عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

تقديم

بقلم معالي الدكتور

عبد العزيز بن عبد الله الخويطر

 

سعدت كثيراً عندما أطلعني الأخ العزيز الأستاذ عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف بأنه قد جمع كلماته التي كان كتبها رثاءً في بعض من يقدرهم، وشعر بفقده لهم، أو بفقد الوطن لهم، وهو نهج حمدته، وأحمد من أي أحد أن يتبعه، وهذا النهج هو جمع كلمات كتبها صاحبها متناثرة في الصحف في أزمان مختلفة، ولكنه ينظمها عقد واحد في طبيعتها، فهي في الواقع أسرة واحدة، وهي وإن اقتضت طبيعتها أن تبدأ متفرقة، فجمع شملها في شملة واحدة حُسن وجمال، وفائدة ومنفعة.

لطالما دعوت إلى جمع شمل المقالات المتفرقة، وسكبت كل ما في ذهني من وسائل الإقناع، وبدأت بنفسي، فجمعت ما كان مفرقاً، ورتبته، وبوبته، وأعطيت كل قسم اسماً ينفرد به، يعرف به، ويتسم بما فيه من طبيعة، وكان من أول  تنفيذ لهذا النهج هو كتابي "دمعة حرى" جمعت فيه الدموع التي سكبتها حبراً على الورق في يوم من الأيام.

الأخ العزيز الأستاذ عبد العزيز رجل مؤهل علمياً، وقد أنعم الله عليه بعشق الكتاب، والهيام بالمكتبات، ومعارض الكتب، فلا تراه إلا متأبطاً خيراً كثيراً منها، يقرأ كثيراً، ويهدي كثيراً، حتى لا يكاد أحدنا يحلف أن ما يصرفه من مرتبه على بيته هو ما يبقى من ميزانية الكتب، لا يزور أحداً إلا وفي يده كتاب مختار، ولا يسير إلا ومخزن سيارته يئن من ثقل الكتب التي جمعها في رحلة يومية من مكتبة إلى مكتبة.ثقافة أبي محمد ـ حفظه الله ـ تطل عليك فيما يكتب، يتضح هذا في استشهاده، ويتبين في تطعيم أقواله بالحكم والأمثال، وما يشعل من قناديل يبرهن بأقوال السابقين على نحو يريد ـ وقد ارتضاه ـ أن يضعه على عتبة سوق الأفكار.

أبو محمد رجل عرف بحبه للخير، وسعيه في جلب البسمة إلى الشفاه، خاصة في عمله الإداري، المتصل بأشرف مهنة وهي التعليم، والإدارة المتقنة فيه، لقد كان من أبرز رجال التعليم الذين قاموا بأكثر من واجبهم، لأن طبيعته لا تسمح له أن يقف عند المعتاد مما هو متوقع ومطلوب، بل يتعدى هذه الحدود، ويفيض إلى رياض غناء من الخدمة المتقنة. وهذه الروح الخيرة، التي كانت علامتها الابتسامة الدائمة ووسمها حب الخير، وإدخال الفرحة إلى القلوب، هذا ديدنه مع الأحياء الذين أحبهم وأحب لهم الخير، ولم يترك من لقي وجه ربه، بل أتبعه بدمع غزير، كان فيه سلوة لذوي المتوفى، واستمطار للرحمة والمغفرة للفقيد، كان يبادر إلى الرثاء لمن يعز عليه، أو منه فقد كبير للوطن، يبين حسناته ويوضح أعماله، ويعد خصال الخير، ليُري مدى الفقد فيمن فُقد، ومدى الفادحة التي حلت بالأحباب والأصحاب مع الأهل والأقرباء.

كثيرون أولئك الذين رثاهم، لأن الذين أحبهم وأحبوه وفقدهم كثيرون. كان من أول المبادرين بالرثاء، لايفوته الواجب في هذا الأمر، ويشعر القارئ، وهو يقرأ الرثاء بالحرقة المتأججة في صدره، فهو لا يتكلف، وهو صدوق، وليس هناك ما يدعوه إلى الرثاء إلا الشعور العميق بفقد غال. يشعره لحبه الشعر، وتعلقه به، أن الشعر خير ما يعبر عن عمق العاطفة، فهو يستشهد به ليعضد شعوره. هو لا يلجأ إلى الكتب ليقتبس منها، فالشعر من محفوظه، تلحظ هذا في أحاديثه، واستشهاده بالأبيات اللائقة، وحسن اختياره لها، إيماناً ـ كما قلت ـ بأن الشعر أقوى مؤثر وأصدق تعبير في كثير من مواقع طرق باب النفس، وعمق الشعور وضمان التأثير، الكفيل بالحصول على النتيجة المبتغاة والهدف المقصود.

كل مقالة في هذا الكتاب القيم تحتاج إلى وقفة تمعن، وتستحق وقفة تقدير واحترام، فهي ملآ بشعور لايفتر، وإحساس يبقى دافئاً، والرثاء يتوقف على معرفة ما هو مضيء في حياة المرثي، مما يجعل من يقرأ الرثاء ممن لا يعرف المتوفى يتمنى أنه يعرفه، لما يحسه من حرارة الدمع المتحدرة بانتظام على الخدين من جراء حسن التعبير، وسلاسة القول.

هذه باكورة الكتب عند الأخ العزيز أبي محمد، ولكنها ليست باكورته فيما أشاعه من أفكار قيمة ظهرت في الصحف والمجلات وكشفت عن عقل نير، ونبرة حسنة، وعزم صادق، ونرجو أن تجد منه الحنو عليها بجمعها، ولم شمل شتاتها حتى نراها آخذة مكانها الرحب بين أخواتها على رف المكتبة السعودية لتضيء، مع ما هو مضيء، ولتؤرخ لفكر هذه الحقبة، وتاريخ الفكر لا يأتي صادقاً وحقيقياً، وممثلاً للواقع إلا بمثل هذا المجهود من أفراد إذا تعددوا أصبحوا جيش حضارة ينطق عن زمانه بلسان الحق.

ندعو لأبي محمد بالصحة والتوفيق

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

عبد العزيز الخويطر

17/8/1430هـ

 

مقدمة المؤلف

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 154 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,358