عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

     في هجعة وسكون من ليلة الأربعاء السابع من شهر شوال لعام ثمانية عشر وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية لوح وأومأ شعوب بأن أيام وساعات عمر ابنة العم طرفة بنت محمد الخريف قد انتهت من عالم الأحياء، وبالرحيل إلى الآخرة بجوار باريها وخالقها ومع إيماننا الجازم الذي لا ريب فيه أن الموت حق وهو نهاية كل حي إلا أنه ما أقسى لحظات الوداع وأمرها وخاصة الوداع الأبدي..

        وها قد رحلت حميدة السجايا ندية الأكف وبطون الراحي، وغابت من كانت تلتمس حوائج المساكين واليتامى وفعل الخيرات وبناء المساجد وشتى أوجه البر بصمت واحتساب ورجاء المثوبة من المولى تعالى.

        نشأت رحمها الله يتيمة الأبوين منذ فجر حياتها حيث توفي والدها ووالدتها وعمرها لا يتجاوز السنتين، فتربت في بيت جدتها لأمها، ثم درست القرآن الكريم عند موضي بنت حمد بن محمد، وبعدما ختمت القرآن، وقرأت مبادئ العلوم الدينية على زوجها الشيخ إبراهيم الحرقان، بدأت في تدريس القرآن للفتيات عام 1362هـ، حيث جلست لتدريسه في جانب من بيت زوجها بحريملاء وكان عدد الطالبات آنذاك في حلقتها لا ينقص عن أربعين طالبة، واستمرت في التدريس حتى عام 1375هـ حيث انتقلت إلى الرياض وفتحت مدرسة في بيتها ودرست لمدة ثلاث سنوات إلى عام 1380هـ حيث فتحت المدارس الحكومية للبنات، وفي أثناء عملها رغبة في الحصول على مؤهل علمي، فاجتازت الاختبار وحصلت على الشهادة الابتدائية عام 1381هـ وهكذا تكون هذه المدرسة قد ساهمت في التعليم القديم والحديث، فقد درست سبعة عشر عاماً في مدرستها الخاصة، ودرست في المدارس الحكومية سبعة وعشرين عاماً وقد وصفها مشكوراً الدكتور عبدالعزيز بن عبد الرحمن الثنيان وكيل وزارة المعارف في تقديمه لكتاب ( عن التعليم في حريملاء قديماً وحديثاً) تأليف الأستاذ إبراهيم بن عبد العزيز السليم بأنها عصامية تستحق المثوبة والأجر من المولى، وقد تخرج على يدها عشرات الأفواج والمجيدات لتلاوته كل ذلك كان تطوعاً منها بدون مقابل.

        وكنت أنا وإخوتي منذ صغرنا قريبين من قلبها حباً وعطفاً فهي دائماً تخصنا بما يفرحنا ويسرنا من هدايا ومزايا خاصة، كما تتحفنا بأشياء محببة لدينا قد لا نحظى بها في بيتنا ولا غيره من البيوت الأخرى، وقد حباها المولى عفة النفس والزهد عما في أيدي الناس، ولم يشغلها فعل الخير ورعاية المحتاجين عن تربية أولادها، فلقد اعتنت بتوجيههم وتربيتهم التربية الصالحة، وتعويدهم على احترام الغير وفعل الخير ولقد أنجبت أربعة من الأولاد ابنين هما: عبد العزيز وحمد، وبنتين هما: نورة وجواهر وحظيت بالتقدير والاحترام لدى زميلاتها، والحب والإجلال من تلميذاتها لما تتحلى به من كريم السجايا والأخلاق الفاضلة حتى أنهت الخدمة التعليـمـيـة تاركة آثاراً طيبة وذكـرى حـسـنة.

        هكذا كانت حياتها – رحمها الله – مليئة بالخير وحب المساكين والإحسان للفقراء والمسابقة في فعل الخيرات، لقد نالت بمشيئة الله الخيرية التي بشّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (( خيركم من تعلم القـرآن وعلمه )) .

        ولما كانت لها هذه المنزلة الكريمة، فقد صار حقها علينا أن نشيد بمآثرها رحمها الله.. إذ تركت من نفسها القدوة لبني جنسها من بنات هذه البلاد المباركة في صلاحها وحبها للخير وتمسكها بكتاب ربها، فرحمك الله يا أم عبدالعزيز رحمة واسعة وأسبغ عليك شآبيب رحمته وغفرانه وألهم ذويك ومحبيك الصبر والسـلوان..

{ إنا لله وإنا إليه راجعـون }


وغاب حبيب القلب(<!--)

(الشيخ/عبدالرحمن بن عبدالله بن ناصر العمراني رحمه الله)

 

 

كأن لم نعش يوماً "بأكناف حرملا
<!--

 

بأرض بها أنشا شبيبتنا الدهرُ
<!--

بلى إن هذا الدهر فرق بيننا
<!--

 

وأي جميع لايفرقه الدهر
<!--

ما أكثر أحزان الدنيا وأمضّها على القلوب، فمعظمها يطول مكثه بين الجوانح وحنايا الصدور، وكل ما توالت الأسباب زاد تراكمها على النفس مما يصعب تحملها ونسيانها أو تناسيها، بل وحتى محاولة تخفيف ثقلها!، فمن عاش في هذه الحياة لا بد أن يتعاقب عليه حلوها ومرها، بل وصفوها وكدرها، وهكذا  طبع الليالي والأيام، فالسعيد من تصفو له الحياة، ولكن كيف يدوم صفاؤها وحلوها وهادم اللذات موكل برحيل كل كائن حي في هذا الوجود، وأصعب ذلك وأكثره إيلاما فقد ورحيل من غيابه يحزن ويحز في النفوس ألما ولوعة، ففي يوم 24/2/1419هـ انتقل إلى رحمة الله الأخ الفاضل الذي اتصف بالكرم وبالصدق في جميع أعماله وتعامله مع الغير، إنه ابن الخالة/عبدالرحمن بن عبدالله بن ناصر العمراني، الذي رحل عنا إلى دار البقاء بعد معاناة طويلة مع كثير من الأمراض المزمنة الزمته البقاء بالمنزل مدة طويلة، والذهاب إلى المستشفى بين حين وآخر إلى أن أتاه يومه الموعود ليخلو مكانه الذي كان يحفل بالزوار والأضياف، وسكن بعد ذلك باطن الأرض وحيدا بعيدا عن محبيه إلى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق من أجداثهم، وقد أحدث رحيله فجوة واسعة في محيطه الأسري، وبين محبيه لكونه محباً للبذل بسخاء للمحتاجين، وبصلة الأرحام والأقارب وبإكرام الضيوف كرما حاتميا وقد عرف عنه ذلك ...، بل والوفاء مع جميع من يتعامل معه، ولقد قضى معظم حياته موظفا بصحبة القضاة والعلماء، حيث عمل في المحكمة الكبرى بالرياض مدة طويلة، ثم انتقل إلى المجلس الأعلى للقضاء حتى أنهى الخدمة النظامية، وكان نشطا في إنجاز الأعمال المنوطة به لا يؤخر عمله إلى غد، لذا كانت له مكانة عالية وسمعة معطرة بالثناء والذكر الحسن لدى مرؤوسيه وعارفيه، ومن أبرز صفاته إخلاص العبادة لله والصدق والكرم وحب إدخال السرور على المساكين، وإفراح الأطفال بما يقدمه من يده الندية من عطايا تفرحهم، كما لا ننسى بره وصلته المتواصلة بوالدتنا ـ خالته ـ رحمهما الله رحمة واسعة. أذكر جيدا أنه كلما يزورنا للسلام عليها يقبل رأسها ويقدم لها هدايا من الطيب ـ العود ـ الفاخر زكي الرائحة حينما يوضع بالمدخنة، وأحيانا بعض النقود فإذا اعتذرت لعدم حاجتها قال: تصدقي بها وأجرها لكِ، حقا إن هذا هو صادق البر والوفاء، بل إنها إذا مرضت يعطي الأخوات نقودا بسخاء ليتصدقن عنها لشدة حبه لوالدتنا أخذاً بـحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (داووا مرضاكم بالصدقة) كما لا ننسى تفضله بأخذنا للعمرة بصحبة والدته خالتنا ووالدتي وبعض الأخوات مع قيامه بمصروفاتنا بمكة المكرمة حتى الإياب إلى الرياض ـ أكثر الله من أمثال هذا الابن البار وضاعف أجره يوم الحساب ـ كما أنه يعد من الرجال المخلصين والمتفانين في حب حريملاء مهوى رأسه ورؤوس آبائه، فقد كان عضوا بارزا في اللجنة الأهلية التي قد تأسست منذ أكثر من أربعين عاما لتطوير مدينة حريملاء حيث تحقق الكثير من مطالبهم على أيديهم بإلحاحهم على المسؤلين .. بل البعض منهم قد قابل جلالة الملك فيصل ـ تغمده الله بواسع رحمته ـ فالأخ عبدالرحمن في طليعتهم أثناء المطالبة بتوصيل الطريق إلى صوب حريملاء، وحينما بالغوا في المطالبة ملحين بالإسراع في تنفيذه أجابهم بكل تواضع ـ رحمه الله ـ وهو مكترب ..، وممسك بطرف ـ مشلحه ـ قائلا يا أبنائي لو أن أحد طالبني بهذا البشت شرعا لذهبت معه، فهذا راجع للمهندسين ومساحي الطرق وهذا بلا شك يدل على تواضع ولاة أمورنا، وحرصهم على تحقيق مطالب المواطنين وتطوير بلدانهم .. وجعلها في مصاف المدن الحضارية .. ، وماهي إلا سنوات قلائل حتى وصل الطريق إلى حريملاء قبل كثير من البلدان ..، وكان الشاعر قد أملا هذا البيت على أعضاء اللجنة الأهلية حيث يقول:

أخلق بذى الصبر أن يحضى بحاجته 
<!--

 

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
<!--

فقد حضيت مدينة حريملاء مبكرا بتحقيق وجود جميع الدوائر والمصالح الحكومية فأصبحت مضرب المثل في نشاط أهلها .. رغم صغر حجمها ـ آنذاك ـ فمن أبرز مشاريعها افتتاح أول مدرسة إبتدائية عام 1369هـ ، ومعهد للمعلمين للمرحلة الابتدائية عام 1379هـ لسد حاجة إقليم الشعيب من المدرسين وما حوله من البلدان في تلك الحقبة الزمنية، كما تحقق وجود مستشفى عام منذ عقود..، فمحافظة حريملاء كاملة التشكيل في ظل حكومتنا السنية، وبتكاتف اللجنة الأهلية المستمر في المطالبة بتطوير المحافظة، ولي مع الشيخ عبدالرحمن ذكريات جميلة منذ الصغر لا يتطرق لها النسيان أبد العمر فقد كنت أنا والصديق محمد بن عبدالعزيز المشعل نحضر مع أمهاتنا في أواخر كل أسبوع تقريبا لزيارة خالاتنا في نخلهم المسمى ـ  بالجزيع ـ فنجدها فرصة للتجول في نواحي نخيلهم فرحين مرحين نلعب مع أطفالهم بنين وبُنيات، ونتسلق بعض فسائل النخيل ونأكل من رطبها في مواسمه، مع ما نزاوله من مطاردة صغار الأغنام والأبقار والدواجن، فنجد في ذلك متعة ورياضة نفسية وجسمانية:

(زمن) صحبة به الشبيبة والصبا

 

ولبست ثوب اللهو وهو جديد
<!--

وكان عبدالرحمن يكبرنا بأعوام قلائل لكنه لا يشاركنا في المرح واللعب، فعقله عقل كبير يتصف بالرزانة والرجولة مبكراً، وإنما يكتفي بمشاهدتنا في مزاولة تلك الرياضة والابتسامة تعلو محياه ـ رحمه الله ورحم أخوالنا وخالاتنا ـ وكان يحبنا حباً صادقا:

ما ودني أحد إلا بذلت له
<!--

 

صفو المودة مني آخر الأبدِ
<!--

وكنا نزاول صيد بعض الطيور (بالنباطة) وعبدالرحمن بالبندقية (المقمع) التي تستخدم بالبارود مع وضع أحجار صغيرة لاصطياد الطيور مثل: الصفارى والبط والغرانيق والحمام، وغير ذلك من الطيور المهاجرة فقد انتهزت فرصة غفلته وخلو بندقيته من الذخيرة، فما كان مني إلا أن زدت في الكيلة زيادة أكثر من المعتادة أوقعتني في حرج مع عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ حينما ضغط على زناد البندق لاصطياد طير الصفارى فوق نخلة ثارة ورجفته في صدره رجفة قوية آلمته محدثة صوتاً مدوياً...، فما كان منه إلا أن قال: الله يهديك كررها مرتين، فأصبت بالخجل الشديد والندم على سوء عملي لعدم معرفتي لمقياس (الكيلة) ولازال ذاك الموقف باقياً في ذاكرتي ـ تغمده الله بواسع رحمته ـ فذكريات الصغر ذكريات جميلة لاصقة في جوانب النفس مدى الأيام...، وعندما كبرنا كان من سعادتي أن يكون منزلي مجاوراً لمنزل والديه الذي تُنوره خالتنا (منيرة) والدته، الواقع في حي الثميرية غربي شارع العطايف بالرياض، مدة دراستي بكلية اللغة العربية أي من 1375هـ 1378هـ مضت كحلوم أو بروق خواطف، وكان الضيف والزائر يطيب له طرق باب منزلهم لعلمه بفرح من يقصدهم رحم الله الجميع، ولأن غاب عنا شخص (أبو عبد العزيز) فإن أعماله الجليلة وسيرته الحسنه ستبقى في مضمر النفس ذكرى خالدة مدى الأزمان، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأسرته وبنتيه وعقيلته ومحبيه الصبر والسلوان.(إنا لله وإنا إليه راجعون)

كلمة محبة ووفاء(<!--)

(الشيخ/عبد العزيز بن عبد الله بن سحمان و د/ عبد الله ابن
عبد الرحمن الرشيد ـ رحمهم الله)

 

الإنسان كثيراً ما يجد سلوة وتعويضاً عما قد يفتقده من راحة بال بين أهله ومجتمعه حينما يغادر بلده ـ مسقط رأسه ـ مغترباً لكسب معيشة أو لطلب علم مثلاً فيوفقه المولى بصحبة أخيار يأنس بهم ويأنسوا به، ولا سيما زملاء الدراسة وطلاب العلم؛ فصحبتهم أمتع وأطول أمداً، وأعمق صداقة، لأن دُور العلم تحتضنهم جميعاً، وخاصة السكن بالأقسام الداخلية المخصصة للمغتربين الذين بعدوا عن أهليهم، فتسود بينهم المحبة والألفة (وكل غريب للغريب نسيبُ) فيقضوا أيام الدراسة في فرح ومرح، وتمر بهم ساعات العمر مسرعة، ولكنها الأيام لا تخلو من الأكدار مهما صفت.

طبعت على كدر وأنت تُريدها
<!--

 

صفواً من الأقذاء والأكدار
<!--

فهي صهوات ومراكب إلى الآخرة وخُروج نهائي بدون عودة إلى الدنيا، فمن مُتزودٍ بزاد التقوى يقتات به حتى يصل الجسر المعهود للمحطة الكبرى للخلائق، فيعبره برحمة الله إلى دار الخلود، فيقال لهم (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)

ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له
<!--

 

من الله في المقام نصيب
<!--

وفي ليلة الجمعة الموافق 3/11/1419هـ فقدت أسرة آل سحمان رجلاً عزيزاًً عليها وعلى جميع زملائه ومحبيه، فحزنت عليه حزناً شديداً، إنه الشيخ الفاضل عبد العزيز بن عبد الله بن سحمان ـ رحمه الله ـ هو أحد الزملاء الكرام؛ زملاء الدراسة بدار التوحيد بالطائف عام 1371 و1372هـ، وقد كان عوناً لي في استذكار بعض المواد الدراسية بميادين (قروى) غرب مدينة الطائف تحت هاتيك الصخيرات من جبال "أم الآدم" وأحياناً نتفيأ ظل أشجار السدر بالمثناة الواقعة بسفوح جبل وادي (وج) على مقربة من المسجد الأثري المسمى مسجد المدهون، ذو المنارة العالية المحكمة البناء التي ما زالت صامدة أمام عوامل التعرية رغم تقادمها ولم يؤثر فيها هوج الرياح ولا هطول الغوادي.

لم يأخذ الليل منها والنهار
<!--

 

سوى ما يأخذ النمل من أركان ثهلان!
ج

فما أجمل أيام الدراسة بدار التوحيد وأحلى لياليها والدار جامعة لنا؛ فدار التوحيد منار علم وثقافة، ومن أقدم المدارس الثانوية التي أسسها جلالة الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ عام 1364هـ واعتنى بها، وجلب لها خيرة المعلمين من فطاحل علماء الأزهر، ومن بلاد الشام ومن علمائنا. واختار الطائف مقراً لها لاعتدال جوه، ولإبعاد الطلاب عن مشاغل أهلهم بنجد، فآتت ثمارها بتخريج أفواج عديدة من العلماء والأدباء والشعراء وأعداداً من صفوة الرعيل الأول الذين اعتلوا المناصب العالية بأجهزة الدولة ـ أعزها الله ـ ومن الذكريات الجميلة حرص واهتمام مدير الدار ـ آنذاك ـ شيخنا الفاضل عبدالملك طرابلسي ـ رحمه الله ـ عليَ وعلى الزميل عبد العزيز حينما علم برداءة خطنا، وعدم إلمامنا بأبسط قواعد الإملاء ، لأننا لم ندرس بالمدارس الابتدائية بل درسنا لدى المشايخ بالرياض بمحلة دخنة حفظاً وتلقيناً شفوياً!، وكان يأخذنا في حصة الإملاء ويصعد بنا في سطح المدرسة فيملي علينا بعض القطع القصيرة لكي نستطيع مسايرة زملائنا، وهذه اللفتة الأبوية من شيخنا لازلتُ محتفظاً بها محبة له في طوايا نفسي ـ رحمه الله رحمة واسعة.

وكان منزل الزميل عبد العزيز في محلة الشرقية مأوى لنا وللزميل الراحل سعود بن محمد المسعري ـ رحمهما الله ـ وخاصة ليالي الجُمع نقضيها في ضيافته، ونتجاذب فيها أحاديث السمر وأطراف الحديث معاً، ويقدم لنا القهوة والطعام الذي ألفناه في نجد، لأن الإعاشة المخصصة لنا بالقسم الداخلي تخلو من ذلك...

ولقد خفف عنا وطأة ووحشة الغربة وفراق الأهل والبعد عنهم، واستمر هذا التواصل بيننا بعد انتقالنا إلى معهد الرياض العلمي عام 1373هـ، بل وحتى قبيل وفاته..

لقد شب الراحل الكريم في بيت علم وطاعة لله منذُ فجر حياته مواصلاً التقرب إلى ربه، والتحلي بفضائل الأخلاق وسماحة النفس وكرمها، وقضى شطراً من حياته في حقل التربية والتعليم مدرساً في معهد العاصمة وأخيراً في مدارس تحفيظ القرآن الكريم حتى أنهى الخدمة العلمية عام 1410هـ مواصلاً تلاوة كتاب الله العزيز، ويقال أنه يختمه كل ثلاثة أيام أو أربعة  حتى قُبيل وفاته ـ رحمه الله ـ وقد خلف ذرية صالحة وذكراً حسناً.

وإنما المرء حديث بعده
<!--

 

فكن حديثاً حسناً لمن وعى
<!--

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه عالي جناته.

كما أن شعوباً قد أرقد زميلنا الحبيب زميل الدراسة بالمعهد العلمي بالرياض د/ عبد الله بن عبد الرحمن الرشيد بمقابر حي النسيم شرقي الرياض، في يوم الأربعاء الموافق 1/11/1419هـ، وكان لنا معه ذكريات جميلة لا تبرح خاطري، ولقد سكنا متجاورين في محلة حوطة خالد عام 1374هـ، المتاخمة لشارع الوزير من الناحية الغربية، آخر المرحلة الثانوية، نقضي جزءً من الليل في استذكار الدروس مطعمين تلك السويعات بتبادل الطرائف والمداعبات الخفيفة لدفع السآمة والملل، ثم نعود إلى المذاكرة وحفظ ما يلزم من النصوص، ويشترك معنا في المذاكرة بعض الزملاء، أمثال الأستاذ عبد الله المحمد الرشيد، والأستاذ عبد الله المحمد العقل وغيرهما من الزملاء،وهكذا نقضي مراحل الدراسة في التآلف، وحفظ للوقت، وتبادل الهدايا التذكارية التي تصل من أهالينا وظل التواصل مع الزملاء بعد التخرج على فترات متباعد.

فإن كانت الأجساد منا تباعدت
<!--

 

فإن المدى بين القلوب قريب
<!--

ويعتبر الدكتور عبد الله ـ رحمه الله ـ  من رجال التربية والتعليم الأوائل المخلصين، والمعروف بالسماحة، والحنكة، وسهولة أداء العمل لديه كنائب للرئاسة العامة لتعليم البنات ـ سابقاً ـ ولقد أحسن الشاعر محمد السنبسي حيث يقول وكأنه يعنيه:

إذا جئته لم تلق من دون بابه
<!--

 

حِجاباً ولم تدخل عليه بشافع!
<!--

وفراق الأحبة محزن ومؤلم للنفوس:

وكل مصيبات الزمان وجدتها
<!--

 

سوى فرقة الأحباب هنية الخطب
<!--

وتقارب وفاتهما يذكرنا بهذا البيت:

تعز فلا إلفين بالعيش متعا
<!--

 

ولكن لو راد المنون تتبعا
<!--

اسكنها الله فسيح جناته وأنزل عليهما شآبيب رحمته إنه سميع مجيب، والهم ذويهما الصبر والسلوان.

(إنا لله وإنا إليه راجعون)

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) كتبت يوم الأثنين 27 صفر 1419هـ، الموافق 22 يونيه 1998م.

(<!--) نشرت في صحيفة الرياض، يوم الخميس 9 ذو القعدة 1419هـ، الموافق 25 فبراير 1999م.

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 191 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,356