إبراهيم أحمد

الأسرة، المعرفة، الحياة

من أقوال سيد قطب: إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها العذاب إلا بأن تنفصل عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله بقيام دار إسلام تعتصم بها ولا تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت في جاهلية.

كلمات كتبها سيد قطب تحت وطأة التعذيب و السجن و المهانة كانت السبب الرئيسى لنشأة الفكر التكفيرى و التطرف الدىني فى العصر الحديث. العذاب الذى عاناه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى السجون فى أواخر الخمسينات و الستينات دفعهم إلي الإعتقاد أن من يفعل هذا بمسلمين أبرياء غايتهم الحكم بما أنزل الله، من ينكل بهم و يعذبهم بهذه الطريقة البشعة هو لابد كافر، حتى "وإن ظل فريق منهم يردد على المآذن لا إله إلا الله" كما قال سيد قطب.

يقول فريد عبد الخالق أحد قادة الاخوان المسلمين: ألمحنا فيما سبق الى أن نشأة فكر التكفير بدأت بين بعض الإخوان فى سجن القناطر فى أواخر الخمسينات و أوائل الستينات و انهم تأثروا بفكر الشهيد سيد قطب و كتاباته فأخذوا منها أن المجتمع فى جاهلية و قد كفر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما انزل الله ومحكوميه اذا رضوا بذلك.

يقول القرضاوى احد كبار تلاميذ سيد قطب و هو رافض لظاهرة الغلو فى التكفير: فى هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد سيد قطب التى تمثل المرحلة الاخيرة من تفكيره التى تنصح بتكفير المجتمع وتأجيل الدعوة الى النظام الاسلامى.

 

و انقسم الإخوان المسلمون على أنفسهم، منهم من يقتنع بأفكار سيد قطب التكفيرية كما فهموها منه، و منهم من رفضها و منهم من اقتنع بالتكفير مع عدم الجهر به حتى التمكين. و ظهرت العشرات من الجماعات التكفيرية من رحم جماعة الإخوان و العجيب ان بعضهم كفروا بعضهم بعضا.

تكمن خطورة هذا الفكر التكفيرى في استحلال دم و مال الكافر بل و تكفير من ينكر كفرهم،  و استحلال الكذب و النفاق و غيره من المعاصى إذا كانت فى سبيل الله! و من هنا جاءت العمليات الإرهابية و قتل المدنيين المسالمين كما فعل تنظيم القاعدة و جماعات التكفير و الهجرة.

و حتى وقتنا الحالى يوجد فى الإخوان المسلمين من هو مقتنع بالإقصاء و الإنعزال عن المجتمع حتى تتمكن الجماعة و يحل "دار الإسلام" مكان دار الجاهلية و الكفر. و منهم من ترك الجماعة نفورا من نزعاتهم التكفيرية و منهم، و هم الأخطر، من لا هم له سوى استخدام التنظيم الخاص بالجماعة لأغراض سياسية و تنفيذ مخططات هيمنة هى أشبه بالنظام العالمى الجديد و لكن بعباءة إسلامية تستحل و تبرر الوسائل فى سبيل الوصول إلى الغايات.

يخطئ من يعتقد ان الفكر التكفيري هو فكر إسلامي لان الفكر التكفيري عبر التاريخ ظهر لدى الخوارج و غيرهم من الفرق الضالة لاغراض سياسية، فاستحلوا دماء الصحابة رضي الله عنهم وقتلوا الخليفة الراشد علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.

الفكر القطبى التكفيرى يدعو إلى اعتزال المسلمين و هو مخالفة صريحة لمبادئ الدين الإسلامي، فقد قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}، وقال تعالى: {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون}، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وبارك عليه أوصى حذيفة ـ رضي الله عنه ـ أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم عند ظهور الفتن والشر، قال حذيفة: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟، قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها".

إن الدعوة تفقد معناها إذا تفرق ديننا و أصبحنا شيعا، كل فريق يدعوا إلي مذهبه! أي دعوة تلك عندما يصر كل فريق إنهم هم الفئة المنصورة و الباقى في جاهلية و ليسوا علي شيئ.

لذلك يجب أن ننبذ أى جماعة أو فرقة تميز نفسها عن باقى المسلمين و أى مجتمع ينغلق على نفسه على أساس مذهبى أو دينى لأن ذلك مخالف لما أمرنا به الله عز و جل.

أما المؤسف حقا، هو أن تكون مصر هى من أخرج للعالم هذا الجهل و التخلف و الإرهاب و الظلام فى العصر الحديث.

المصادر:
كتاب: فى ظلال القرآن - سيد قطب
كتاب: التكفير و ضوابته - إبراهيم الرحيلى
كتاب: ظاهرة الغلو فى التكفير - الشيخ يوسف القرضاوى
كتاب: سر المعبد -  د. ثروت الخرباوى

المصدر: إبراهيم أحمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 642 مشاهدة

الترجمة

عدد زيارات الموقع

799,755