دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

authentication required

شهيدة الحبّ (خاطرة )
لست أدري كم مرّة قلتها لك ولم تسمعها...كم مرّة كتبتها ولم أرسلها فلم تقرأها...كم مرّة ارتسمت معانيها على شفتي ولم تفهمها. 
أظنّني فعلت ذلك آلاف المرّات وعبّرت عنّي بكلّ اللّغات...تجاوزت معك قصور حروفي حتّى أكبّر معانيك....قتلت خجلي حتّى أتمرّد على نفسي وأتمكّن من الاقتراب من فحواك....هالتك مرهقة لعيني الّتي تعوّدت على البساطة، مضنية لقلبي المستسلم لعشق قاتل محموم...
أمّا عقلي فقد استباح كلّ ذكريات العشّاق وقصصهم ليتمكّن من تحديدك بطلا لحكاية آسرة. 
كم أتمنّى أن أطلق صرخة من صرخات نساء وطنك المنتفضات...صرخةٌ فوضويّة تلتقطها أنت فتنظّمها داخل مسمعك وتعلنها ترنيمة عذبة لقصّة أبديّة ...
كم أحبّ جنوني الصّادق ونضجي الأسطوريّ وأنا أتكلّم عنك...
لم يعد يعنيني إن لفتّ نظرك أم لا...إن ابتسامتك التّي سحرتني كانت بقصد أو محض صدفة ونسجا من خيالي...إن كلماتك الّتي قلتها لي لحظة مروري بجانبك بذاك الشّارع الفلسطينيّ ، الّذي جبته كلّ يوم عشرات المرّات علّي أعيش لهفة اللّقاء، كنت تعنيها أم كانت ملأً للفراغ...
لمْ أهتمَّ لصوت الرّصاص ولمْ أكترثْ لتهديدات الشّرطيّ الإسرائيليّ...
كنت ذاهبة وراءك ومستعدّةً أن أعانق الموت....همّي أن ألقاك...كنت حدّدتك قضيّتي وما ضرّني إن استشهدت لأجلها ..فداك حياتي...
أشفق على نفسي متى ينتابني شعور بفقدك وكم بكيْت كلّما شقّ صوت البارود أذني فيسكنني حزن عميق يجبرني على لباس الأسود والزّهد في الحياة...
كم كنت أرتعب من معالم اليأس عندما ترتسم على محيّاك ونحن نرى الدّمار يأتي على الأخضر واليابس...
كنت أدرك أنّك مهموم بوطنك أكثر من كلّ شيء وأنا مهمومة بك لأنّك وطني الّذي أعيش فيه دون أن تعلم...
أحببت فلسطين وأحببت ابنها ودون أن أفهم لا متى ولا كيف حدث معي هذا....
هل تعلم أنّي أهيم بقضيّتك مثلك تماما لأنّك هناك؟! ...هل تعلم أنّي أزورك كلّ ليلة أتسلّل تحت ستر الظّلام، لأخلقَ معك ذكريات أحكيها؟!...ما همّني إن أنا التي صنعتها من خيالي...
المهمّ أنّي توصّلت إلى أن آكل من يدك وأقدّم لك الشّاي بعد العشاء وأشمّ دخان سيجارتك الذي تنفثه فيملأ صدري عطرا يشقّ رأسي....المهمّ أني سمعتك تنشد لي الشّعر وأزهو بنفسي وكأنّي أنا من تنظم فيها قوافيك...سمعت معك أغانيك الثّوريّة، وحدي أتخبّط وسط الأحلام ومتألّمة من الأوهام...
لم أفهمْ لمَ فعلت بنفسي كلّ هذا ولكن لم يكن بإمكاني أن أهرب منك إلّا إليك...لأنّك قدري...
عشت معك بمفردي نجاحات خضتها كما الملاحم وأكثر خيبات قتلتني آلاف المرّات ولم أعتزلْ يوما غرامك...
لا تسلْ إن أنا نادمة على ذلك لأنّي سأبكي قهرا فأنت لم تعِ ما معنى أن أحدّدك أملا وحيدا في الحياة...
أنا عشت قصّتي معك بكلّ شغف وأذكر كلّ تفاصيل يومك وكم كنت أثور في صمت حين أسمعك تتكلّم مع أخريات وتحيّيهنّ بابتسامتك العريضة فأنت محور عشق كلّ النّساء...
كنت أغار لدرجة أنت تجهلها إذ كنت أذرف الدّموع جمورا تحرق منّي ألمآقي فقط لأنّي أعجز عن الاقتراب منك ولم اتمكّن حتّى من تناسيك...
كم هو موجع أن تكون لي كلّ شيء ولم أكن لك حتّى مجرّد لا شيء...أنا عدم في حياتك. 
عشت معك كلّ انتظاراتك بحرارة ولكن لم تنتبه لوجودي...
لو تعلمْ كم مرّة جئتك ووقفت أمام بابك حتّى أكاد أتجمّد من الصّقيع دون أن أجرؤ على طرقه...
كم اشتريت من فستان جديد لألبسه في موعد لم يتحدّدْ بعد وأظنّه لن يحدث...
كم من قوارير العطور حفظتها داخل خزانتي وأبقى أنتظر في صمت فقد يحين وقتها...
كنت أتهيّأ لكلّ الظروف التي تحلم بها امرأة عاشقة مثلي...
لستَ تعلم كم من الشّموع احترقت أنا بدلا منها وأنا أسهر معك...دون أن تأتيّ...عشت على أنقاض يوم لم أستمتع به...حلم لم أحقّقه وحبّ قتلني وأحياني كلّ لحظة مذ أن وقعت عيناي عليك...عيناي الشّاخصتان هجرتا النّعاس حتّى صرت أراك في كلّ الاتجاهات. 
ملأت كلّ فراغاتي التي عشتها من قبلك..كنت عاشقة حدّ الهذيان...إذ أسمعك تغازلني دون كلمات فأجنّ . نعم، أجنّ إلى درجة الضّحك والبكاء، الرّقص والغناء ثمّ أصمت وأهدأ...
نوبات من الحيْرة والغيرة والشّوق والحنين... مشاعر لم أعرفها من قبل ولكنّي شربتها دفعة واحدة فثملت.... مذ ذاك اليوم وأنا ثملة...تناولت عشرات المهدئات واحتسيت كلّ أنواع القهوة ولكنّك قابع متربّع بداخلي...ساحر سلبني لبّي .. كلّي متواطئ معك..قل لي من تكون؟ 
كرهتك لأنّي أحببتك فوق المستطاع، تجاوزت معي المستحيل واخترقت المباح...
لمَ أنت مستبدٌّ كلّ هذا الحدّ؟ 
تشدّني إليك بقبضة من حديد. ومن قال أنّي أسعى لفكّ الحصار أو أرفض الإستعمار أو أثور على الظلم أو أخشى على نفسي من الاستشهاد؟!!!
افعل بي ما شئت فأنت حرّيّتي، قسمي وولائي، طفلي الذي أرفض أن ألده حتّى لا تغتاله يد الغدر منّي في غفلة من الزّمن...
لتعلم أنّي بعدما تيقّنت أنّك لم تأبه لي، قرّرت أن أكون بطلة لقصّتي وحدي وسأصيّرك بطلا على مقاسي فخيالي أقوى بكثير من واقعي المهزوم أمامك....قرّرت أن أتحرّر حبيبي من قيودي لأعانق السّماء وأخلّد حبّا متفوّقا على البسيط الساذج...حبّا متميّزا بالوفاء لقلب يؤمن بصدق المشاعر ونبلها...
ها أنذا أتحدّى غيابك بالكلمات علّك تقرؤها يوما وتعلنني إمرأة مختلفة عن كلّ اللّاتي عرفتهنّ...
ليتك تقرأ، ليتك تفهم، ليتك تعي.. لكنّي يائسة وصوت يعلو داخلي ويقول لي أنّه سيحفظك بعناية مقيتة في الأدراج حتّى يغيب بريقك وسط الغبار...ستموتين حتّى وسط الحروف....ورغم ذلك أبقى مصرّة على أن تراقصني على نغم أحلامي وتغمر وجهك بخصلات شعري فتسكر برائحة عطري تماما كما فعلت بي...
أحبّ أن أراك تائها وسط كلماتي ملتاعا من غيابي ومرتجفا وأنت تتحضّر في شوق لموعد اللّقاء كما كنت أشعر وأكثر...
أتمنّى أن أراك طائرا تحوم حول شبّاكي تغنّي تراتيل عشقي وتحاول أن تغريني ولكنّي سأختفي وسط النّقاط والاستفهامات....
أحبّ أن أجعلك تشهق متعجّبا من وجودي الّذي لم تلحظه وتتحسّر على غيابي الذي ينال من قلبك ويأسرك فيّ أكثر تماما كما أنا أحسست....
ليس بنيّة الإنتقام منك لكن فقط لأني همت بك، ذاك هو معنى الولاء للحبّ والعشق والغرام....
آه لو تجرّب يوما الغرق في بحوري فأنا قرأت لك جميع الدّواوين وتكبّدت مخاطر الغوص وأشرفت على الموت مئات المرّات حتّى أصبحت عروسا للبحر ولتعلم أن البحر بمن فيه مجالي ومملكتي وستكون آمنا متى دخلتها...
قرّرت أن أكون الرّيح والبرق والرّعد متى استبدّ بك الحنين..
سأكون جنونك حين تفقد عقلك تحت سطوة العاطفة المتأجّجة ....
سأجعلك تكون مع قصّتي مثلما تمنّيت أن أعيش معك واقعك...
سأسقيك من خجلي ثمّ من سهري ومن آهاتي وسأراك تحترق وتبحث عنّي في كلّ مكان....ستزور مدينتي وتبقى تنتظرني بالساعات وستحفظ لغتي وتغار عليّ وأنا أراقص غيرك...
أحبّ أن أفعل بك كلّ هذا لأراك جديرا بقصّتي معك وأنّك ستبقى وطني ولكن هذه المرّة وأنا بين أحضانك تعانقني حتّى أكاد أختنق... وكم أتمنّى أن ألفظ أنفاسي الأخيرة وأنا بين يديك... 
يا من كنت واقعا تاه عنّي وسط الحياة، لم أعشه وصيّرته حلما ليهيم بي....تألّمت بسببه وذبت فيه أنينا ولكنّي تمرّدت فتمكّنت من أن أعيشه معك بترف خيالي...
أنا مدركة أنّك لو قرأت حرفا من قصّتي لن تغلق الكتاب. ستعاود قراءته كلّ ليلة وكأنّك تحبّ أن تجعلني شهرزادك الفاتنة وتعلن نفسك شهريار الذي يكره طلوع الشّمس وصياح الدّيك....
أنا أتلهّف للحظة تأخذ فيها قلمك لتكتب قصّتك معي تماما مثلي، لم تعشها ولكنّك تعرّفت عليها من خيال امرأة مستبدّة في عشقها لأنّها فقط تعلّمت على يديك...
سأنتظرك في موعد حدّده الالاه ونتحرّر مثلما أنت مشتاق لتحرير وطنك...
ستأخذني معك لذلك الشّارع أين رأيتك أوّل مرّة وتحاول أن تتذكّر إمرأة قالت لك بكل لغات الدّنيا بأنّها تحبّك لكنّك لم تسمعها وقتها وها أنت تتوسّل الزّمان كي يعود وتسمعها تبوح لك بعشقها...
ستعيش يا سيّدي قصّتك معي بعد أن ترفع علمك وتحرّر أرضك لأنّي على يقين من أنّ الحبّ لا يتحمّل أن يكبر وسط الدّماء....سأنتظرك 
بقلمي: نجلاء عطية

المصدر: واحة التجديد
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 103 مشاهدة
نشرت فى 26 مايو 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

558,655