قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
( النمل )
الإيمان والآمانة هما مصدرا للقوة في حياتنا العملية
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الآية الكريمة تدعونا لنقرأ القصة كاملة، وبما إني لا أفسر ولست كفؤا للتفسير، فسأكتفي بدعوة حضراتكم لنتدبر الآية سويا ثم لنقرأ السورة منفردين، بصوت عالي وبما نستطيع من تجويد، ثم نتدبر كل كلمة بل كل حرف، وسنجد من الكنوز ما يقوي ضعفنا بالإيمان، فربما استطعنا أن نستمد قوتنا من الآيات فالقرآن طاقة ونور، بشرط أن نكون أُمُناء مع أنفسنا، فالآمانة قرينة الإيمان كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ :
" لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ "
إذا فالآمانة هي مصاحبة دائما للإيمان، فلا إيمان بغير آمانة، وهما معا مصدرا للقوة التى سنستخلصها من تدبرنا للآية التالية:
قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
وهكذا نرى أن الإيمان بالله العلي العظيم مع الآمانة هما معا مصدرا للقوة، قوة الشخصية، وقوة الإيمان، وقوة الإرادة، وقوة البدن، وقوة العزيمة، وقوة الرأي، وقوة الفكرة، وقوة الثقة في النفس، لذلك أمرنا الله تبارك وتعالى أن نأخذ ما آتانا بقوة:
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
( مريم )
وقال تبارك وتعالى:
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
( الأعراف )
وهكذا نتعلم ونرى ونعرف أن علينا أن نأخذ ما أتانا الله بقوة، بل بكل ما لدينا من قوة، قوة الفهم، وقوة البحث والتدبر وقوة الفكر وقوة العمل الجاد القوي فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
الفكرة قوة فعالة دونها كل قوة هائلة
( فيكتور هوجو من كتاب قوة الفكر للدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله )
وهنا يكمن معنى قوة الفكر، أو قوة التفكير، فلو استطعنا أن نأخذ ما جاء في كتاب الله بقوة، بحيث نستطيع أن نستبدل أفكارنا السلبية بأفكار القرآن لأصبحنا أقوياء في غمضة عين.
قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
هذه هذه فكرة فعالة، بمجرد أن سأل ملك الإنس والجان سؤاله، أجابه العفريت بقوة لأن لديه فكرة قوية أراد أن يضعها بآمانة في حيز التطبيق، فكرة قوية أراد صاحبها أن يجعلها فعالة وعرض معها آمانته وقوته حتى يفوز بالمهمة.
الفكرة قوة فعالة دونها كل قوة هائلة
دونها كل قوة هائلة، في هذا الموقف كانت هناك قوى أخرى من العفاريت والجن والحيوانات وبقية مخلوقات الله، ففي نفس السورة نجد قوة ذكاء الهدهد ودهاءه وصلابة رأيه وقوة شخصيته، ونجد قوة النملة في الإفصاح وتحذير قومها من جيش سليمان عليه السلام وآمانة التعبير ودقة الكلمات والوصف البالغ الحكيم، وهناك من القوى التى لم يقصها علينا القرآن إلا قوة العلم والإيمان:
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
إذا العلم قوة، والإيمان قوة، والآمانة قوة، وهذا ما نحتاجه لنطبق ونلبي نداءات الرحمن لعباده الكرام، فالنداء الأول يطهر أفكارنا من الدنس والأفكار السلبية والكلام البذئ والغير مفيد، والنداء الثاني هو المولد الكهربائي للنجاح، وذلك بذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وبالصبر والصلاة، والنداء الثالث نستمد منه قوة البدن وصحته وسلامة السريرة ونقاءها وذلك بالأكل من طيبات ما رزقنا ربنا.
ثم بعد ذلك نستمر مع كتاب الله وكلما وصلنا لنداء من نداءات ربنا وجب علينا أن نقف عنده، ونستوعبه، ونتبنى فكرته ثم نجعلها فعالة ثم نواجه بها حياتنا بمنتهى الشجاعة والقوة فيصلح لنا ربنا حياتنا وحياة من حولنا بإذن الله وبفضله.
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)
( المائدة ).
ألسنا أولى من أهل الكتاب بالقرآن وبما جاء فيه؟ ألا نأخذ بقوة هذا النور الذي جاءنا على لسان نبينا المبعوث بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم ؟
الفكرة قوة فعالة دونها كل قوة هائلة
إن تلبية نداءات الرحمن وتطبيقها يعطينا قوة وهدى ونور ومن شأنها أن تصلح لنا سريرتنا وعلانيتنا إن جعلناها فكرة فعالة، فتصبح كل فكرة هائلة هي أقل منها.
ساحة النقاش