محمد اللكود ..... الحرية اختيار حياة

مساهمات متنوعة لتنمية المجتمع الإنساني

authentication required

 

القرامطة واستبداد أمرهم وما استقرّ لهم من الدولة عند ابن خلدون

ابن خلدون (المجلد الرابع صفحة 140)

 ودعوى القرامطة في غاية الاضطراب مختلّة العقائد والقواعد، منافية للشرائع والإسلام في الكثير من مزاعمهم، وأوّل من قام بها بسواد الكوفة سنة 278ه رجل أظهر الزهد والتقشّف، وزعم أنه يدعو إلى المهدي وأن الصلوات المفروضة خمسون كل يوم، واستجاب له جمع كثير ولقّب قرمط وأصلها بالكاف. وكان يأخذ من كل من يجيب دعوته دينارا للإمام. وجعل عليهم نقباء وسمّاهم الحواريّين، وشغل الناس بذلك عن شئونهم وحبسه عامل الناحية ففرّ من محبسه ولم يوقف له على خبر، فازداد أتباعه فتنة فيه ثم زعم أنه الّذي بشّر به أحمد بن محمد بن الحنفيّة.

وأن أحمد نبيّ وفشا هذا المذهب في السواد وقرئ بينهم كتاب زعموا أنه جاءهم من داعيه المهدي نصّه بعد البسملة، يقول الفرج بن عثمان: الحمد للَّه بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه قل إن الأهلّة مواقيت للناس، ظاهرها لتعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام، وباطنها أوليائي الذين عرّفوا عبادي سبيلي اتّقوني يا أولي الألباب، وأنا الّذي لا أسأل عمّا أفعل، وأنا العليم الحكيم، وأنا الّذي أبلو عبادي وأستخبر خلقي، فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي وأخلدته في نعمتي، ومن زال عن أمري وكذّب رسلي أخلدته مهانا في عذابي وأتممت أجلي وأظهرت على ألسنة رسلي، فأنا الّذي لا يتكبّر عليّ جبار إلا وضعته، ولا عزيز إلا ذللته، فليس الّذي أصرّ على أمره ودام على جهالته.

وقال لن نبرح عليه عاكفين وبه مؤمنين، أولئك هم الكافرون. ثم يركع ويقول في ركوعه مرّتين سبحان ربّي وربّ العزة تعالى عما يصف الظالمون، وفي سجوده الله أعلى مرّتين الله أعظم مرّة، والصوم مشروع يوم المهرجان والنيروز والنبيذ حرام والخمر حلال، والغسل من الجنابة كالوضوء، ولا يؤكل ذو ناب ولا ذو مخلب. ومن خالف وحارب وجب قتله ومن لم يحارب أخذت منه الجزية

انتهى إلى غير ذلك من دعاوي شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضا. وشاهد عليهم بالكذب. والّذي حملهم على ذلك إنما هو ما اشتهر بين الشيعة من أمر المهدي .

 ومنهم من بنى أمره على الكذب، عساه يستولي بذلك على حظ من الدنيا ينال بها صفقة.

وكان يسمّي نفسه القائم بالحق. وزعم بعض الناس أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج. ثم زحف إليه أحمد بن محمد الطائيّ صاحب الكوفة في العساكر فأوقع بهم وفتك بهم، وتتابعت العساكر في السواد في طلبهم وأبادوهم، وفرّ هو إلى أحياء العرب فلم يجبه أحد منهم، فاختفى في القفر في جبّ بناه واتخذه لذلك، وجعل عليه باب حديد واتخذ بجانبه تنورا سحرا إن أرهقه الطلب فلا يفطن له. ولما اختفى في الجب بعث أولاده في كاب بن دبرة بأنهم من ولد إسماعيل الإمام مستجيرون بهم.

ثم دعوا إلى دعوتهم أثناء ذلك وكانوا ثلاثة يحيى وحسين وعلي فلم يجبهم أحد الى ذلك إلّا بنو القليص بن ضمضم بن عليّ بن جناب، فبايعوا ليحيى على أنه يحيى ابن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الإمام وكنّوه أبا القاسم ولقّبوه الشيخ. ثم حوّل اسمه وادّعى أنه محمد بن عبد الله وأنه كان يكتم هذا الاسم، وأنّ ناقته التي يركبها مأمورة ومن تبعها منصور، فزحف إليه سبك مولى المعتضد في العساكر فهزمها، وقتل فسار إليه محمد بن أحمد الطائي في العساكر فانهزمت القرامطة وجيء ببعضهم أسيرا فاحتضره المعتضد وقال: هل تزعمون أن روح الله وأنبيائه تحلّ فيكم فتعصمكم من الزلل، وتوفقكم لصالح العمل، فقال له: يا هذا أرأيت لو حلّت روح إبليس فما ينفعك فاترك ما لا يعنيك إلى ما يعنيك. فقال له: قل فيما يعنيني! فقال له: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوكم العبّاس حي فلم يطلب هذا الأمر ولا بايعه أحد، ثم قبض أبو بكر واستخلف عمر وهو يرى العبّاس ولم يعهد إليه عمر ولا جعله من أهل الشورى، وكانوا ستة وفيهم الأقرب والأبعد، وهذا إجماع منهم على دفع جدّك عنها، فبماذا تستحقّون أنتم الخلافة؟ فأمر المعتضد به فعذّب وخلعت عظامه ثم قطع مرّتين ثم قتل.

وبعد فترة زحف القرامطة إلى دمشق وعليها طفج مولى ابن طولون سنة تسعين، واستصرخ بابن سيّده بمصر، فجاءت العساكر لإمداده فقاتلهم مرارا وقتل يحيى بن ذكرويه المسمّى بالشيخ في خلق من أصحابه، واجتمع فلّهم على أخيه الحسين وتسمّى أحمد أبا العبّاس وكانت في وجهه شامة يزعم أنها مقدسة، فلقّب صاحب الشامة المهدي أمير المؤمنين، وأتاه ابن عمّه عيسى بن مهدي وهو عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل الإمام ولقبه المدّثر، وعهد إليه، وزعم أنه المذكور في القرآن ولقّب غلاما من أهله المطوّق.

 ثم دعا الناس فأجابه كثير من أهل البوادي وسار إلى دمشق فحاصرها حتى صالحوه على مال ودفعوه له. ثم سارا إلى حمص وحماة والمعرّة وبعلبكّ، واستباحها جميعا. ثم إلى سلميّة.

خرج المكتفي إليه وقتل منهم خلق من أصحاب القرمطيّ ونجا ابنه أبو القاسم ببعض ذخيرته، وسار هو مستخفيا إلى ناحية الكوفة ومعه المدّثر والمطوّق وغلام له، وانتهوا إلى الرّحبة فوشى بهم إلى العامل فقبض عليهم، وبعث بهم إلى المكتفي بالرقّة ورجعهم إلى بغداد فقطعهم بعد أن ضرب صاحب الشامة مائتي سوط. وأمّا عليّ بن ذكرويه ففرّ بعد مقتل أخيه يحيى إلى ناحية الفرات، واجتمع إليه نفر من القرامطة فاستباح طبرية. ثم لما اتّبعهم الحسين بن حمدان فرّ إلى اليمن، واجتمع إليه دعاتهم وتغلّب على كثير من مدنها، وقصد صنعاء فهرب عنها ابن يعفر فاستباحها وتجافى عن صعدة لذمّة العلويّة بينه وبين بني الرسي، ونازل بني زياد بن بيد، ومات في نواحي اليمن،

وفي خلال ذلك بعث أبوه ذكرويه إلى بني القليص  إليهم من أصحابه عبد الله بن سعيد ويسمّى أبا غانم فجاءهم بكتابه بأنه أوحى إليه بأن صاحب الشامة وأخاه الشيخ مقبلان، وأن إمامه يظهر من بعدهما ويملأ الأرض عدلا، وطاب أبو غانم على إحياء كلب فاجتمع إليه جماعة منهم، وقصد الشام فاستباح بصرى وأذرعات، ونازل دمشق وقتل بعضهم وسار إلى الأردن فقتل عاملها، ونهب طبريّة وبعث المكتفي الحسين بن حمدان في العساكر ففرّ أبو غانم إلى السماوة واتبعته العساكر وقتلوه، وافترق جمعهم وذلك سنة ثلاث وتسعين.

(ظهور ذكرويه ومقتله)

ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه وأخرجوه من الجب الّذي كان مختفيا فيه منذ عشرين سنة، وحضر عنده دعاتهم فاستخلف عليهم أحمد بن القاسم بن أحمد، وعرّفهم بما له عليهم من المنّة، وأن رشادهم في امتثال أمره، ورمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرّف تأويلها، وسار وهو محتجب يدعونه السيّد ولا يرونه، والقاسم يباشر الأمور ويتولّاها، وبعث المكتفي عساكره فهزمهم القرامطة بالسواد، وغنموا معسكرهم، وساروا لاعتراض الحاج وطمّوا الآبار والمياه في تلك النواحي. ونهب القرامطة الحاج وقتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثا على غير ماء فاستسلموا، وغنم أموالهم وأموال التجّار وأموال بني طولون ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص، قيل فامتنعوا، وجهّز المكتفي العساكر وأدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين، ثم هزموهم وضرب ذكرويه على رأسه فانهشم وجيء به أسيرا وبخليفة القاسم وابنه وكاتبه وزوجته، فسيق شلوه إلى بغداد، وصلب وبعث برأسه إلى خراسان من أجل الحاج الذين نهبهم من أهلها

(من ابن خلدون م ٨ ج ٤ )

 (خبر قرامطة البحرين ودولة بني الجنابي منها)

وفي سنة 281 ه جاء من البحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدي وزعم أنه رسول من المهدي، وأنه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدي، ونتشر الخبر في سائر قرى البحرين فأجابوا كلّهم، وفيهم أبو سعيد الجنابي واسمه الحسن بن بهرام وكان من عظمائهم. ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدّة ورجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم ويأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير وثلاثين عن كل رجل فدفعوها. ثم غاب وجاء بكتاب آخر يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا، وقام يتردّد في قبائل قيس. ثم أظهر أبو سعيد الجنابي الدعوة بالبحرين، واجتمع إليه القرامطة والأعراب، وسار إلى القطيف طالبا البصرة

وبعث المعتمد عليّ بن عمر الغنويّ وخرج للقاء الجنابيّ ومن معه، فانهزم على بن عمر وأسره الجنابيّ واحتوى على معسكره وحرق الأسرى بالنار.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ومن كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخّصا من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال: كان ابتداء أمر القرامطة سنة 308 ه وكان أبو سعيد يمهد لابنه الأكبر سعيد فلم به وثار به أخوه الأصغر الظاهر سليمان فقتله، وقام بأمرهم وبايعه العقدانية وجاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية.

وفي سنة ست وثمانين وصل أبو القاسم القائم إلى مصر، واستدعى أبا طاهر القرمطي وانتظره فأعجله مؤنس الخادم عن انتظاره وسار من قبل المقتدر فهزمه ورجع إلى المهديّة. ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها ورجع واضطربت بغداد، وأمر المقتدر بإصلاح ما تثلّم من سورها. ثم زحف إليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها وخرّب الجامع وتركها خربة. ثم خرج سنة اثنتي عشرة لاعتراض الحاج فأوقع بهم وهزم قوّاد السلطان الذين كانوا معهم، وأسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون واستصفى النساء والصبيان وترك الباقي بالبريّة فهلكوا.

وأقام ابو طاهر بالبحرين وهو يتعاهد العراق والشام بالغزو حتى ضربت له الإتاوة ببغداد وبدمشق وبعد موت أبو طاهر استقرّ أحمد ابنه في الولاية عليهم وكنّوه أبا منصور، وهو الّذي ردّ الحجر الأسود إلى مكانه.

ثم هلك أبو منصور سنة تسع وخمسين يقال مسموما على يد شيعة سابور، وولي ابنه أبو عليّ الحسن بن أحمد ويلقّب الأعصم، وقيل الأغنم فطالت مدّته وعظمت وقائعه ونفى جمعا كثيرا من ولد أبي طاهر، يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلاثمائة، وحجّ هذا الأعصم بنفسه ولم يتعرّض للحاج ولا أنكر الخطبة للمطيع.

(فتنة القرامطة مع المعز العلويّ)

قام بأمر القرامطة جعفر وإسحاق ورجعوا إلى دعوة العلويّة ومحاربة بني بويه، ورجعوا إلى الكوفة فملكوها. وبعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات وقتل منهم خلق واتبعوهم إلى القادسية. ثم اختلف جعفر وإسحاق وطمع كل منهما في الرئاسة على صاحبه، وافترق أمرهم وتلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر بن أبي الحسن الثعلبي عليهم، وملك الأحساء من أيديهم وأذهب دولتهم ، وكان القرامطة في البحرين  يستنجدون بالعرب على أعدائهم ويستعينون بهم في حروبهم، وربّما يحاربونهم ويقاطعونهم في بعض الأوقات، وكان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب وبنو عقيل وبنو سليم، وأظهرهم في الكثرة والعزّة بنو ثعلب

القرامطة فيما ذكره البيهقي

الإسماعيلية هو مذهب القرامطة وهم غلاة الرافضة، وكانوا يدعون قرامطة ثم قيل لهم بالعراق باطنيّة، ثم الإسماعيلية، ثم النزاريّة لما حدث من عهد المستضيء العلويّ لابنه نزار، وقتله شيعتهم بمصر، ، وفشت أذيتهم بالأمصار بما كانوا يعتقدونه من استباحة الدماء، فكانوا يقاتلون الناس ويجتمع لذلك جموع منهم يكمنون في البيوت ويتوصّلون إلى مقاصدهم من ذلك.

ولما اشتدّ الأمر بهم سألوا فتوى الفقهاء في أمرهم وكتبوا ما نصّه: ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين في قوم يؤمنون باللَّه واليوم الآخر وكتبه ورسله، وأنّ ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم حق وصدق، وإنما يخالفون في الإمام هل يجوز للسلطان مساعدتهم ومراعاتهم وأن يقبل طاعتهم وبحرسهم من كل أذى أم لا؟

فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك، وتوقّف بعضهم وجمعوا للمناظرة، فقال السمنجاني من كبار الشافعيّة: يجب قتالهم ولا يجوز إقرارهم بمكانهم ولا ينفعهم التلفّظ بالشهادتين، فإنّهم لا يرون مخالفة إمامهم إذا خالف أحكام الشرع، وبذلك تباح دماؤهم إجماعا، وطالت المناظرة في ذلك.

وبقي ركب العراق يتعاهد مكة إلى أن اعترضه أبو طاهر القرمطيّ، وأسر أبا الهيجاء بن حمدان والد سيف الدولة وجماعة معه، وقتل الحجّاج وترك النساء والصبيان بالقفر فهلكوا، وانقطع الحاج من العراق بسبب القرامطة. وعمد أبو طاهر القرمطي فنهب الحاج، وقتلهم حتى في الكعبة والحرم، وامتلأ زمزم بالقتل، والحجّاج يصيحون: كيف يقتل جيران الله؟ فيقول: ليس بجار من خالف أوامر الله ونواهيه. ويتلو: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية. وكان يخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية. ثم قلع الحجر الأسود وحمله إلى الأحساء وقلع باب البيت وحمله. وانقطع الحج من العراق بعدها إلى أن كاتب أبو علي يحيى الفاطمي سنة سبع وعشرين من العراق أبا طاهر القرمطي أن يطلق السبيل للحجّاج على مكس يأخذه منهم. وأخذ المكس من الحجّاج ولم يعهد مثله في الإسلام. ( ابن خلدون م ٩ ج ٤ )

 

المصدر: مجموعة مصادر ابن خلدون المجلد الرابع مقالات متفرقة

التحميلات المرفقة

lkoud

متميزون

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 641 مشاهدة

عدد زيارات الموقع

148,058

ابحث

تسجيل الدخول

محمد اللكود

lkoud
تعددت وسائل الاتصال والأعلام المزيف والمخداع ، وأوشكت كلمة الحق أن تزول وتختفي ، لهذا بدأنا بالكتابة عسى أن نسهم في عودة الصدق في المقالة وشفافية الموقف. والمساهمة مع الأحرار في صناعة سياسية مسلحة وكلمة حرة لا تخاف ولا تتراجع أمام القمع أو الاضطهاد ، بمساعدة الأحرار المؤمنين بالله الواحد »