جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
لا يومَ لهذا اليومِ، أو تاريخ:
الكتابة: أصابعُ ضوءٍ تخطّ على جسدٍ مظلمٍ:
هلْ في البراكين حكايةٌ؟..
إذا رأيتَ أنّ الحكايةَ حدثٌ تلاحُقيّ وأفعالٌ تتابعُ منتظمة ً في خيطٍ يتشعّبُ، وسَرْدٍ حَبَكيٍّ يتصاعدٌُ ويتشابكُ ويرتدُّ، فليس في الحكايةِ حدثٌ.. ليس في حكايتي حدثٌ مِنْ هذا القبيلٍ.. وإذا كان في الحكايةِ لَهبٌ خبيءٌ،
فقط، كنتُ هادئًا تمامًا، حتّى أنّه يبدو أنّ الطّمأنينة تَغْشَى الكيانَ مِن الدّاخلِ، تسْري في الجذوعِ ندًى. وتسْقيني. كنتُ أتبلّلُ برذاذِ الهدوءِ.. وكان الصّمتُ الجليلُ كمّادتي الباردة المُبرِّدةَ لِحُـمّى صخبي. وموسقايَ الخفيةُ الخافتة، تُــزْجي بُخارَ ضجري.. إنّ الطّمأنينة الماثلةَ، لا تعني أفولَ الحُزْنِ. كما أنّ الصمتَ الجليلَ لا يعني غيابَ القلقِ الأجيـج.. في وسْعِ كليهما- الطّمأنينةِ والأسَى أنْ يَمْثُلا في آنٍ.. ولكنْ كلاهما يشتغِلُ على نَسَقِه.. في وسعِ كليهما – الصّمتِ والضّجر، أنْ يتلاءَما.. وكانَ كلاهما يُنْجِزُ مَهامّه.. لذلك كنتُ هادئًا وحزينا، صامتًا وضجِرًا معًا..
وكان البُرْكانُ مَهيبًا جليلاً، تغمرُهُ لحظاتٌ مِنْ وقارِ الالهةِ وتلفُّهُ هالةٌ مِنْ غُموضِ العظمةِ.. كان جبلُ البُرْكانِ صامتًا. هيْكلاً جبليّاً ، يتربّعُ في الأرْض، ويقْبَعُ حولَ أحجارِه، والنّارُ تتأكّلُها بالتّدريجِ.. كان البُرْكانُ وقورًا صبورًا، لكنّه يتنهّدُ كلّما تشظّتْ في أحشائِهِ صخورُ النّيرانِ المزدحمةِ على فوّهتِه.. وإذا سالتْ من الدّاخلِ صُعوداً، حِممٌ، كان البُرْكانُ يتجشّأ أبخرة َ الحِممِ.. ذات لحظةٍ سيقيءُ محتوياتِ نارِهِ.. إنّ داخلَ الجبلِِ البُرْكانيِّ تـنّيناتُ عُصورٍ سحيقة.. وكانتْ التنّيناتُ في حفلةِ تزاوجٍ ملتهبةٍ، في طَقْسِ حُبٍّ واعتصاراتٍ وغيْرةٍ وفحيحٍ وزفراتٍ مِنْ دخانٍ وحِممٍ ودمْ..
أسطوريًّا، خُيِّلَ إليّ هكذا.. وكذلك، كنتُ أضرِبُ الأمثالَ لعلّني ارسمُ الأحوال..
إذنْ، كنتُ هادئًا وحزينًا.. في داخلي تنّيناتٌ تتناكحُ.. ذاتَ لحظةٍ عمياءَ أتجشأ حِمَمي... وكانــتْ صاحبتي – وناسٌ كثيرون- تـكْرهُ حزني الهادئ الوقورَ، تمقتُ صمتي الذي يتنهّدُ مِنْ حين لحينٍ.. ما كانتْ ترى في ذلك حكاية.. أمْ كانتْ تجدها حكاية لا تـسلـّـي؟ أوَ كنتُ أتسلّى بحكايتي والنّيران تزدحمُ في جوفي؟ !
"إنّ الشيءَ الوحيدَ الذي يُواسينا في شقائِنا، هو التسلية. والحالُ أنّها أكبرُ أشكالِ شقائنا، لأنّها تمنعنا أساسًا مِن التفكيرِ في أنفسِنا".. لم تكنْ حكايتي مُسلّية يا بسكال ، لأنّني ببساطةٍ لم أمتنعْ عن التفكيرِ في نفسي.. ولئنْ كنتُ امتنعتُ، فتسلّيْتُ، فإنّني حينئذٍ، كما تفضّلْتَ، في شقاءٍ كبيرٍ..
لقد دمّرَ باسكال فُرَصَ النّجاةِ مِن الشّقاءِ. فنحنُ، تبعًا لِقوْلِه،إمّا أشقياءُ وإمّا أشقياءُ: أشقياءُ بالتفكيرِ في أنفسِنا. وأشقياءُ بالتسليةِ ذاتِها، حين نتسلّى عن التفكيرِ في أنفسِنا.. إنّنا في الحاليْن ،في بُرْكانٍ بلا حكايةٍ..
___________
- سيف الدّين العلوي- مقاطع من نصّ قد يجيء...
وكان البُرْكانُ مَهيبًا جليلاً، تغمرُهُ لحظاتٌ مِنْ وقارِ الالهةِ وتلفُّهُ هالةٌ مِنْ غُموضِ العظمةِ.. كان جبلُ البُرْكانِ صامتًا. هيْكلاً جبليّاً ، يتربّعُ في الأرْض، ويقْبَعُ حولَ أحجارِه، والنّارُ تتأكّلُها بالتّدريجِ.. كان البُرْكانُ وقورًا صبورًا، لكنّه يتنهّدُ كلّما تشظّتْ في أحشائِهِ صخورُ النّيرانِ المزدحمةِ على فوّهتِه.. وإذا سالتْ من الدّاخلِ صُعوداً، حِممٌ، كان البُرْكانُ يتجشّأ أبخرة َ الحِممِ.. ذات لحظةٍ سيقيءُ محتوياتِ نارِهِ.. إنّ داخلَ الجبلِِ البُرْكانيِّ تـنّيناتُ عُصورٍ سحيقة.. وكانتْ التنّيناتُ في حفلةِ تزاوجٍ ملتهبةٍ، في طَقْسِ حُبٍّ واعتصاراتٍ وغيْرةٍ وفحيحٍ وزفراتٍ مِنْ دخانٍ وحِممٍ ودمْ..
أسطوريًّا، خُيِّلَ إليّ هكذا.. وكذلك، كنتُ أضرِبُ الأمثالَ لعلّني ارسمُ الأحوال..
إذنْ، كنتُ هادئًا وحزينًا.. في داخلي تنّيناتٌ تتناكحُ.. ذاتَ لحظةٍ عمياءَ أتجشأ حِمَمي... وكانــتْ صاحبتي – وناسٌ كثيرون- تـكْرهُ حزني الهادئ الوقورَ، تمقتُ صمتي الذي يتنهّدُ مِنْ حين لحينٍ.. ما كانتْ ترى في ذلك حكاية.. أمْ كانتْ تجدها حكاية لا تـسلـّـي؟ أوَ كنتُ أتسلّى بحكايتي والنّيران تزدحمُ في جوفي؟ !
"إنّ الشيءَ الوحيدَ الذي يُواسينا في شقائِنا، هو التسلية. والحالُ أنّها أكبرُ أشكالِ شقائنا، لأنّها تمنعنا أساسًا مِن التفكيرِ في أنفسِنا".. لم تكنْ حكايتي مُسلّية يا بسكال ، لأنّني ببساطةٍ لم أمتنعْ عن التفكيرِ في نفسي.. ولئنْ كنتُ امتنعتُ، فتسلّيْتُ، فإنّني حينئذٍ، كما تفضّلْتَ، في شقاءٍ كبيرٍ..
لقد دمّرَ باسكال فُرَصَ النّجاةِ مِن الشّقاءِ. فنحنُ، تبعًا لِقوْلِه،إمّا أشقياءُ وإمّا أشقياءُ: أشقياءُ بالتفكيرِ في أنفسِنا. وأشقياءُ بالتسليةِ ذاتِها، حين نتسلّى عن التفكيرِ في أنفسِنا.. إنّنا في الحاليْن ،في بُرْكانٍ بلا حكايةٍ..
___________
- سيف الدّين العلوي- مقاطع من نصّ قد يجيء...
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية