إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
<!--الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
<!--وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
<!--وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)
<!--وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)
<!--وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
<!--وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
<!--وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
<!--وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)
أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)) سورة المعارج.
ربما جعل ربك جنتك في الدنيا، وفي الجنة لا عذاب ولا شقاء ولا جوع ولا عرى،ولو دققنا بعض الشيئ نجد أن الله سبحانه وتعالى في دنيانا يطعمنا ويسقينا ويكسونا، ولكن تتفاوت درجات أحساسنا بالنعم بقدر تفاوت درجات الرضا فينا، وكذلك بتفاوت الإيمان..
وهذا نلاحظه فيمن كانت كل البنود السابقة هي حياته العادية اليومية، فهو دائم على صلاته، وهو يتصدق على من حوله من المحتاجين دون أن ينتظر حتى يطلبوا منه الصدقة، ومن يفعل ذلك فهو على يقين بيوم الدين
وهنا نلاحظ شيئ في منتهى الأهمية، أن الله سبحانه وتعالى قد بدأ بالصلاة وأنهى الآية بالصلاة أيضا، وكأن المداومة على الصلاة، هي المدخل أو المفتاح أو هي الباب الذي منه ندخل على كل ماسبق من فضائل،فإذا ما حققنا النجاح فيها،وصلنا إلى مرحلة :{ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ }تصبح بيوتنا جنة، وحياتنا نعيم، وصلاتنا متعة، وذكرنا لله ثمرة، وأولادنا قرة أعين....
ثم نحصل على كرامات الله لعباده، وهي مرحلة لا يستطيع إنس ولا جن تصورها أو الكتابة فيها..وذلك لأن عظمة الهدية من عظمة الهادي، فكرامة الله يعطيها الله بغير حساب، ولا يستطيع أحد تصورها..
أما الآن فنأتي إلى مطلع الآية... وهو مقصدنا من الحديث...أرجو منك أخي في الله أن تدقق معي وتعيش مع الآية بقلبك وعقلك ووجدانك، لأن المولى عز وجل قد فصل لنا فيها الصفات الأصيلة والراسخة في كل بني آدم، ثم إستثنى من ذلك ما سبق.... ولي رجاء آخر عندك وهو معرفة أنني لا أفسر القرآن ولكني أتدبره بصوت عالي وكلمات مكتوبة لأعيشها مع كل من أراد من إخواني...
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
ثلاثة صفات الهلع، والجزع، والمنع، نستطيع أن نراها بمنتهى الوضوح عند كل البشر، ماعدا ما قد إستثنى الله....لقد وجدت تلك الصفات الثلاثة في كل إنسان قابلته، ماعدا ما قد إستثنى المولى عز وجل، وهم قليل جدا...
الهلع.. حالة نسميها نحن في العامية{ خلعتني } عندما يصيبك الهلع فهو يهزك بقوة، يخرجك من وقارك، ومن ثباتك، ويقلب فيك كل الموازين التى عرفتها وأعتدت عليها،نرى هذه الحالة في الشخص الذي رأى ثعبانا ضخما في غرفة مغلقة، فينخلع ويجزع، ويضطرب، وهي حالة فرعون عندما راي ثعبان موسى عليه السلام.
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
هذه صفة متأصلة في كل نفس... يجب علينا مراقبتها في كل تصرف، حتى نقتلعها من جذورها، فوجودها يخرجنا من فريق المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون... ويحرمنا من جنة الله وكرمه.....لأن الصفة الأولى والثانية، إيماننا بالله العلي العظيم وتوكلنا عليه يسحقهما سحقا، أما صفة المنع قد تبقى دائما متوارية في أعماق نفوسنا.... بدليل الحديث التالي:
{ قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم ، فقيل :أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : لا }
الراوي: صفوان بن سليم المحدث: ابن عبدالبر - المصدر: التمهيد خلاصة حكم المحدث: حسن
هذا ما وفقني الله سبحانه وتعاله له .. وهو ليس تفسيرا ولكن تدبرا وتفكر في آيات الله كما أمرنا سبحانه وتعالى، فإن رأيت فيها صوابا فهو بتوفيق من الله وفضله، وإن رأيت فيها غير ذلك فأستغفر الله لي ولكم وأرجو مراجعتي فيها....
فما هذه إلا تذكرة فإن الذكرى تنفع المؤمنين .... أنشرها لعل تكون كذلك لمن يقرأها...
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين والخلق كلهم أجمعين، والحمد لله رب العالمين
ساحة النقاش