بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ...
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
بما إننا تكلمنا عن النمل ... فاليوم يأخذني الحنين إلى الطير... وفي الطيور أشتهر طائر بحكمته وذكائه وقوة ملاحظته، وبنظرته الثاقبة التى يصل بها إلى حقائق الأمور، وهو محنك لا تخدعه زينة المتزينين، ولا يخشى إلا الله..
وهو بعد ذلك أمين على ما عنده، مطيعا بما لا يخالف دينه، عرف الحق واتبعه، ونكر الباطل واجتنبه، هو في الطيور مثالا، وفي التاريخ خالد، ومن رب العالمين ظاهر، وللحق محب، وللخبأ يعرف من يخرجه، وله من الأسماء ما فيه كل التدليل، فجل من سماه، وفي كتابه أخلد ذكراه، إنه الهدهد...
ليتنا كلنا نكون مثل الهدهد في ذكائه وأمانته وحكمته وشجاعته... فهيا بنا نستمع إلى قصته في كتاب الله العلي العظيم ...
يطير من فلسطين إلى اليمن.. مملكة سبأ... يرى عجبا... قوما تملكهم إمرأة.. ولها عرش عظيم، وجدها هي وقومها يسجدون لغير الله .. يسجدون للشمس، تعجب وأنكر عليهم ذلك.. وقبل أن يطير بنا الهدهد إلى الملك سليمان عليه السلام، هيا بنا نتفقد ما ألم به الهدهد، وشعوره وإحساسه وحكمه على هؤلاء الذين للشمس هم عابدون..
لقد رأيى بلدا أغدق عليه الله من كل النعم، فظل يتتبع الهدهد تلك النعم من شجرة إلى شجرة، ومن بستان إلى بستان، ثم مكث وقتا كافيا جعله يتعرف على من تملكهم وهي إمرأة، ثم رآهم يسجدون للشمس، وبالتأكيد عرف أن لها جيش كما عرف قصة عرشها...
عاد مسرعا بكل ما يحمل من أخبار، عاد مسرعا إلى مليكه.. وإنني لأتصور أن زملائه من الطيور قد أخبروه بأمر سيدنا سليمان، أتصورهم يقولون له لقد سال عنك الملك، وهو غاضب لغيابك وقد توعدك، ولكن الهدهد لم يبالى، بل ذهب مباشرة إلى الملك سليمان، ملك الجن والإنس والطيور، ومكث غير بعيد..
لم يرتعد، ولم يفكر في كذبة تخلصه من المأزق، فهو لم يكن في مهمة رسمية، ولكنه كان فقط يتفقد المملكة، وهو يعرف سلطان الملك، ويعرف حزمه، ومما لا شك فيه أن الطيور أخبروه بأنه سيذبحه، ولكن رغم كل ذلك هو عنده من الحق والإتصال به ما جعله قويا عزيزا لا يخاف في الله لومة لائم ...
ونرى ذلك في رده على الملك، ملك الجن والإنس والطيور.. قال له لقد عرفت ما لم تعرف أنت، {على فكرة لا أريد أن أذكر نص الآية حتى لا يعتقد البعض أنني أفسر القرآن }قال الهدهد لقد عرفت ما لم تعرف أنت بكل مالك من سلطان وجنود وخدم وحشم، ثم قص عليه ما رأى..
فكلفه سيدنا سليمان أن يحمل إليهم رسالة... يخاطب فيها هؤلاء القوم... وحتى لا يفقد هيبته وسلطانه عند الهدهد فقد ذكره بأنه لو كان من الكاذبين فله عقاب...
لقد خلق الله الإنسان بيديه سبحانه، وأسجد له ملائكته، وسخر له كل ما في الكون، ألا نكون مثل الهدهد في ذكائه وحرصه على دينه ومعرفته للحق وغيرته على دينه؟ لقد جعل له الله جناحين وفطرة وعينين، فانظر فيما استخدمهما؟ لقد كان سببا في دخول مملكة عظيمة في الإسلام.. الملكة والجيش والشعب.. كلهم أسلموا!!!!
أما نحن بني البشر.. فقد تسببنا في أن يكره العالم كله الإسلام، بسبب تصرفاتنا وأسفافنا، متى سنفيق؟ هل تعرفون لماذا ضللنا؟ لأنه وحتى الآن لا يوجد من إنتبه إلى نداءات ربه في كتابه والتى بلغ عددها 88 نداء...ينادي الله { يا أيها الذين آمنوا 88 مرة ولا حياة لمن تنادي }.
هل تعرفون لماذا نحن منقسمين ومفككين ومضطهدين؟ لأننا هجرنا وصايا ربنا والتى هي الدين كله.. والتى هي قوام الحياة.. والتى هي حبل النجاة... خمس وصايا يختمها الله بقوله { ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ونحن عن ذلك غائبون.. لقد أكتفينا بما لدينا من شهادات دنيوية، ونفعها موقوت ومحدد بحدود أعمارنا..
لم نهتم بالحصول على لقب عاقل من مالك الملك العزيز الجبار المتكبر... كما لم نهتم بأن نكون من الذاكرين المتذكرين المذكرين بأمر الله، وذلك بإعراضنا عن قول ربنـــــــــا{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }.
حتى عندما عرفنا بصراطه المستقيم.. وأمرنا أمرا قاطعا وحازما بأن نتبعه، ثم أمرنا أمرا قاطعا وحازما بأن لا نتبع السبل.. فلم نهتم ولم ننفذ الأمر ولا النهي، ثم ختم وصاياه بواحدة قاضية حاسمة ونهائية، بقوله سبحانه: { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }، أيضا لم نهتم ... ولننظر إلى المسلمين الآن في كل مكان...
أعجزنا أن نكون عند الله الذي خلقنا وأسجد لنا ملائكته، أعجزنا أن نكون مثل الهدهد؟ نطير بجناحي الخوف والرجاء، في جميع أنحاء الأرض، ثم نعود إلى أوطاننا محملين بالعلم والخبرة والتجربة، فنجعل كل ذلك في خدمة مجتمعنا؟ هذا ما فعله الهدهد... لقد طار بعيدا نظر وفحص وجمع المعلومات ثم عاد بها إلى وطنه فوضعها بين يدي مليكه...
أعجب لمن سافر لتحصيل العلم ثم مكث معهم يخدمهم حتى آخر قطرة في حياته.. وأهله وبلده في أشد الحاجة لتخصصه...
متى ستأخذنا الغيرة على بلادنا وعلى ديننا وعلى أهلنا ومجتمعاتنا؟ متى سنلبي نداءات ربنا؟ متى سنعتبر أن المؤمنون أخوة فنصلح بينهم؟ متى سنعود إلى الله تائبين نادمين مستغفرين؟؟ ماينفعش نعبد الله وحدنا... لأنه نادانا بيا أيها الذين آمنوا ثم وضع لنا المنهج.. فلابد أن نذهب إليه كلنا طائعين موحدين ملبين نداءه.
هل تعرف بماذا يأمرك ربك في أول نداء للذين آمنوا؟ يأمرك بأن تنتمي لفريق المؤمنين أولا.. ثم يأمرك أن تترفع وتتنهزه عن كل أسلوب في الكلام ملتوي، يأمرك بأن تتأدب مع رسول الله وتعتبره قائما بيننا بسنته وتعليماته وسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم..
يأمرك بالسمع والطاعة لله ورسوله ولكل من يتولى أمرك مادام في طاعة الله...
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) البقرة.
هذا أول نداء .. وبتطبيقنا له نكون قد إتخذنا أول خطوة نحو تنفيذ الوصية الأولى وهي عدم الشرك بالله... فتليتك لنداء ربك هو أكبر دليل على إيمانك به وعدم الشرك به سبحانه...
لو نظرنا في { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } لوجدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي أمر ربه بالنداء علينا نحن أبناء هذا العصر، أتصوره وهو يقول لنا: يا أهل هذا الزمان... زمان الفتن والعصيان.. زمن أصبحت النساء فيه .... ياأيها الناس تعالوا عن ما أنتم فيه من ضياع وتخبط في الأوهام.. تعالوا عن المعاصي وعن الظلم والكفر والشرك والعصيان، تعالوا عن الكلمات البراقة التى ليس من ورائها إلا الخراب، تعالوا لأقول لكم ما حرم ربكم عليك ..
ربما سرحت بخيالى بعيدا... ولكن أعذروني فأنا أراه نداء من الله يقول لنا تعالوا.. كلمة تحمل معنى هلما إلى.. وأيضا تحمل معنى تعالوا أي ارتقوا وتعالوا عن الإسفاف.. لقد جعل المولى عز وجل كلمة ذلك وصاكم به... في ثلاث مراحل... لكي ننتبه... مرحلة لنكون عاقلين... نعقل ما يأمرنا به الله
ومرحلة لنكون ذاكرين متذكرين ونذكر بها الناس.. ثم المرحلة الأخيرة والتى بها ندخل في زمرة المتقين والذين على صراط ربهم يسيرون،
ليت نداء الله ووصاياه تصل إلى قلوب شباب المؤمنين.. فهم الثروة الحقيقية والقوة المحركة لنهضة الشعوب... ليت كل من عنده ولد أو بنت أو طالب أو جار أو أب أو أم أو أخت، ليته يوصل إليه وصايا ربه ونداءاته...
ر
ساحة النقاش