الطريق إلى تجويع #غزة بالكامل
الطريق إلى تجويع #غزة بالكامل..
كيف تحركت جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل ومسؤولون بأمريكا، من أجل دفع واشنطن وبلدان أخرى لإيقاف تمويل الأونروا في خطوة تهدف لحلها؟
ما هي جماعات الضغط من مؤسسات ومنظمات وأشخاص، الذين توحدت جهودهم لحرمان 1.7 مليون شخص في غزة من المساعدات، تأييداً لتوجه إسرائيل في القضاء على "الأونروا" وتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي.
يتمحور نشاط اللوبي الداعم لإسرائيل في أمريكا إصدار قرارات تصب في صالح الاحتلال، لا سيما فيما يتعلق بالقرارات الأمريكية المتعلقة بالحرب على قطاع غزة.
وهناك منظمات ومؤسسات فيالولايات المتحدة الامريكية تتبع نسقاً متشابهاً في تحركها ضد "الأونروا"، فمن جهة تتحرك جميعها في نفس التوقيت لزيادة الحشد ضد الوكالة الأممية، ومن جهة أخرى تردد السردية نفسها من اتهامات ومزاعم لـ"الأونروا" ودورها في غزة.
إضافة لذلك، تتحرك جماعات الضغط نحو مخاطبة صناع القرار في أمريكا والتأثير عليهم، من أجل إصدار قرارات ضد "الأونروا" ومحاصرتها وقطع الامداد عنها.
ففي 26 كانون الثاني 2024، أوقفت أمريكا دعم "الأونروا" ولحقت بها 16 دولة، بعدما قدمت إسرائيل لعدد من الدول "تقريراً استخباراتياً"، تضمن مزاعم واتهامات لـ12 من موظفي "الأونروا" (البالغ عددهم بغزة 13 ألفاً) بـ"المشاركة" في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي شنته الفصائل الفلسطينية في غزة على المستوطنات التي تحاصر غزة (بغلاف غزة).
حيث سلمت إسرائيل نسخاً من التقرير الاستخباراتي لوكالات وصحف غربية، ولفتت وسائل إعلام تلقت نسخاً من التقرير إلى أنه خلا من الأدلة أو الوقائع المادية .
وبدأت تقود "Un Watch" الحملة ضد "الأونروا" وهى ((رقابة الأمم المتحدة : هي منظمة غير حكومية قائمة في جنيف تكمن مهمتها في «رقابة أداء الأمم المتحدة تبعًا لميثاق الأمم المتحدة نفسه». منظمة استشارية من قِبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ومنظمة غير حكومية في قسم المعلومات العامة في الأمم المتحدة، تنتقد رقابة الأمم المتحدة ما تراه نزعات معادية للسامية ومعادية لإسرائيل في الأمم المتحدة والفعاليات التي تمولها))
تعد منظمة "مراقبة الأمم المتحدة" من أبرز الجهات التي تحركت من أجل وقف تمويل "الأونروا" وإنهاء عملها في غزة، ومنذ عام 2015 وحتى يناير/كانون الثاني 2024، قدّمت 10 تقارير مليئة بالمزاعم، متهمةً "الأونروا" بأن المعلمين العاملين لديها في غزة "يروجون للقتل، ومعاداة السامية، وأنه يتم استغلالها من قبل الفصائل الفلسطينية"، وهي اتهامات نفت "الأونروا" صحتها مراراً.
تمتلك المنظمة علاقات قوية في أمريكا مع جماعات ضغط، وجهات مؤيدة لإسرائيل، وكثفت المنظمة نشاطها قبل القرار الأمريكي بقطع تمويل "الأونروا" وبعده، وحظيت تقارير المنظمة الهادفة لقطع تمويل "الأونروا"، بدعم وترويج من قبل "إيباك"، وهي جماعة الضغط الأمريكية الإسرائيلية التي تُعد من بين أبرز اللوبيات القادرة على التأثير بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
لدى المنظمة إمكانية واسعة في الوصول إلى جهات نافذة ومسؤولين مؤثرين، إذ تُرسل تقاريرها إلى الكونغرس الأمريكي، والاتحاد الأوروبي، وسفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، ليندا جرينفيلد، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
بعد 5 أيام من قرار أمريكا الأخير بوقف تمويل "الأونروا"، تحدث الرئيس التنفيذي لمنظمة "مراقبة الأمم المتحدة"، هليل نوير في جلسة أمام أعضاء بالكونغرس، وسُمح له بعرض الاتهامات التي توجهها منظمته لـ"الأونروا" مكرراً ما دأب على قوله منذ عام 2015.
تنكر المنظمة أحقية الفلسطينيين بأرضهم، وتظهرهم بمثابة "المحتلين لأرض الإسرائيليين"، وتقول إن "الأونروا ترسل رسالة إلى الفلسطينيين مفادها أن وطنهم الحقيقي هو إسرائيل، وأن المكان الذي يعيشون فيه هو مجرد مخيم للاجئين".
تأسست المنظمة عام 1993 من قبل سفير أمريكا الأسبق بالأمم المتحدة، اليهودي موريس أبرام (توفي عام 2000)، الذي تقلد منصب رئيس مؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، ورئيس اللجنة اليهودية الأمريكية، وكان جده من أوائل الحاخامات الإصلاحيين بأمريكا، واعتُبر أبرام من أشد المدافعين بأمريكا عن إسرائيل.
رغم ادعاء المنظمة بأنها تعمل على حماية حقوق الإنسان بالعالم، إلا أنها تؤكد في ملفها التعريفي، بأنها "تكافح معاداة السامية، والتحيز ضد إسرائيل بالأمم المتحدة"، وتعتبر هذا الأمر شرطاً لقبول المتدربين لديها.
تُظهر نشاطات المنظمة أنها تسخّر جهودها لحماية إسرائيل من أي انتقاد أممي، إضافة لمهاجمتها للمسؤولين الأمميين الذين ينتقدون ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين
تخفي المنظمة مصادر تمويلها، لكن بيانات من المصادر المفتوحة تعطي لمحة عن ضخامة التمويل الذي تتلقاه وعن جزء من الداعمين لها، ومنذ عام 2019 وحتى 2023 تجمع المنظمة سنوياً ما يزيد عن مليون دولار من التمويل، بحسب بيانات نشرها موقع "Propublica".
على الرغم من أن المنظمة تزعم على موقعها الإلكتروني، بأنها منظمة "مستقلة، ولا تتلقى أي دعم مالي من منظمة أو حكومة"، إلا أن بيانات أوردها بحث لجامعة "باث" البريطانية عام 2015 كشف عن حجم الدعم الذي تلقته المنظمة، مع منظمة "NGO Monitor" الإسرائيلية، خلال الفترة بين 2009 و2013.
تظهر البيانات حصول المنظمتين خلال هذه الفترة على نحو 2.6 مليون دولار، ومن بين الجهات المانحة، اللجنة اليهودية الأمريكية.
والشخص الأبرز في منظمة "مراقبة الأمم المتحدة"، هو رئيسها التنفيذي هيليل نوير، الذي تربطه علاقات قوية مع مؤسسات ومنظمات يهودية، ويحظى باستضافة واسعة على القنوات الأمريكية، وهو الرجل الذي يتصدر مهمة شيطنة "الأونروا" والدعوة لقطع المساعدات عن سكان غزة.
تم اختيار نوير من قبل "نقابة الأخبار اليهودية" (JNS) في عام 2020، ضمن أكثر 40 شخصية حول العالم مناصرة لإسرائيل، وتفاخر نوير بذلك في منشور له على حسابه في موقع "فيسبوك".
عقب صدور قرار أمريكا بتوقيف دعم "الأونروا" على خلفية الاتهامات الإسرائيلية لها، تفاخر نوير أيضاً بأنه الشخص الذي ساهم في هذا القرار، حيث نشر على حسابه في إنستغرام، صورة منشور لمقدمة تلفزيونية قالت فيه إن نوير تمكن من إيقاف حوالي مليار دولار قادمة من 17 دولة إلى الأونروا، وأرفق منشوره بعبارة "شابات شالوم" أو ما يعني "سبت مبارك" باللغة العبرية.
لم يكن تحرك منظمة "مراقبة الأمم المتحدة" ضد "الأونروا" منفرداً، بل حدث بالتعاون مع "معهد مراقبة السلام" الإسرائيلي، وقبل صدور القرار الأمريكي بتعليق المساعدات، نشر المعهد تقريراً لشيطنة الأونروا في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وكرر نفس الاتهامات التي توجهها إسرائيل للوكالة الأممية.
وفي جلسة الكونغرس التي عُقدت نهاية يناير/كانون الثاني 2023 حول الأونروا، تحدث ماركوس شيف (إسرائيلي - بريطاني) الرئيس التنفيذي للمعهد الإسرائيلي أمام أعضاء بالكونغرس، وزعم في مداخلته التي نشرها موقع "الكونغرس"، أن "هدفه إظهار الدور المركزي الذي تلعبه الأونروا في نشر العقيدة المتشددة والتحريض على العنف على نطاق واسع في النظام المدرسي الفلسطيني، بما في ذلك قطاع غزة"، وفق قوله.
القضاء على الأونروا.. مطلب يعود لسنوات
من الجهات الداعمة لحل "الأونروا"، إلى نشاط مؤسسة أمريكية فكرية، تُسمى "مركز الدفاع عن الديمقراطية"، تقول عن نفسها إنها تركز على الأمن القومي والسياسة الخارجية، لكن في جوهر عملها تدعم إسرائيل وتعزز رواياتها المتعلقة بالحرب على غزة.
يشير مركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، في تحليل نشره عام 2015، إلى أن مواقف مركز "الدفاع عن الديمقراطية"، تتبع إلى حد كبير مواقف حزب "الليكود" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
المتحدث الحالي باسم جيش الاحتلال، جوناثان كونريكوس، هو أحد أعضاء هذه المؤسسة، ولديه العديد من الكتابات فيها، كما يشغل القائد السابق للقوات الجوية الإسرائيلية، الجنرال عمير إيشيل منصب "زميل أول" للمؤسسة.
الشخصية الأبرز في المؤسسة الذي دفع باتجاه حل "الأونروا" وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، هو ريتشارد غولدبرغ، أحد كبار المستشارين في "مركز الدفاع عن الديمقراطية"، وسبق أن شغل مناصب رسمية في أمريكا.
كان غولدبرغ أحد المتحدثين أمام الكونغرس في جلسة عُقدت نهاية يناير/كانون الثاني 2024 ضد "الأونروا"، وهي نفس الجلسة التي تحدث فيها الرئيس التنفيذي لمنظمة "مراقبة الأمم المتحدة"، نوير.
يردد غولدبرغ ذات الاتهامات التي توجهها الحكومة والمسؤولون الإسرائيليون إلى الأونروا، ويدعو في إحدى مقالاته" إلى إغلاق "الأونروا" بالكامل، ويقول إن "الأونروا تعاني من مشكلة الإرهاب التي يكفلها دافعو الضرائب من الدول المانحة"، بحسب تعبيره.
يعتبر غولدبرغ أن استمرار تمويل "الأونروا"، "أمر كارثي"، وفي تأكيد منه على الدعاية الإسرائيلية ضد "الأونروا"، يقول غولدبرغ: "تقوم الأونروا بتربية الأطفال على استيعاب شعارات الإبادة الجماعية"، وفق زعمه.
اللافت أن "مركز الدفاع عن الديمقراطية"، يقود جهوداً منذ سنوات من أجل إغلاق "الأونروا"، فعلى موقع "الكونغرس" الأمريكي، قدم المركز عام 2017 تقريراً إلى الكونغرس كتبه غولدبرغ، وطلب المركز إعادة تشكيل وحل "الأونروا" على مراحل.
🖼 في بداية عمله، حظي "مركز الدفاع عن الديمقراطية" بتمويل من شخصيات يهودية، وفي عام 2011، نُشرت وثائق تتضمن تفاصيل عن تمويل المركز والجهات الداعمة له، وبالعودة إلى الموقع الذي نشرها، فإنه على ما يبدو تم حذفها، وقد يكون لذلك علاقة بتعرض الموقع إلى ضغوط أدت لحذف الوثيقة.
لكن لا تزال هناك نسخة مؤرشفة من الوثائق توصل "عربي بوست" إليها، ومما تظهره أن المركز حصل على تمويل من الرئيس السابق للمؤتمر اليهودي العالمي، الملياردير، إدغار برونفمان، الذي توفي عام 2013، وكان برونفمان قد نجح في دفع أمريكا للضغط على الاتحاد السوفييتي بهدف السماح لليهود السوفييت بالهجرة إلى الأراضي الفلسطينية، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية.
كذلك تلقى المركز دعماً من "عائلة أبرامسون"، التي دعمت مشاريع لصالح إسرائيل، وتؤكد منظمة "صوت الجالية اليهودية"، أن عائلة "أبرامسون"، "دعمت قضايا الصهيونية واليهودية على مر السنين".
تشريع قانون وقف الدعم للأونروا
لا يقتصر التحرك لحرمان الفلسطينيين من المساعدات، على منظمات ومؤسسات في أمريكا داعمة لإسرائيل، فهنالك مسؤولون أمريكيون بارزون يلعبون دوراً رئيسياً في هذا الاتجاه أيضاً، من أبرزهم عضو الكونغرس (الجمهوري) كريس سميث، وهو عضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وقدم سميث تشريعاً يهدف إلى اتخاذ أمريكا قراراً بإيقاف دعم "الأونروا".
وسميث هو الرئيس المشارك لتجمع "حلفاء إسرائيل"، ويعرف التجمع نفسه في موقعه الإلكتروني بأنه "التجمع الحزبي الوحيد المؤيد لإسرائيل في مجلس النواب الأمريكي"، وأيد النائب قرار الإدارة الأمريكية الأخير بوقف تمويل "الأونروا"، وقال في تصريحات لجلسة استماع لجنة فرعية في مجلس النواب الأمريكي، إن قرار الإدارة "رد طال انتظاره".
يحظى تشريع قطع الدعم عن "الأونروا" بدعم أيضاً من النائبيْن الجمهورييْن، بريان ماست، وجو ويلسون، ويردد النواب الجمهوريون الداعمون لقطع المساعدات عن الفلسطينيين، نفس اتهامات إسرائيل ومراكز ومؤسسات الضغط في أمريكا، لـ"الأونروا"، ويزعمون أن الوكالة الأممية تُعلم "معاداة السامية، وكراهية إسرائيل".
عواقب سيئة في حال أُغلقت الأونروا
وتعاني "الأونروا" من تبعات قرار توقيف العديد من الدول تمويل الوكالة الأممية، ويتجاوز حجم التمويل الذي قرّرت الدول المانحة الأخرى وقفه 440 مليون دولار، أي ما يقرب من نصف الدخل المتوقع للوكالة هذا العام.
"الأونروا" حذرت من أنها "ستضطر على الأرجح لوقف عملياتها في الشرق الأوسط، بما في ذلك في غزة، بحلول نهاية فبراير/شباط ما لم يستأنف التمويل.
كذلك حذرت الأونروا من أنها قد تضطر إلى إنهاء مساعدتها لمليوني فلسطيني في غزة، وفي السياق نفسه، حذرت منظمة "الصحة العالمية" من أن "وقف تمويل الأونروا ستكون له عواقب كارثية على سكان #غزة".
ولن يقتصر قرار وقف التمويل على إمداد الفلسطينيين المُنهكين في غزة بالمساعدات، بل قد يصل أيضاً إلى الفلسطينيين اللاجئين في دول أخرى، إذ حذرت الأمم المتحدة في الأردن من عواقب وخيمة على لاجئي فلسطين في الأردن إذا لم تتم إعادة التمويل…