البصيرة
حكمة اليوم للدكتور محمد راتب النابلسي
إذا حجب الإنسان بصره عن المحرمات، كشف الله عن بصيرته فإذا أطلق بصره حُجب عن بصيرته.
****
البصيرة شيئ عجيب داخل الإنسان.. وهي لا تعمل عندما يكون القلب مشغولا بأمور الدنيا، لأن البصيرة لها طبيعة نورانية في منتهى اللطف، والأشياء المادية بطبيعتها كثيفة جدا، فعندما ينشغل القلب بالماديات يحجب البصيرة.. تتوقف عن العمل...
والبصيرة عندما تعمل فهي كالنسيم ... أو كضوء الشمس عند الشروق، أو هي كالشعاع الضئيل، فإذا ما أطل في نفس الإنسان وأنتبه له، وأعاره أهتمامه، يبدأ هذا الشعاع يكبر ويقوي رويدا رويدا... حتى يصير كشعاع البصر... عندها يستطيع الإنسان أن يرى حقائق الأشياء ولو كانت مغلفة بألف غلاف زائف، وهكذا كانوا أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..
والبصيرة ليس لها حدود..فهي تصل لأي مكان تتواجد فيه الحقائق، وقد سمح الله لغير المؤمنين أن يكتشفوا ذلك بالبحث والتجارب، وأنا أتكلم عن أهل هذا الزمان، لأن في الماضي كان الصحابة يعيشون ببصيرتهم وفطرتهم النقية الطاهرة.. أما الآن فنحن نعيش بقلوب تكاد تكون في عداد !!!!!
لذلك نجد كل حين بحث يأتينا من الغرب عن القدرات العجيبة الكامنة في الإنسان، ... وسأكتب لكم آية قوية وجميلة تثبت هذا:{{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) }} الأنعام
هل أنتبهتم لما تحته خط. نورا يمشي به في الناس .. أي في داخل الناس.. يرى الإنسان فيعرف ما بداخله...أقصد يعرف إن كان صالحا أم طالحا، يعرف إن كان صادقا أم كاذبا، وهذه الخاصية عند كل مؤمن على حسب قدر إيمانه وقربه من الله... لذلك وضع لنا المولى عز وجل وصايا ونداءات لنصل بهما إلى مستوى العبد المؤمن الرباني المخلص لله الذي إذا دعاه أجابه وإذا إستعاذ بالله أعاذه وإذا أقسم عليه أبره.
وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف.
الآية قوية ونافذة وعميقة... وقد شرحها الدكتور هدايا... وإني أرى فيها العجب، يقول المولى عز وجل:{ وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } نمر على الآيات ولا نلتفت لها.. نعرض عنها لأننا مشغولين بشيئ آخر، الآية قوية ومحتاجة أن نتدبرها..
ثم يقول المولى عز وجل:{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } وكأني أرى الشرك هو غمامة على بصيرة المؤمن!!! أولا المولى عز وجل يحدثنا عن أناس آمنوا بالله ولكنهم مشركين، أي ليس إيمانهم خالصا لله رب العالمين.. هم مؤمنين ولكنهم أشركوا بإيمانهم شيئ معين، هذا الشيئ يجعل بصيرة الإنسان معطلة، ومن رحمة الله بنا يحذرنا من أن تصيبنا غاشية من عذاب، أو تقوم الساعة..
ثم يدلنا المولى عز وجل على الطريقة المثلى التى إتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ومن معه... فيقول : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِعَلَى بَصِيرَةٍأَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَامِنَ الْمُشْرِكِينَ} أدعو إلى الله على بصيرة.. البصيرة لا يمكن أن تخدع .. إنما البصر أحيانا ترى ماليس له وجود كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء.. إنما البصيرة ترى بها الحقائق مجردة...
ثم يقول المولى عز وجل : { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}لأن البصيرة لا تعمل عندما يكون هناك شرك .. لذلك قال الله عز وجل في وصاياه، وتحديدا في الوصية الأولى، ألا تشركوا به شيئا .. فبدون الشرك بالله تعمل البصيرة بكامل قواها..
هذا والله أعلى وأعلم .
اللهم ربنا ورب الناس ملك الناس إله الناس ندعوك اللهم بأسمائك الحسنى كلها، وندعوك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وندعوك اللهم باسمك الرحمن الرحيم الغفور أن تطهر قلوبنا من الشرك وتنجينا منه، وتعيذنا في باقي ما كتبت لنا من عمر من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه.. إنك أنت الغفور الرحيم .. آمين آمين ورحم الله من قال آمين.
ساحة النقاش