جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
مهرجان فلسطين الوطني للمسرح
مسرحية سراب
جميل أن يكون في فلسطين مهرجان مسرحي، والأجمل هذا التنظيم، وهذا التجمع الذي يضم خيرة الفنانين بمكان وزمان واحد، فاللقاء لوحده كافا لجعلنا نشعر بالفرح والسعادة، وعندما تشاهد الابتسامات والحديث الحميم بينهم نشعر كم هي فلسطين بحاجة إلى مثل هذا الفعل، فعل الفرح.
إذن هناك مهرجان مسرحي في فلسطين، يبدأ من 25/10/2018 ويختتم في 1/11/2018، وكافة العروض حددت في مدينة رام الله، في قصر الثقافة والمسرح البلدي، والعروض المسرحية متاح لكل، كما أنه يوجد جوائز لأفضل ممثل وعرض وسينوغرافية وتأليف واخراج، وهذا ما يشير إلى أننا امام مهرجان مسرحي بكل معنى الكلمة، طبعا كل هذا تم بمجهود وزارة الثقافة الفلسطينية بالتعاون والشراكة مع بلدية رام الله والمؤسسات الوطنية، لكن دائما هناك دور تنغيص يقوم به الاحتلال الذي منع العديد من الفرق والفنانين العرب الدخول إلى فلسطين، فهو يقول لنا ولهم: "أنا موجود وأنا من يقرر/يتحكم حتى في مسرحكم" ومع هذه الغصة إلا أن المهرجان افتتح وبدأ، وهذا بحد ذاته انتصار ونحاج للمهرجان.
أن تجد كافة الممثلين من الشباب فهذا يعطي اشارة الحيوية التي يتمتع بها هؤلاء الشباب، وهو يخدم فكرة أن العمل المسرحي بحاجة إلى قدرات جسدية تضاف إلى القدرات الادائية، مسرحية "سراب" نكاد لا نجد فيها كلام/حوار، بل حركات صعبة بحاجة إلى قدرات جسدية وفنية استثنائية، فليس أي ممثل يستطيع أن يقوم بمثل هذا الأداء، من هنا كان عنصر الشباب هو المناسب لتقديم مسرحية "سراب" التي قدمها مدرسة سيرك فلسطين في بير زيت.
المسرحية تشير إلى أحداث متعلقة بهجرة الإنسان في المنطقة العربية، فهناك الموسيقى القاسية والغليظة، ظلام يغطي غالبية خشبة المسرح، وحركات الألم والقسوة التي وجدناها في المسرحية، كلها تخدم فكرة الهجرة التي أجبر عليها الفلسطيني/اللبناني/العراقي/السوري/الليبي/اليمني، فالفكرة لا تقتصر على شعب بعينه، بل يمكن اسقاطها على كافة شعوب المنطقة العربية وحتى على كل المهجرين في العالم، وهذا ما يحسب للمسرحية، تجاوزها الحالة الوطنية إلى الحالة العربية والعالمية.
البداية جاءت بصوت غناء بكائي حزين، وهو كافا لإيصال فكرة المسرحية، ففاتحة أي عمل أدبي/فني تعطي اشارة إلى ما يحمله من مضمون/أفكار، يبدأ الممثلون في تقديم مشهد يوحي بالصراع إلى أن تتضيق بهم خشبة المسرح، ويخرج أحد الأشخاص خارج الخشبة، وهذا يعط اشارة إلى أن حجم المأساة الناتجة عن الصراع، قد تجاوزت الحدود الإنسانية، كما أن انعدام الإنارة يؤكد على هول المأساة، بعدها نجد فتاة تحاكي حركيا ما جرى من خراب وقتل، وهناك مشهد موازيا لحركاتها "جثث ملقى على الأرض"، يخرج أحد الأشخاص وهو يحمل أربع جثث لأطفال رضع، ويضع كل واحدا منهم على زاوية مربع، واعتقد أن هناك اشارة يحملها المربع والذي يشير إلى كافة جهات الأرض، بمعنى أن الصراع والحرب يخلف هذا الجثث، يلتقط الرجل احدى الجثث ويأتي عامل النظافة ليكنس البقية، وهذا المشهد كان قاس على المشاهد، وباعتقادي كان يمكن أن يكون هناك تخفيف من حدته بأي طريقة أخرى.
بعدها نجد ايحاء لرجل يحاول الانتحار، وفتاة تقوم بحركات عنيفة، وكأنها في حالة تعذيب جسدي ونفسي، وتأتي الموسيقى القاسية لتزيد من صخب المشهد، ويتبعها صوت العواصف والرعد، ونجد رجل/سيزيف يحمل مكعب/صخرة على ظهره ويطوف بها على المسرح، ثم يخرج من الجهة اليسرى ليعود إلى الخشبة من الجهة اليمنى وهو ما زال يحمل صخرته، وكلما تعب وحاول اسقاطها، نجد من يعيدها إلى وضعها على ظهره، وهذا من أكثر المشاهد حيوية، لأنه كان يشير رمزية ثقل الحرب على الإنسان.
بعدها يصطف الممثلون في خط مستقيم، يوحي إلى حالة الاصطفاف أمام طابور توزيع المساعدات على المهاجرين، ونجد حالة صراع بين هؤلاء المصطفين، وأثناء هذا الصراع "سيزيف" حاملا لصخرته وما زال يطوف بين المسرح وخارجه، كإشارة إلى أن حالة الهجرة مرتبطة بهذه الصراع، الصراع على الفتات الذي يقدم للمهاجرين.
ثم يبدأ المشهد القاسي الذي تكون فيه فتاة معلقة على الحبل، واشخاص مكبلين يتعرضون للتعذيب، ثم يتبعه هذا المشهد صور فتوغرافية عن الحرب والخراب والقتل والاطفال، ثم ترفع الصورة ويخرج من تحتها دخان كثيف يشير إلى أن الصور ما هي إلا نتائج للحرب.
المرأة المعلقة على الحبل تقرأ أوراق وتلقيها على الأرض، وشخص جالس يقرأ أوراق ويلقيها أيضا على الأرض، وكأن كل هذا التقارير التي تتحدث عن الحرب والقتل والتشرد لا يلقى لها بالا، وهذا ما أكده أحد الأشخاص الذي حمل الأوراق ورمها بعنف على الجمهور كحالة رفض لما يجري من إهمال متعمد لهذه الجرائم التي تحدث، وهذا المشهد كان من أكثر المشاهد تعبيرا عن حالة التمرد على الحرب ومن يقف خلفها ومن يشعلها.
المشهد التالي اشخاص يتبادلون دور الحامل والمحمول، وكأن هناك توزيع أدور بيهم، ونجد هنا شخص/تمثال يرتدي الأسود الكامل، وتكون هناك امرأة تحاول أن تزيل هذا التمثال/الشخص الاسود، وفعلا نجد الرجل/التمثال يتقز/يتقلص شيئا فشئيا حتى يزول، لكن سرعان ما جد أصوات وموسيقى تشير إلى أحداث حرب من جديد، ونرى مربع ضوئي ودائرة ضوئية، ويكون هناك رجل شرطة/جندي يوحي بقيامة لعملية اغتصاب لفتاة، ويكون هناك مجموعة تشاهد عملية الاغتصاب دون أن تبدي أي ردة فعل على أرض الواقع، فهي تشاهد وتراقب ليس أكثر، وهذا اشارة إلى أن العالم يقف متفرجا على الحرب والقتل والخراب الذي نعيشه في المنطقة العربية.
صوت الحرب ما زال مسموعا ومشاهد الصراع بين الأشخاص أيضا، مجموعة من الجثث على الأرض، تسقط مجموعة كبيرة جدا من جثث الأطفال الرضع من أعلى وكأن السماء تنزل جثث بدل المطر، وهنا تنتهي المسرحية.
هذا ملخص لأحداث المسرحية، الملفت أن هناك سواد قاتم ومؤلم يشعر به المشاهد، كما أن الموسيقى العنيفة لعبت دورا في ايصال فكرة القسوة والألم، وإذا ما أضفنا حركات العنف الصراع، نكون أمام مسرحية غارقة في المأساة، ورغم أن الحركات الأدائية كانت صعبة وبحاجة إلى قدرات خاصة، إلا أنها خدمت أيضا فكرة قسوة الأحداث، كل هذا يجعلنا نقول أننا أمام فعل مسرحي يعكس واقع الحرب.
المسرحية نتاج مدرسة سيرك فلسطين، ومن اخراج "بول إيفانز" واداء "محمد أبو طالب، أحمد أبو طالب، نور أبو الرب، هزار عزة، مرح أشمر، علاء أبو الرب، عصام أبو سنينة.
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية