{1}
الصبر والصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي بعثه الله بالحق هدى ورحمة للعالمين.. أما بعد ..
قد وعدتكم من قبل أن نتكلم في موضوع الصبر الذي قرنه الله سبحانه وتعالى بالصلاة في نداءه الثاني للذين آمنوا...
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة.
الآن هيا بنا نتعرف على الصبر من خلال آيات القرآن الكريم ... لأنني في الحقيقة أرى في هذا النداء شيئا يجذبني بشدة، وقد حيرني البحث عنه..
أولا لقد خص الله سبحانه وتعالى الذين به آمنوا بهذا النداء ... فهو سبحانه وتعالى حينما خاطب اليهود قال لهم:
{{ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45}} البقرة.
أما نحن فقد نادى علينا بأجمل وأرق وأرقى الألقاب وأحسن الصفات.. يا أيها الذين آمنوا...
ثانيا: أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نستعين بالصبر والصلاة مع التأكيد بأن الله مع الصابرين... إذا فالصبر والصلاة تدخلنا في معية الله العلي العظيم... والله سبحانه وتعالى مع كل الناس بعلمه ورحمته، ولكنه مع الذين آمنوا معية خاصة يرحمهم ويعينهم ويخرجهم من الظلومات إلى النور، ويباهي بهم ملائكته، ويدرأ عنهم كل سوء، يريح بالهم ويذهب عنهم كل السوء.
ثالثا: ما من مسلم موحد بالله ألا ويعرف قيمة الصلاة... وكنت أتمنى أن أكتب عن الصلاة أولا لكي نعرف قيمة الصبر، ولكني فضلت أن أبدأ بما بدأ به الله سبحانه وتعالى .. فهيا بنا نعيش مع آيات الصبر ولو قليل من الزمن:
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ(17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) البلد.
عليك أن تؤمن بالله أولا.. وهذا الإيمان سيحتاج منك صبرا جميلا.. فتصبر على المعاصي فلا ترتكبها، وتصبر على شهواتك فلا تطاوع نفسك، وتصبر على مشقة الطاعة حتى تتذوق حلاوتها، فإذا ما حملك صبرك إلى الإيمان بالله، وحملك الإيمان إلى تذوق حلاوة الطاعة، فإنك حتما ستوصي كل من تحب بالصبر، فيشعر من أوصيته بأنك رحمته بأن عرفته قيمة الصبر، فيوصي هو بدوره من يحب من أهله وأصدقائه وعشيرته، وبذلك تتحقق الآية التى تكلم فيها مولانا بصيغة الجمع وتواصوا.
أنا لا أفسر القرآن ... ولكني أعرض على حضراتكم خواطري التى تسكن قلبي بعد سماع الآيات وتدبرها، وهيا بنا نواصل رحلتنا مع آيات الصبر...
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
{ قال العلماء عن هذه الآية أنها لو كانت بمفردها في كتاب الله لكفت الناس } ففيها المنهج الإسلامي كله. }
يبدو لي من الآية أن الله سبحانه وتعالى قد ألزمنا بأن نوصي بالصبر... تدبر معي الآية أخي في الله... يقسم الله بالعصر{أي بالزمن }أن الإنسان في خسر.. إلا إذا آمن.. وعمل صالحا.. ثم تواصوا بالحق... أن تتبع الحق وتوصي به لأنك عرفت قيمته، ثم توصي بالصبر لأنك به وصلت لمعرفة الحق.
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) المزمل...
إذا ما سمعت ما يزعجك أو يغضبك، فاصبر وأهجرهم إلى الله، ولكن هجرا جميلا، أي بطريقة ظريفة وبأدب يليق بالمؤمن التقي الذي يخشى الله.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)الأنفال.
يساورني إحساس بأن هذه الآية الكريمة تحدثنا نحن أبناء هذا العصر... بعد أن تشتت أفكارنا.. وذهبت ريحنا... وتفرقنا... وأصبحنا لا ندري من على الحق ومن على الباطل... وتأتي الإنتخابات ولا نرى ضمن المرشحين من يصلح.. ومن نراه صالحا لا يرشح نفسه... إذا فعلينا أن نطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم... نكثر من الصلاة... ونقرأ سيرة نبينا العطرة ونتبع سنته، التى هجرها كثير من الناس، ثم ندعوا الله كثيرا أن يولي علينا من يخافه ويرحمنا.
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) لقمان.
الآن وصية سيدنا لقمان لإبنه.. الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم الصبر على ما أصابنا، إن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالتأكيد سيصيبه من الناس يجعله في حاجة إلى الصبر.
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)هود.
هنا الصبر إحسان.. الصبر يجعلنا من المحسنين، الذين ضمن لهم الله سبحانه وتعالى أجرهم .
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران.
الصبر يدخلنا في محبة الله... فإن الله يحب الصابرين... هل تتخيل أن يحبك الله... هناك حديث قدسي كلكم تعرفونه عن حب الله لعبده.ولكن هل تصورنا لحظة ما المقصود من الآية في عصرنا هذا؟ ليس بيننا النبي لنقاتل معه، ولكن بما إننا من المفروض أن نكون ربانيون، فنحن مطالبون بأن يكون النبي وسنته وسيرته العطرة في قلوبنا في كل لحظة.. صلى الله عليك وسلم يا حبيبي يارسول الله.
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) الحج.
أرأيت أين هي مرتبة الصابرين؟ إنها في المرتبة الثانية.. بعد الذين وجلت قلوبهم من ذكر الله وهذه هي أعلى درجة إيمانية، تأتي بعدها مرتبة الصابرين... فهنيئا لمن صبر على ما أصابه واتقى .
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) الصافات.
هذه الآية الكريمة لها وقع جميل في نفسي، عندما أقرأها يزداد حبي وتقديري لسيدنا إبراهيم، إنه نموذج فريد من البشر، ودرجته ومرتبته عند الله يعرفها الجميع،{ فهو عليه السلام خليل الرحمن }.. ولك أن تتخيل كيف كان الصبر رفيقه في حياته كلها...
هذه القصة العظيمة هي من أجمل قصص االمحببة إلى نفسي، وبها كثيرا من الحكم والمواعظ.. ومواطن الخير.. لذلك ربما تحدثت عنها في وقت آخر إنشاء الله .
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) هود.
ينهانا الله سبحانه وتعالى أن نركن، أي نعتمد على الذين ظلموا، أيا كان اسمه وصفته ونعته، طالما أنه ظلم فابتعد عنه، لا تتخذه صديقا ولا خليلا، ولا تشاوره في الأمر، ولكن أجعل الله وليك وتوكل عليه، ثم يدلنا المولى عز وجل على الطريقة المثلى لكي تذهب عنا السيئات، ونكتسب بها الحسنات، وبذلك فتذهب عنا الإبتلاءات، وهي أن نقيم الصلاة طرفي النهار وقليلا من الليل.وكل ذلك بأن نصبر فنكون من المحسنين ولنا من الله الأجر العظيم، لأن العظيم أجره عظيم.
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)القصص.
ثواب الآخرة هو نتيجة للصبر... في جميع مراحل حياتنا نحن في حاجة للصبر.. وهو في النهاية يوصلنا إلى خير ثواب من رب العالمين.
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر.
وفي هذه بشرى جميلة من رب العالمين للذين به آمنوا وكانوا من المتقين... تقوى الله هي أقرب الطرق للحصول على محبة الله.
وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
سأكتفي بهذا القدر من الآيات ليكون ختامها مسك... اللهم اختم لنا بحبك للصابرين... وادخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا...وهب لنا من الصالحين... وتوفنا ربنا لك مسلمين الوجه والدين، آمين يارب العالمين يا أكرم من سٌئل يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين.
04/05/2012
ساحة النقاش