إثر حادث سير مؤلم عند مشارف محافظة حريملاء ـ تغمده الله بواسع رحمته ـ ويقال أنه بعد أن أمّ المصلين في صلاة فجر هذا اليوم الأحد بمسجده جامع الملك خالد بحي الشرفية بالرياض، وبعد أن صلى ركعتي الإشراق به اتجه صوب حريملاء قاصداً مزرعته الحبيبة إلى قلبه ليأنس بسقيها من مياه السّد الذي اعتاد فرع وزارة المياه على فتح بعض عباراته لريّ النخيل والمزارع، ولكن شَعُوباً حال بينه وبين استمتاعه بتلك الغروس والفسائل وهي تمتص من رضاب المزن التي تدفقت في حوض ـ نهر حريملاء ـ .

    ولقد نشأ في طاعة الله منذ نعومة أظفاره، أذكر جيداً أنه قد دخل مسجد محلتنا بحريملاء بعد طلوع الشمس وعمره لا يتجاوز الثانية عشر يريد صلاة الإشراق فقلت مستكثراً ومتعجباً ذلك منه: تصلي في مثل هذا الوقت !!، فقال: نعم، ألقاها عند الله . واستمر في التقرب إلى الله بعبادته والإكثار من النوافل، وفعل الخير ضارعاً للمولى أن يجعله في زمرة الصالحين والآمنين يوم لقائه فقد لقيه ـ رحمه الله ـ.

     وقد ولد في حريملاء وترعرع بين أحضان والديه، ثم درس في الكتّاب على يدي والده المُقرئ الشيخ إبراهيم بن محمد بن خُميِّس، وبعد أن تم كتاب الله حفظاً وقراءة أنضم إلى حلقة تلقي مبادئ في العلم لدى قاضي البلد فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعد بجامع حريملاء فحفظ بعض المتون: من كتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية، وكشف الشبهات، والآجرومية في النحو، ومتن الرحبية في علم الفرائض، وقد فاق أقرانه في علم الفرائض وقسمة المواريث..، كما أنه يستفيد من والدنا الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف ـ رحمه الله ـ في بعض المسائل، وفي علم التجويد وتلاوة القران عليه.

     ثم خلف والده بعد وفاته في تحفيظ القرآن الكريم وكتابته على الألواح الخشبية، وكان لي شرف أن درست عنده في هذه المدرسة فترة وجيزة ولم يمنع تقارب السن بيننا ـ رحم الله الجميع رحمة واسعة ـ

     وعند افتتاح أول مدرسة ابتدائية بحريملاء عام 1369هـ أنضم إليها هو وتلامذته جمعاً، ومُيّز عليهم بقبوله في الصف الرابع تقديراً له ولعلمه، ولم يلبث طويلاً أن رحل إلى الرياض، وسكن معنا في أحد البيوت التي خصصها جلالة الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ لطلاب العلم لدى الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية وأخيه الشيخ عبد اللطيف، ثم التحق بالمعهد العلمي عند افتتاحه عام1371هـ بعد ذلك تعين بوزارة الدفاع وظل بها مدة، ثم انتقل إلى الرئاسة العامة لتعليم البنات بطلب منها مديراً عاماً للمستودعات لما يتمتع به من أمانة وإخلاص حتى أنهى مدة الخدمة النظامية حميدة أيامه، وظل إماماً للمصلين سنين طويلة في مسجد والدة الأمير منصور بن سعود ـ رحمهما الله ـ الواقع غربي شارع العطايف بالرياض حتى جاء شق وتنفيذ طريق الملك فهد المقدر عرضه مائة متر تقريباً، فشملته التوسعة، فأخذ ـ رحمه الله ـ يُطالب الجهات المختصة مدة دامت ربع قرن مُلحاً في طلب صرف التعويض لمكان المسجد وبناء مسجد بدلاً من السابق حتى حصل على أكثر من مليوني ريال، وفعلا بُني المسجد بناءً حديثاً على جانب طريق الخدمة، ويا حبذا لوعملت البلدية مشكورة منفذا ومدخلا مع الرصيف لسيارات المصلين، وقطع قليل من الأشجار الحائلة لرؤية المسجد لكان جميلاً ومفيداً لمن يقصد الصلاة به.

    كما مكث إماماً لمسجد الملك خالد بحي الشرفية كما أسلفنا حتى فجر اليوم الذي لاقى ربه فيه فجملة إمامته واحد وخمسون عاماً ـ غفر الله له ـ ، وكأني بأبنائه وبمن أعتاد الصلاة في ذلك المسجد حينما يدخله ماداً نظره نحو محرابه متحسراً على غيابه الأبدي، ومتذكراً أحاديث الوعظ والإرشادات التي يتفوه بها ـ أبو إبراهيم ـ وذكرياته مع جماعة المسجد ولسان حال كل واحد في تلك اللحظات يردد في نفسه هذا البيت:

يَعزُّ علي حين أدير عيني  
<!--

 

أُفتش في مكانك لا أراكَ
<!--

كان الله في عونهم. ولقد عرف عنه التقى وطيب المعشر، ولين الجانب مع الصغير والكبير، والإخلاص في العمل وكأن الشاعر يعنيه بهذين البيتين:

وجه عليه من الحـياء سكينةٌ  
<!--

 

ومحبة تجري مع الأنفاسِ
<!--

وإذا أحــــب الله يومــــــاً عبده 
<!--

 

ألقى عليه محــبة في الناسِ
<!--

    وكان لنبأ وفاته المفاجئ وقع مؤلم ومحزن في نفوس أبنائه وأسرته وجميع مُحبيه، ولقد اكتظ جامع الملك خالد بأم الحمام بجموع غفيرة رجالاً ونساءً تضرعوا بالدعاء له بأن يتغمده المولى بواسع رحمته ورضوانه، وأن يفسح له في قبره وينور له فيه، ثم حمل على الأكتاف نحو مرقده في مقبرة أم الحمام والحزن بادٍ على محيا الجميع وعندما هموا بإنزاله في اللحد وإخفائه عن ناظريَ لم أتمالك فيضَ دموع حرَى جالت فتدفقت من محاجر عيني أسفاً على فراق حبيب قلبي:

فلست بمالكٍ عبرات عينٍ  
<!--

 

أبت بدموعها إلا انهما لا  !!
<!--

  وطار بي الخيال في تلك اللحظة المحزنة متصوراً أيامنا الأُول أيام الطفولة والمرح معه، ومع لداتنا وأترابنا في تلك المراتع مراتع الطفولة والصبا حيث كُنا نقضي معظم سحابة يومنا في الكتّاب لحفظ كلام الله وكتابته في الألواح لتعذر وجود الأوراق في تلك الحقبة  البعيدة.

    وكلما أمر بتلك الأزقة الضيقة، ومسارب السيول مسرح لهونا ومجال حركاتنا في مزاولة ألعابنا، أو الاستماع إلى بعض القصص والأحاجي ليلاً ممن يكبرنا فإن ذلك يشدنا إلى استحضار واستذكار تلك الأيام والليالي الجميلة، ولكنها الأيام وإن منحت سرورا تجمع وتفرق، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:

لكل اجتماع من خليلين فرقة
<!--

 

ولو بينهم قد طاب عيش ومشرب
<!--

   ولأن غاب شخصك عنا أبا إبراهيم فإن محبتك وذكرياتنا الجميلة معك لا تغيب عن خواطرنا ابد الليالي:

يواجهني في كل وقت خياله  
<!--

 

كما كنت ألقاه قديماً ويلقاني
<!--

غفر الله لك أيها الأخ الحبيب وأسكنك عالي الجنان وألهم أبنائك وشقيقك الشيخ عبد الرحمن وأم إبراهيم وجميع أسرتك ومحبيك الصبر والسلوان.

                       (إنا لله وإنا إليه راجعون).

 

رحمك الله أبا عبدالعزيز(<!--)

(الدكتور/ حمد بن إبراهيم السلوم رحمه الله)

 

فإن تكن الأيام فرقن بيننا
<!--

 

فكل امرئ يوم إلى الله صائر
<!--

نعم هي الأيام كما ترى من سره زمن ساءته أزمان تجمع وتفرق، وتفرح ويعقب أفراحها أحزان، فكأنها في تعاقبها حالت سِجال. فالإنسان في هذا الوجود مهما عاش في أُبهةٍ ورغد من العيش، وتربع على مناصب عاليه ومراكز مرموقة، وصال وجال في مشارق الأرض ومغاربها، ومتع ناظريه من آفاق هذا الكون العريض، واستمتع بأطايب الحياة وملذاتها بين أسرته ورفاق عمرة...، إلا أن نهايته أن يضطجع في لحد من الأرض وحيدا من الخلان بل ومن اقرب الناس إلى نفسه وقلبه, أمثال الزميل الحبيب الدكتور/ حمد بن إبراهيم السلوم الذي ودَع الحياة الفانية ورحل عنا إلى العالم الباقي على اثر مرض عضال لم يمهله طويلا، ولم يعطي فسحة من العمر، تاركا في نفوس محبيه وأفراد أسرته سحابة حزن كثيفة الطبقات غطت سماء منزله ومنازلهم حزناً طويلا فقد تأثرت كثيرا لرحيله المفاجئ العاجل ...، فهو زميل فصلٍ وفيَ وصديق ودٍَ جمعتنا به الدراسة في أم المدارس ـ آنذاك ـ دار التوحيد بالطائف عامي 71-1372هـ ولكنها الأقدار.

كفى حزنا أن التباعد بينا
<!--

 

وقد جمعتنا والأحبة دارُ !
<!--

  أي منذ أكثر من نصف قرن وقلوبنا متآلفة, والتواصل بيننا مستمر، وقد انطوت تلك السنون مسرعةَ، فما احلى ساعات العمر مع الأقران والأحبة:

خمسون عاما قد تولت كأنها
<!--

 

حُلومٌ تقضت أو بروقٌ خواطفُ
<!--

حيث عشنا في أحضان الدَار وفي تلك الربوع الجميلة نقضي جل أوقاتنا في استذكار دروسنا وما يتخلل ذلك من ساعات مرح ولهو بريء لتجدد النشاط، ولتخفيف وحشة الغربة عنا هناك...، فاستمر التواصل بيننا طيلة العقود والسنين المتعاقبة حتى وافاه الأجل المحتوم فجر يوم السبت 22/1/1428هـ بعد عودته من إحدى مصحات الولايات المتحدة  حيث اَلمَحَ الأطباء بأن جسمه الطاهر لا يستجيب لكل العلاجات فعاد متحسرا، وكانت زوجته الوفية أم بدر أبت إلا مرافقته وملازمته في تلك الرحلة العلاجية نائية المحل النهائية مُحاوله تسليته والتهدئة من روعه من المرض الطارئ الذي أفزعه وأنهى حياته، فكانت تقوم بتمريضه مُخفيةً ما بداخلها من توقعات للفراق المحتوم ولوعاته ..، ـ من غير تقصير من زوجته الكبرى أم عبدالعزيز متعها الله بصحة والعافية ـ التي عاشت معه ذروة شبابه، فكلهن مشفقات عليه، ومشغولات بآلامه وما يعانيه من مضاعفات وأمراضٍ عدة، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:

وأرى المنايا إن رأت بك "عِلَةً"
<!--

 

جعلتكَ مَرمى نبلها المتواتر!
<!--

ووصف الشاعر الآخر حالهن وهن يولولن حرقةً وألما على فراقه حيث يقول:

فكل قرينة لابد يوما
<!--

 

سَيشعبُ إلفها عنها شعُوب!
<!--

فهو رجل حبا الله رحابة الصدر وطيب المعشر ولين الجانب، والإخلاص في أداء الأعمال المنوطة به، وتصريفها بسهولة ومرونة، هو شخص محنََك تربوي تربع على عدد من المناصب العالية بكل ثقة وجداره ..، ولقد تلقى تعليمة في المرحلة الابتدائية بالمدرسة العزيزية بالطائف حيث تخرج منها عام 1370هـ، ثم التحق بدار التوحيد حتى نال الشهادة الثانوية بها عام 1375هـ فواصل الدراسة بكلية الشريعة بمكة المكرمة إلى أن منح الشهادة العالية عام 1379هـ ، ثم عيد مديراً لمتوسطة ضرما عام 1380هـ ـ مهوى رأسه ـ بعد ذلك انتقل مدير لمعهد المعلمين بالرياض عام 1383هـ، ونقل مدير لثانوية اليمامة العملاقة، ثم ابتعث إلى بريطانيا وحصل على درجة الماجستير بتفوق، بعد ذلك سافر إلى الولايات المتحدة وعاد منها حاملا درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف، ثم عين مديراً للتعليم بمنطقة الرياض فترة من الزمن ...، فاختير وكيلا بوزارة المعارف لشؤون الطلبة آنذاك، وفي أواخر عام 1406هـ عُين رئيساً للملحقية الثقافية السعودية بالولايات المتحد الأمريكية أكبر دول العالم...، ومكث هناك حوالي عشرة أعوام رئيسا محترما ومحبوبا لدى الجميع، وقد كُرم وودع في حفل كبير بمقر الملحق الثقافي بواشنطن عندما هم بالعودة...، مع الترحيب بخلفه الدكتور مزيد بن إبراهيم المزيد الذي كان ملحقا ثقافيا بكندا، ثم غادر الولايات المتحدة متأسفا على فراق زملائه ورفاقه فرحا بالعودة إلى الوطن صَوب عمله الجديد مديراً عاماً لمعهد الإدارة العامة بالرياض، فهو يقفز من قمة إلى قمة حاملا بين جوانحه أجمل الذكريات وأحلاها فترت عمله مع زملائه موظفي الملحقية وأبنائه الطلبة المبتعثين، وما شاهد في تلك الأصقاع النائية عن بلاده من مظاهر الحياة الحضارية ومناظرها الطبيعية وأنماط من البشر هناك يستمتعُ باستذكارها في خلواته ..، واستمر في عمله حتى أنهى مشواره الوظيفي التربوي. وقد طبع على التواضع ودماثة الخلق، وحسن التعامل مع موظفيه وأبنائه الطلبة، فهو خير معين إلى أولئك يسهل أمورهم ويُذلل الصعاب التي قد تعترضهم، وهو دائم على اتصال بالمراكز والمكاتب الفرعية التابعة له في كل من واشنطن دي سي وهيوستن، وكاليفورنيا، ودنفر، وشيكاغو، ليطمئن على حسن السير بها، وأحيانا يقوم بالزيارة لها وأن بعدت مسافة مثل ولاية كاليفورنيا، حاثا الطلبة المبتعثين على التحلي بالأخلاق العالية، وعلى حفظ الوقت وحسن التعامل والسلوك الأمثل مع الغير، فهم سفراء بلادهم، وليعودوا حاملين مشعل المعرفة والتفوق العلمي لخدمة وطنهم الذي ينتظرهم...، كما انه يبذل جاهه لدى المسئولين في طلب تحقيق رغبات من يطلب شفاعته من غير الأضرار بمصلحة الآخرين، وهكذا انهى عمله المشرف تاركا ورائه سمعة حسنة وعمرا ثانياً معطرا بالثناء تٌردده الأجيال من بعدة، ولي معه ـ رحمه الله ـ بعض الذكريات وأحلى أيام العمر بالطائف، وبالرحلات الداخلية والخارجية: رحلات الكويت والعراق وإيران عام 1383هـ برفقة الزميل الحبيب إلى قلوبنا الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله العبدان ـ زميل الدراسة بدار التوحيد ـ وما يتخلل تلك الرحلات من مواقف طريفة ومشاهدات لمناظر جميله تُؤنس الأبصار في تلك الديار والبقاع، وكان كثير الحضور للمؤتمرات الدولية في عدد من أنحاء العالم:

أطل على كل الآفاق حتى 
<!--

 

كأن الأرض في عينيه دار!
<!--

وظل التواصل والترابط بيني وبينهما حتى فصلته عنا يد المنون بالأمس القريب ـ كما أسلفنا ـ ولازلت مُحتفظا ببعض رسائله الخطية منذ عام 1380هـ ، ومن الطريف أنه كان يَحْتجُ على استمرار مُهاتفتي للزميل عبدالرحمن العبدان وإيقاظه في شهر رمضان لتناول طعام السحور، ثم الصلاة جماعة وقت إقامته منتدباً بالطائف ...، فانتهزت فرصة وجود الدكتور حمد ـ رحمه الله ـ بالولايات المتحدة في أشهر رمضان الماضيات زمن عمله ملحقا ثقافيا، فأخذت اتصل عليه قُبيل الفجر عدة مرات لإيقاظه لتناول طعام السحور هناك ..، ثم هاتفته مُباركا بحلول عيد الفطر المبارك، ومٌداعبا: أصحيك بَعد لِلسََت...؟ فالمداعبة الخفيفة مع الإخوة والأحبة تشع في النفوس البهجة والمسرات، ومن اهتماماته بي انه حينما علم بوجودي لدى نجلي الأكبر محمد بولاية إنديانا (إيفانزفيل) في أواخر عام 1406هـ اتصل وعرض علي زيارته في مقر عمله الجديد (بواشنطن) قائلا: التذكرة مدفوعة الثمن يا أبا محمد ترغيبا منه وتأكيدا في قبول دعوته الكريمة ـ غفر الله له ـ فمحبته دائمة يُجددها مر الليالي، واذكر جيدا أنه كان يقضي معظم أوقاته معنا بالقسم الداخلي: مهجع الطلبة المغتربين بدار التوحيد عامي 71/1372هـ لاستذكار بعض الدروس معنا ولأجل الاستئناس بالزملاء والأصدقاء رغم بٌعد سكن والديه في شرق مدينة الطائف الواقع على الشارع العام, وعلى مقربة من بيت (عرب) الشهير، بل إنه أحيانا يدعونا مع بعض الزملاء لتناول طعام العشاء أو الغداء في منزل والديه، فكله كرم ولطف ـ رحمه الله ـ فذكره الطيب وسيرته الحميدة والذكريات الجميلة معه ومع بعض الزملاء الذين غَيبهم هادم اللذات ومفرق الجماعات لا تبرح خاطري مدى العمر، وفي الآونة الأخيرة من هذا العام ومن الأعوام التي قبله رحل الكثير من الزملاء والأحبة، وقد ترك رحيلهم في نفوسنا بالغ الأثر والحزن الطويل:

فلم أر مثلهُمُ هلكوا جميعاً
<!--

 

ولم أر مثل هذا العام عاماً!
<!--

ولئن غالته يد المنون وأبعدته عنا بُعداً أبدياً فإن محبته مُقيمة في مُضمر النفس:

ختمت على ودادك في ضميري
<!--

 

وليس يزال مختوماً هناكا
<!--

رحمك الله أبا عبدالعزيز ونور مرقدك، والهم ذويك وأبنائك، وزوجاتك ومحبيك الصبر والسلوان.

(إنا لله وإنا إليه لراجعون).


عبد الله الشقيحي إلى دار الخلود(<!--)
<!--

الإنسان في هذه الحياة يعيش على طول الأمل، وقد يستبعد مرور شعوب عليه وقت ذهابه ومجيئه على هذا الكوكب الأرضي، وإنْ كان يعلم جيداً أنّ الرحيل لكلِّ حيٍّ لا مناص منه أبداً، ولكنها الآمال..! ومن نِعَم الله على عباده إخفاء الآجال في ضمير الغيب، قال الله في محكم كتابه العزيز: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (34) سورة لقمان.

ويقول الشاعر:

أعلل النفس بالآمال أرقبها       
<!--

 

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
<!--

   ففي صباح يوم السبت 2-5-1428هـ انسلت روح الصديق زميل العمل الأخ الحبيب/عبد الله بن عبد الرحمن الشقيحي إلى بارئها، بعد معاناة طويلة مع المرض الذي كان يعاوده بين حين وآخر إلى أن أنهك قواه كلّها..، ولقد خيَّم الحزن على منزله وعلى منازل إخوته وأحبّته، لما عُرِف عنه من استقامة، وحسن تعامل مع زملائه ومحيطه الأُسري، بل وجميع معارفه.

ولقد ترعرع وتربّى بين أحضان والديه في بيت كرام، بيت كان يقصده الكثير ممن يمرُّ عبر حريملاء صوب مدينة الرياض من البلدان المجاورة وغيرها..، ومن قوافل البوادي، وذلك قبل توفُّر المواصلات الحديثة .. وشق الطرق، ولا سيما في العقود الفارطة، وكانت وسائل التنقُّل آنذاك بواسطة الحيوانات من الجمال وغيرها من الدواب .. بل الأكثر من أولئك سيراً على الأقدام، لما يجده من إكرام وإعلاف لمواشيهم ومطاياهم، وهذا شأن الموسرين من أهالي حريملاء وأمثالهم من أبناء هذا الوطن الذين يأنسون بقراء الضيف حسب إمكانياتهم المادية، بل إنّ البعض منهم يؤثر الضيف على أُسرته وأطفاله، رجاء المثوبة من المولى وطيب الذِّكر..، كما أنّ أُسرة آل شقيحي تتمتع بسمعة طيبة، وبمكانة عالية لدى ولاة الأمر، ولا سيما الرجل الشهم عبد العزيز بن إبراهيم الشقيحي الذي كان يحظى بثقة الملك عبد العزيز ـ طيَّب الله ثراه ـ وتكليفه بمهمات ومناصب عالية في كثير من جوانب المملكة، لما يتمتع به من حنكة وشجاعة وكرم .. كان آخرها أميراً في منطقة نجران بأمر الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ، وحتى أبناء الملك عبد العزيز حفظوا له مكانته حتى توفّاه الله، وهذا الوفاء من مكارم الأُسرة المالكة في تكريم أُسر مَنْ كان لآبائهم تضحيةٌ ودورٌ فاعلٌ في خدمة الوطن وأهله. ولقد عمل معنا أبو عبد الرحمن ـ رحمه الله ـ أكثر من عشرين عاماً أثناء عملي مديراً لمتوسطة وثانوية حريملاء، حيث تم تعيينه كاتباً في أواخر القرن الماضي في 27- 10-1397هـ، واستمر في عمله حتى توقَّفت نبضات قلبه صباح يوم السبت 2-5- 1428هـ كما أسلفنا ذكره آنفاً ..، وكان مخلصاً ومواظباً في أداء عمله وطيب المعشر لدى الجميع، كما أنّه يقوم بقضاء بعض حوائج الأرامل والأيتام بل وجميع من يحتاج إليه من زملاء وغيرهم من الرياض وخارجها بدون مقابل، فهو يمتاز بالصراحة والصدق في التعامل مع الناس عموماً - تغمَّده الله بواسع رحمته - ولقد أمضى تلك السنين حميدة أيامه معنا ومع زملائه ورفاق عمره في أجواء جميلة تحفُّها أجنحة الود والوئام، والتعاون التام، وما يتخلّلها من رحلات في مواسم الربيع والأمسيات المقمرة في كثير من المناسبات.

فما أحسن الأيام إلا أنها   
<!--

 

يا صاحبي إذا مضت لا تعود
<!--

كما أنّه ندي الكف هو وأخوه الأكبر الأستاذ محمد، حيث ينتهزان مواسم الفواكه وجذاذ النخيل فينفحان أصدقاءهما بإهدائهم من تلك المحاصيل والثمار، ولا ينسيان بيوت الفقراء والمساكين بإمدادهم في كلِّ المناسبات - رحم الله الراحلين وأسعد الأحياء - فسمعتهم معطرة بالثناء دائماً، وكان لرحيل أبي عبد الرحمن المفاجئ وقعٌ موجعٌ ومؤلمٌ في نفوس أبنائه وأُسرته ومحبِّيه، ولا سيما أم عبد الرحمن التي حزنت على فراق الفها ورفيق عمرها، وكأنّ الشاعر يعنيها بهذا البيت المؤثر:

فكل قرينة لا بد يوماً  
<!--

 

سيشعب الفها عنها شعوب!
<!--

وعزاؤنا فيه سير أبنائه على نهجه وسيرته الحميدة .. غفر الله لك أبا عبد الرحمن وأسكنك عالي الجنان، وإنّا على فراقك لمحزونون، وألهم ذويك وأبناءك ومحبيك وأم عبد الرحمن الصبر والسلوان.

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الأحد 19 ذوالقعدة 1427هـ، الموافق 10 ديسمبر 2006م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الثلاثاء، 25/1/1428هـ ، الموافق 13 فبراير 2007م.

(<!--) تشرت في صحيفة الجزيرة ، يوم الأثنين 11 جمادى الأول 1428هـ، الموافق 28 مايو 2007م.

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 247 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,356