الأستاذ عصام بن عبدالله بن خميس إلى رحمة الله (<!--)
فيا أسفي لجسمك كيف يبلى *** ويذهب بعد بهجته سناكا
لقد غاب عن أسرته ومحبيه سمح المحيا طري البشرة مبكرا، قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز في آخر سورة لقمان (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) ولم يدر بخلد الأستاذ الفاضل عصام ابن عبدالله أنه سيموت نائي المحل بعيدا عن أهله ووطنه، وهو يصعد على قدميه سلم ابنة الجو عابرة المحيطات متجها صوب الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج في إحدى مصحات مدينة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا فلم يخطر بباله أنه سيعود إلى منزله محمولا على أكتاف الرجال حيث توفي فجر يوم الثلاثاء 12/3/1432هـ هناك، فكل إنسان في هذا الوجود لا يعلم ما في ضمير الغيب ولا ما الله صانع فيه، فكل ذلك بتدبير العزيز الحكيم جلت قدرته، وقد أديت عليه صلاة الميت بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض بعد صلاة ظهر يوم الأحد الموافق 17/3/1432هـ يتقدمهم أمير منطقة الرياض الوفي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وأمّ المصلين سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وقد اكتظ المسجد بجموع غفيرة من المصلين داعين له بالمغفرة ورحمة الخالق، ثم تبعه عدد كثير من المشيعين إلى مواراة جثمانه في ثرى مقبرة الشعيبة بالدرعية وهذا يدل على علو مكانة الراحل وأسرته – تغمده الله بواسع رحمته – وعند حضوري لتعزية أسرته وإخوته وأبنائه في قصر والده الشيخ عبدالله – شفاه الله – هالني كثرة المعزين رجالا ونساء وقد ضاقت الطرقات والمساحات المحيطة بالقصر لعمق محبة الراحل وأسرته في نفوس من حضر، وقد سبق أن هاتفت الأستاذ عصام قبل رحيله إلى الدار الباقية للاطمئنان على صحته فأفاد أنه بخير رغم ما يكابده من آلام، وأنه سيعود إلى أرض الوطن بعد شهر تقريبا، ولكن شعُوبا لم يمهله، ولقد تأثرت كثيرا وأنا أقرأ كلمة ابنته الأستاذة الأديبة لبنى في تأبين والدها، فقرأتها حرفا حرفا وهي تفيض حزنا ولوعة على سرعة رحيل غاليها، وغيابه عن ناظريها – كان الله في عونها وعون أسرتها - مستحضرا هذا البيت:
فلا تبكين في إثر شيء ندامــــــة *** إذا نزعــــته من يديـــــك النوازع
ولسان حالها تُردد قول الشاعر الأديب محمد بن سليمان الشبل :
يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي *** إلا الأسى في حنايا القلب يستعر!
ولقد ترعرع بين أحضان والديه وبين إخوته ونشأ في بيئة علم وأدب متأثرا بثقافة والده الشيخ عبدالله وبسيرته العطرة مما أكسبته حنكة ورؤية من موارد العلوم العذبة ومصادر الثقافة عموما وواصل دراسته النظامية حتى نال شهادة البكالوريوس في التربية البدنية من جامعة الملك سعود - يرحمه الله - ثم عين معلما في وزارة التربية والتعليم، وأخيرا عين مديرا عاما للنشاط الطلابي بوزارة التربية والتعليم واستمر في أداء عمله بكل جد ونشاط إلى أن توفاه الله تغمده بواسع رحمته، وكان ملازما لوالده في غالب الأوقات وحضور المناسبات داخليا وخارجيا، وكان آخر لقائي بالأستاذ الشهم عصام في حفل تكريم الأخوين الكريمين بامحسون وباحمدان لشيخنا الفاضل والده الشيخ عبدالله بن خميس في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض منذ شهور مضت، فما كان من الشيخ إلا شكر المحتفين به وكان ابنه البار واقفا بجانبه -كعادته - وهو يلقي بعض القصائد أمام جمهور الحضور وإذا توقف ذكره بأول البيت وهكذا استمر وفاؤه لوالده الشيخ. ولقد أجاد القائل المتلمس حيث يقول:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا *** وما علم الإنسان إلا ليعلما
وكان الأستاذ عصام في تلك الليلة ليلة وفاء المحتفين بوالده في كامل صحته ونضارة محياه وثغره الباسم، ولكن ما لبث أن أحس بالمرض الذي لم يمهله طويلا، فتعجل السفر إلى ما أشرت إليه آنفا، فقد أعيا الأطباء كبح جماح ما حل به – رحمه الله وتغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وإخوته وعقيلته -أم عبدالله -وجميع محبيه الصبر والسلوان.
رحم الله الصديق الشيخ حمد بن محمد الداوود (<!--)
أقول وقد فاضت دموعي غزيرة *** أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب!
ما أصعب توالي ضربات الأحزان على مهج الإنسان، وأكثرها إيلاما وتحسرا فقد أحبته من والدين أو أحدهما أو بعض أفراد أسرته بل وسائر أصدقائه ورفاق دربه، وهذه سنة المولى في خلقه حياة وموتا، فبالأمس القريب أي في يوم الجمعة 3/2/1432هـ ودعت محافظة حريملاء الشيخ سعد بن محمد الداوود، وبعد صلاة ظهر يوم الأربعاء 20/3/1432هـ لحق به شقيقه الشيخ حمد بن محمد الداوود – رحمهما الله – وقد خيم الحزن على أجواء محافظة حريملاء وعلى منازل أسرة آل داوود فتضاعف الحزن عليهم وعلى شقيقه ورفيق دربه الشيخ عبدالعزيز خاصة الذي بقي وحيدا بعد رحيلهما يكابد وحشة الفراق والحزن العميق الذي سيظل مكثه طويلا في نفسه وكأن قائلا يحاول تسليته والتهدئة من روعه ومن سورة الفجيعة متمثلا بقول الشاعر:
تعز فلا إلفين بالعيش متعا *** ولكن لوراد المنون تتابعا
ولاشك أن آثار الموت تحفر في شعاب النفوس وفي وديان الذاكرة أخاديد عميقة يتعذر ردمها ومحيها مدى عمر المصاب المفجوع بفقد أغلى قريب له، وقد يخف وقع تلك المصائب عند البعض بتدرج مع تطاول مرور الزمن حسب موقع الراحل ومكانته في النفوس، (كان الله في عون أبنائه وبناته وعون ذاك الشيخ الذي بقي في هذه الحياة منفردا بعد غياب شقيقيه)! ولايملك سوى الصبر وتكرار الترحم عليهما، والاستعداد ليومه الموعود بعد عمر مديد بحول الله، وكأني به يردد في خاطره هذا البيت بكل تحسر وأسى:
تتابع إخوتي ومضوا لأمر *** عليه تتابع القوم الخيار
كما تزامن مع رحيلهما رحيل صهرهم ناصر بن بدر البدر – رحمه الله – والد الشيخ الدكتور بدر. ولقد ولد الشيخ حمد في محافظة حريملاء، وترعرع في أكنافها بين أحضان والديه وإخوته، وعندما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى الكتاب كأمثاله من الصغار لدى المقريء محمد بن عبدالله الحرقان -رحمه الله -، ثم التحق بالمعهد العلمي مواصلا دراسته بكل جد ونشاط حتى حصل على شهادة كلية الشريعة بتفوق عام 1385هـ ، كما نال الشيخ درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء 1395هـ في أثناء عمله معلما بوزارة المعارف
– أنذاك -بإحدى المتوسطات بمدينة الرياض، ثم انتقل الى ثانوية الرياض، ثم عين مشرفا تربويا بإدارة التعليم بمنطقة الرياض إلى أن تقاعد، بعد ذلك عمل في مدارس منارات الرياض مديرا للإشراف التربوي بها إلى أن أقعده المرض، وكان على مستوى من الحنكة والخلق الكريم وحسن التعامل وطيب المعشر والدراية بالأساليب التربوية في جميع المجالات، وكان يرحمه الله بارا بوالديه واصلا رحمه من إخوته ذكورا وإناثا، ومحبوبا لدى مجتمعه الأسري وعارفيه من جيران وغيرهم، وظل هو وأخواه يقضون جل أوقاتهم وفراغهم داخل المسجد يتلون كلام الله ويتناقشون في كثير من المسائل الفقهية والأصولية وسائر الفنون والعلوم الأخرى، ولم أر مثلهم في التعبد وحفظ أوقاتهم بما ينفعهم ويصلح أنجالهم صغارا وكبارا متصفين بالهدوء والاطمئنان النفسي، ولقد أحسن الشاعر ابن هبيرة حاثا على الإستفادة من الوقت قبل ضياعه حيث يقول:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع !
فبيئة أسرة آل داوود بصفة عامة بيئة علم صالحة وثقافة واسعة؛ فاالشيخ حمد -أبو عبدالرحمن-عضد قوي لشقيقه البصير الذي لا يبصر الشيخ سعد دوما، وفي مزاولته التدريس يقرأ عليه في بعض المراجع التي تتعلق بمواد المنهج الدراسي، كما لاينسى اطلاعه على الأخبار اليومية عبر الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى لتزداد معرفته وثقافته عما يدور في الساحة العلمية والأدبية؛ فهو أخ مخلص ولايستغرب منه ولا من يماثله من الأخيار -تغمدهما الله بواسع رحمته - كما أن الشيخ حمد يعتبر عضوا بارزاً في اللجنة الأهلية بحريملاء ومسؤولا عن المتابعات والمطالبات الموجهة إلى الجهات العليا والمصالح الحكومية لأجل تطوير مدينة حريملاء منذ أكثر من أربعين عاما، وقد تحقق الكثير من مطالبات هاتيك اللجنة المباركة، فأصبحت محافظة حريملاء تضاهي المدن الكبرى رغم صغرها، وعلى أي حال فإن - أبو عبدالرحمن - يرحمه الله وجميع أعضاء اللجنة يستحقون الشكر، والدعاء لمن رحل منهم إلى الدار الباقية بالرحمة والمغفرة، وكان لرحيله وغيابه عن أسرته ومحبيه بالغ الحزن ولاسيما -أم عبدالرحمن-التي حزنت على فراق إلفها ورفيق عمرها، وكأن الشاعر يعنيها بقوله:
فكل قرينة لابد يوما *** سيشعب إلفها عنها شعوب !
ولنا مع -أبو عبدالرحمن-وشقيقيه ذكريات جميلة لاتنسى أبد الأيام تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته وشقيقه الشيخ عبدالعزيز وشقيقاته ومحبيه الصبر والسلوان (إنا لله وإنا إليه راجعون).
رحم الله الأستاذ عبدالرحمن العميري (<!--)
مازالت ولا تزال جموع الراحلين تسير إلى أرماسهم ومضاجعهم إلى أن ينفد البشر.
كيف البقاء وباب الموت منفتح *** وليس يغلق حتى ينفد البشر !
فكل يوم نودع فيه غاديا ورائحا من الأحبة ومن رجالات هذا الوطن المخلصين الذين تركوا في نفوسنا ونفوس أحبتهم صافي ودهم وحسن ذكرهم، مع ما نعانيه من وحشة فراقهم وموت خيارهم من أهل وصحب، فحبهم باق لا ينسى أبد الليالي، فبينما كنت أسرح طرفي وأجول به بين صفحات صحيفة الجزيرة الغراء بعد صلاة فجر يوم الثلاثاء 10/4/1432هـ إذ فوجئت بنبأ رحيل أستاذ فاضل قد انقطعت أخباره عنا أزمانا طوالا نظرا لتراكم مشاغل الحياة بين الطرفين وبعد المسافة نسبيا، مع احتفاظي بوده وبذكره الطيب، إنه الأستاذ الكريم/ عبدالرحمن بن عبدالله العميري التميمي الذي ولد بمدينة الدلم وترعرع فيها وفي جنباتها بين أحضان والديه وإخوته وبعد ما قرأ القرآن الكريم وحفظ أجزاء منه انتظم في الدراسة النظامية، ونال الشهادة بمعهد المعلمين بالدلم بتفوق، ويعتبر من الدفعة الأولى، ثم طمحت نفسه فواصل الدراسة بجامعة الملك سعود -يرحمه الله-حتى نال البكالوريوس في الرياضيات والعلوم، ثم عين مدرسا، فمديرا لمدرسة ابن القيم الابتدائية بضواحي الدلم، وظل بها فترة من الزمن ثم انتقل إلى الخرج مديرا لمدرسة ابتدائية بحي الراشدية، واستمر بها حتى تقاعد تاركا أثرا طيبا وذكرا حسنا، وقد سعدت بمعرفته في أثناء حضوري رئيسا للجان الاختبارات -آنذاك -بمبنى مدرسة ابن عباس بالدلم وبمدرسة الهياثم وذلك في أوائل التسعينيات، ويعتبر الأستاذ عبدالرحمن – أبو فهد – من خيرة الأعضاء المخلصين في أداء أعمالهم المنوطة به بكل أمانة وتعاون، وقد عرض علينا تناول طعام العشاء في منزله كما هي عادة أهالي الدلم وما حولها الذين غمرونا بأخلاقهم وبكرمهم الحاتمي، وحينما شاهدت بعض التحف والمقتنيات بمجلسه -يرحمه الله -استهواني منظر قارورة زجاجية بداخلها سلم خشبي أدخل بكل مهارة وإتقان يصعب على الكثير عمل مثله فطلبت منه أخذ صورة لها فما كان منه إلا أن قدمها لي هدية مؤكدا قبولها -ولازلت محتفظا بها ذكرى خالدة -، وعند عودتي إلى حريملاء عرضتها على زملائي بالمدرسة، فأعجبوا بمهارة ودقة وضعه بداخلها، فقال الأستاذ ناصر بن محمد المشعل وكيل المدرسة سأحاول أن أعمل عملا مماثلا لها، وعمل واحدة كانت سببا في فوز مدرستنا في معرض الفنون والأشغال اليدوية المقام بثانوية العارض بالرياض على شرف الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر وزير المعارف – آنذاك – وبحضور مدير التعليم الزميل الراحل الدكتور حمد السلوم – يرحمه الله – فنالت إعجاب الوزير، فقلت الأستاذ ناصر يستحق الجائزة فقال وهو يبتسم هذا ساحر يستحق السجن ! فأبو محمد – متعه الله بالصحة والعافية – سريع البديهة حلو الطرفة. والحقيقة أن الأستاذ عبدالرحمن يعتبر من الرعيل الأول المربين الأفاضل فهو سمح المحيا هادئ الطبع طيب المعشر ومحبوبا لدى زملائه وأبنائه الطلبة:
وجه عليه من الحياء سكينة *** ومحبة تجري مع الأنفاس
وإذا أحـــــب الله يومــــا عبده *** ألقى عليه محبة في الناس
وقد طوح بي الخيال إلى تلك الأيام والليالي التي قضيناها في ربوع الخرج وفي مدينة الدلم وما جاورها بصحبة كوكبة من أولئك الأساتذة، ولفيف من المواطنين الأخيار، وما يتخلل تلك الجلسات والمسامرات الأدبية والشعرية من تبادل الطرائف والنكات الخفيفة على قلوبنا فإنه يحلو ويعذب السمر بحضورهم:
يا حــــبذا أزمُنٌ في ظلهم سلفت *** ما كان أقصرها عمرا وأحلاها
أوقات أنس قضيناها فما ذكرت *** إلا وقطع قلب الصب ذكراها
كما كنا نستمتع بشرب حليب الخلفات عند بعض أصحاب الفلاحة الكرماء أمثال أسرة الهذالا، وعند الأخوين عثمان وعبدالله السماري، فهو مشروبنا المفضل، أكثر الله من أمثال الجميع، ورحم من غابوا عن نواظرنا، وكان الأستاذ الفاضل عبدالرحمن أحد أنجال عثمان السماري إذا استبطأ حضورنا إلى منزلهم يأتي إلينا ليلا في مدرسة ابن عباس ليسمر معنا ويؤنسنا ببعض الطرائف والقصص مصطحبا معه إناء مملوءا من حليب الخلفات، ويقال إن الأستاذ الراحل عبدالرحمن العميري بعد ما تقاعد عن عمله المشرف أخلد إلى الراحة، وأخذ يقضي معظم أوقاته في البراري وفي نواحي الدلم وضواحيها ليستمتع بالهواء الطلق في أجواء نظيفة، وفي مواسم هجرة الطيور يستمتع باقتناص ما يحلو له صيده من هاتيك الأسراب الهاربة من جحيم مواسم أجوائها واستمر حتى أقعده المرض إلى أن توفاه الله يوم الإثنين الموافق 9/4/1432هـ وأديت عليه الصلاة بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 10/4 بجامع الباز بالدلم، تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وإخوته وعقيلتيه ومحبيه الصبر والسلوان.
الشيخ عبدالله بن شلاش الشلاش (<!--)
قال الله تعالى (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون) الأية 34 من سورة الأعراف.
إلى جنة الفردوس والعفو والرضى ** وفي رحمة الرحمن أصبحت ثاويا
فمن انتهت مدة أيامه وساعات عمره من على هذا الكوكب الأرضي فرت روحه إلى بارئها، ثم انقطعت صلته عن الدنيا وساكنيها إلا ما تركه من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، ويظل جثمانه في باطن الأرض - مجاورا قوما لا تزاور بينهم - إلى أن يأذن الله بخروجهم من أجداثهم في اليوم الموعود يوم العرض الأكبر على رب العباد جل ذكره، فمنهم آخذ كتابه بيمينه وآخر من وراء ظهره ، فالسعيد من تطفح على محياه علامات البشر والرضى لدخول دار النعيم المقيم، فكل محسن ومخلص في العبادة لله يطمع ويرجو رحمة الباري ومغفرته، فمن أولئك الأخيار الشيخ الفاضل /عبدالله بن شلاش بن عبدالله الشلاش رحمه الله الذي لاقى وجه ربه يوم الخميس 10/5/1432هـ وأديت عليه صلاة الميت بعد صلاة يوم الجمعة 11/5/1432هـ بجامع الراجحي بحي الجزيرة ودفن بمقابر حي النسيم، وقد تبعه خلق كثير داعين له بالمغفرة وطيب الإقامة في مرقده إلى أن يأذن بنهوض جميع الخلائق ليوم الحساب، وكان الحزن باديا على محيا جميع أبنائه وأقربائه ومحبيه، - تغمده الله بواسع رحمته -، ثم انصرفوا عنه بعد مواراة جسمه الطاهر في باطن الأرض، ولك أن تتصور ما بداخل أنجاله ومحبيه من لوعات الفراق الأبدي وخاصة عند عودتهم وقد خلت من شخصه داره!! - كان الله في عونهم وجبر مصيبتهم فيه - ولقد عاش يرحمه الله سني طفولته بين أحضان والديه ورفاق دربه، وعند بلوغ سن التمييز ألحقه والده بإحدى مدارس الكتاب الواقعة على مقربة من منزل والديه بمدينة بريدة في منطقة القصيم، وبعدما ختم القرآن الكريم مجودا على يد معلمه المطوع استمر في تلاوته أناء الليل وأطراف النهار، وكان يحضر مجالس الذكر في المساجد، وفي مجالس بعض العلماء مما أثرى حصيلته العلمية، واتساع أفاق المعرفة لديه فهو على جانب من الذكاء موصوف بهدوء الطبع والسلوك الحسن ولين العريكة وطيب المعشر، وقد رشح للتدريس بالمدرسة الفيصلية الابتدائية قبل الدراسة النظامية وظل بها فترة من الزمن، وكان محبوبا لدى طلابه لما يتمتع به من خلق كريم وحثهم على حفظ كلام الله، وسائر المواد الدراسية، وفي ذلك الوقت جاءت فكرة جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في تأسيس مدرسة علمية أدبية تعنى بالأساليب الأدبية والمواد الشرعية ليكون مقرها مدينة الطائف عام 1364هـ أسماها (دار التوحيد) لحاجة البلاد في تلك الحقبة البعيدة إلى عدد من العلماء والقضاة والخطباء، وكان الشيخ عبدالله الشلاش (أبو محمد) ضمن الطلاب الذين أخذوا من أهليهم بالقوة في باديء الأمر رغم تمنع والديهم خشية تعيينهم في بلدان بعيدة عنهم.. فهو يرحمه الله يعتبر من الدفعة الأولى الذين تخرجوا من دار التوحيد الثانوية عام 1368هـ ثم اتجهوا إلى مكة المكرمة لمواصلة دراستهم الجامعية، كما أنه الآن يعتبر من بقايا زملائه الذين طوتهم يد المنون، وقد حصل على الشهادة العالية من كلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة عام 1372هـ ثم عين في سلك القضاء فترة وجيزة بعدها انتقل إلى ميدان التدريس حيث عمل مدرسا بمعهد شقراء العلمي، وفي مواقع أخرى، وأخيرا استقر به المطاف موجها بوزارة المعارف ورئيسا لقسم الثقافة الإسلامية، وكان في أثناء عمله يقوم بجولات تفقدية وتوجيهيه على المدارس في مراحلها الثلاث في كثير من مناطق المملكة فيستغل الفسح الطويلة للالتقاء بالمدرسين وخاصة مدرسي المواد الدينية فيناقشهم في بعض الموضوعات ويحثهم على الإخلاص في أداء أعمالهم وواجباتهم، ثم يخص الطلبة بالنصح والإرشاد والتحلي بالأخلاق الفاضلة واحترام معلميهم كي يخلصوا في أداء أعمالهم نحوهم:
إن الطبيب والمعلم كلاهما ** لا ينصحان إذا هما لم يكرما
ولي مع الشيخ عبدالله بعض الذكريات التي لا تنسى وقت الانتداب من حريملاء للعمل معه في لجان الاختبارات في أوساط الثمانينيات الهجرية ومع شقيقه الأستاذ سليمان الذي سبقه إلى مراقد الراحلين بحوالي خمسة عشر عاما حيث توفي في 15/12/1417هـ وكان مديرا للتعليم بمنطقة القصيم -رحمهما الله -فذكرياتنا مع الأستاذ -أبو خالد -قديمة في أثناء دراسته بكلية الشريعة بمكة المكرمة، ودراستي بدار التوحيد عامي 71-72 هـ ، وكانت مديرية المعارف آنذاك تؤمن سيارات لنقل طلاب دار التوحيد بأمر من جلالة الملك عبدالعزيز ذهابا وإيابا عند بداية الدراسة، وبعد الانتهاء من الاختبارات وهذا في منتهى الحفاوة والترغيب من لدن جلالته بطلاب دار التوحيد -يرحمه الله -فذكرياتنا مع الأستاذ سليمان لها طعم خاص حيث تخللها في أثناء سيرنا نحو الطائف تجاذب أطراف الحديث وبعض الطرائف الأدبية والمساجلات الشعرية وكانت رحلة ممتعة جدا معه ومع الزملاء، وكأني به يفتتح المساجلات بهذا البيت:
ألا ساجل دموعي ياغمام ** وطارحني بشجوك ياحمام
فأنا أعتبر الأخوين الكريمين بمنزلة الزملاء رغم فارق العمر والمستوى الدراسي، وقد عرف عنهما دماثة الخلق وطيب المعشر والعطف على الأيتام والأرامل والمساكين، قال الله تعالى في محكم التنزيل (إنا لانضيع أجر من أحسن عملا). تغمدهما الله بواسع رحمته وأسكنهما فسيح جناته.
<!--[if !supportFootnotes]--><!--[endif]-->
(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الإثنين 25 ربيع الأول 1432هـ الموافق 28 فبراير 2011م.
(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الإربعاء 27 ربيع الأول 1432هـ الموافق 2 مارس 2011م.
(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الجمعة 13 ربيع الآخر 1432هـ الموافق 18 مارس 2011م.
(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الإربعاء 23 جمادى الأولى 1432هـ الموافق 27 إبريل 2011م.