دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

زهور تبكي زهور ...
...
في الفصل الغائر بين سبات الطين الهائج على أطراف الحي المبلل في اطراقة المدينة القديمة . هناك بضعة كتب تيمها قدر اللحاق بركب المهمشين . 
هناك كانت .. زهور .. تأتي بقفة صغيرة كل صباح بعد أن يستهلكها سقف آيل بتهور القرون التي نضبت مياهها العذبة . 
حين تتحرك العجوز .. زهور .. تلتحم بظلها خيوط واهنة من عشيرة ندرومة . . تلك المدينة الأخرى التي حاكتها حضارات القرون لتترك لها مقهى ( التربيعة )مفتوحة على لوحة السماء معلقة على أنين الأزقة الضيقة تسترسل أنسها الشمالي على ساحل البحر . وعلى ضريح سيدي يوشع الذي بصم نبوة التوحيد . 
زهور ... ربما تكون حمامة تسافر بين قمم ضوء في مدى العيش تحت خفت الصلوات التي تفيض بها قلوب المقربين الى الله . ولكنها هي زهور ذاتها التي مات عنها رجال البطش والتحدي . هي نفسها التي لا تنام حتى يأمن عش اليتامى من أطفالها . هي المتكأ التي يصل به العيال الى رغيفهم . 
الحي القديم لا ينتفض سوى بليله العميق وهو يلتقط جيوب الخمر والعفيون وصاحبات الهوى يصنعون ملاحم الوشم وتعابير التمرد وكل حمم الإنصهار البشري وفي كل العناوين الليلية لذات احمرارية تنوء بجرائمها الخصبة تلك الدروب المظلمة برطوبتها الطرية السميكة . بينما تتقلص المدينة الى منطقتها الخضراء لمن يشربون نعيم الليل على أفرشة الدفئ وكنوز التجارة تغني رخاءهم . 
المدينة نصف وأنصاف وأرباع . وحتى أقبية تبلل عدم المعدمين لحين التلاحم . 
هكذا هي يومياتها . تمضي زهور لتنظيف قصور النبلاء ثم تعود على زحمة السوق تهوي سحيق الدروب المتعبة متسلقة جبال حاجاتها . حتى عندما تكون شباك مرمى القذف والسب والشتم من الجيران . أو تكون هدفا للضرب المبرح على وجهها وابنها العاق يصب على رأسها زيتا ساخنا . سرعان ما تستحيل حمامة أسطورية تحلق فوق الأسطح الهشة حتى تصل الأسواق لتعود مطرا سخيا على تلك الأعشاش والمقابر . 
وفي آخر ملاحمها المشوقة للشمس وللفصول تركت زهور دوحة زهورها ومزهرياتها لكي تبدع غيابا من صفصافة روحها التي اشتاقت قصرها سماء تلوح باخضرار أبدي . وأعناق أسئلة تشرئب في خصاصها . هل فعلا ماتت زهور دون أن تخبر بقية الزهور .
محمد محجوبي

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 59 مشاهدة
نشرت فى 28 يوليو 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,821