فى الجزء الأول من المقال تحدثت عن اختبار الرجولة و متى يتحول الشاب إلى رجل و استعرضت مشاكل أسرية سببها غياب أوجه من قيم الرجولة من بعض الرجال. و فى الجزء الثانى هذا أرسم لنفسى طريقا محددا مكون من 14 خطوة - من وجهة نظرى الخاصة جدا - هو الطريق للوصول إلى الرجولة الكاملة.
لا أدعى المعرفة عن موضوع كبير مثل "قيم الرجولة" و لكننى بحثت فى أنواع المشاكل التى يعانى منها الأسر من الأهل و المعارف و الأصدقاء و انتقدت تصرفاتى الشخصية و أوجه القصور فى نواحى مختلفة من شخصيتى و تأملت سلوكيات الرجال فى العمل و المجتمع المحيط بى. و حددت لنفسى طريقا هو بمثابة خريطة للوصول إلى تمام الرجولة و كانت النتيجة هذه القائمة المبدئية لما أسميه بقيم الرجولة:
1) القوامة: دور الرجل الرئيسى هو القيام بواجباته فى إعالة أسرته و توفير الأكل و الشرب و الملبس و المسكن، و كافة سبل و مقومات الحياة من رعاية صحية و تعليم و غيره.
2) القيادة: إذا كان دور المرأة الرئيسى هو رعاية الأطفال و ذلك يحتاج إلى عناية خاصة بدقائق الأمور و الاهتمام بالتفاصيل الحياتية اليومية, فإن الرجل يكمل الصورة باهتمامه بالخطوط العريضة و إعداد خطط و رؤية مستقبلية لما يريد أن تكون عليه أسرته. الرجل هو ربان سفينة أسرته و هو الذى يقود السفينة لوجهتها الصحيحة.
3) الإقدام: لا تسأل إمرأة أن تغامر، و لا تسألها أن تهجر ما تعودته و تربت عليه، المرأة خلقت لكى "تحافظ"، و إن اتصفن بعض النساء بالإقدام فهن الإستثناء، أما الرجل فهو الشجاعة و المغامرة و الإقدام، تلك من شيم الرجولة بالطبع. يحتاج الرجل لتحقيق أحلامه و أهدافه إلى المغامرة، يحتاج الرجل ألا يخاف أن تطأ قدميه أرضا جديدة تمكنه من تحقيق أحلامه. و لا ننسى أن الإقدام و الشجاعة تحتاج إلى صفات أخرى لكى لا تجنح إلى التهور. و هى العقلانية.
4) العقلانية: إذا تخلص الرجل من الأنانية الصبيانية و تحلى بالموضوعية و النضج و سنوات الخبرة والحكمة، أصبحت العقلانية فعلا فضيلة نحتاجها جميعا رجالا و نساءا فى الرجل. نرى الكثير من الرجال تنقاد وراء الجموع الغوغائية دونما تعقل أو تفكير مما يؤدى إلى الفتنة و المشاكل. نرى فى كثير من المشاكل الأسرية أن تنساق الأسر وراء النساء و تتفاقم المشكلة لميل النساء - حتى الفاضلات منهن - إلى النظر إلى الجانب العاطفى أو المادى للمشكلة و هو ميل غير موضوعى و كم من مشاكل سيتم حلها حتما إذا تواجد رجل ذو حكمة أو شيئ من العقلانية ليقوم بدور كبير الأسرة و يكون له الرأى الفيصل فى المشكلة و لكن هل يوجد الكثير من ذلك الرجل الآن؟
5) الحضور: بمعنى تواجد الرجل بشخصه، لماذا يغيب الرجل عن بيته و يقضى الوقت مع أصدقاءه أو فى العمل ليلا نهارا، أو سفره إلى الخارج بدون أسرته. أو حتى متواجد بجسده و لكن مغيب ذهنيا بإنشغاله فى متابعته المستمرة لمباريات الكرة و التحليلات الرياضية! أو أن يغيب بسبب إدمان مخدر أو إدمانه على العمل أو غيره. يجب على الرجل أن يكون حاضرا بجسده و عقله و مشاعره وسط أسرته من أجل زوجته و أبناءه.
يجب على الرجل أن يكون حاضرا فى فراشه مع زوجته ليس بجسده فقط و إنما حضوره بمشاعره كزوج محب و صديق يضيف المرح و اللهو المحبب و المطلوب لجعل العلاقة الزوجية دواءا يعالج به كل ما يصيب الزوجين من مشاحنات و احتكاكات ناتجة من ظروف الحياة اليومية.
7) التعاطف: لأن التعاطف فى الأساس صفة طبيعية فى المرأة و هو بالتأكيد ليس عيبا، فضلت أن يكون التعاطف أيضا قيمة و فضيلة مطلوبة لإتمام الرجولة. لا يفهم بعض الرجال بطبيعتهم قيمة التعاطف. لأسباب مجتمعية يعتبر التعاطف وإظهار المشاعر عموما من نقائص الرجولة. "أنت رجل، لا تبكى"، "أنت رجل، جمد قلبك"، و كأن استخدام القلب و تفهم المشاعر و رهفة الإحساس مشينة للرجولة، و هذا ليس صحيحا، ليس بالضرورة أن يكون مرهفا بطريقة مبالغ فيها، ولكن لا عيب أن يستمع الرجل لمشاكل زوجته و يشعر بها، و لا يعيب الرجل الوالد أن يتحمل ابنه الصغير و يستوعب غضبه بالحنو و الحلم بدلا من الصوت العالى و التعدى بالضرب.
8) الحياء: الحياء فى غاية الأهمية لتقويم الرجل و منعه من الإضرار برجولته. لا أعلم كيف لا يستحى بعض الرجال من النميمة و نقل الأخبار و الشائعات. لماذا لا يستحى بعض الأزواج من تجبرهم على زوجاتهم و الاستقواءعليهم؟ لماذا لا يستحى رجل من الظلم و أكل مال اليتامى و إرث النساء كرها؟ نعم، الرجال حقا، تستحى من الأفعال الخسيسة و المشينة التى تطمس رجولتهم.
9) المثابرة: مثل قيم الرجولة الأخرى، المثابرة ليست حكرا على الرجال و لكن لا يمكن لرجل أن يقوى و أن يستحق رجولته بدونها. المثابرة قيمة متأصلة فى الرجولة. الرجل يجب أن يكون مثابرا فى عمله ليتفوق، مثابرا فى أدواره كزوج و أب، تكمن قيمة المثابرة فى كونها مكونا رئيسيا ليصل الرجل إلى أهدافه. و لا يوجد رجلا حق لا يستطيع الوصول إلى أهدافه. إن لم يتمكن الرجل فى الوصول إلى ما يريد بالمثابرة و قوة الإرادة لن يشعر برجولته.
10) الصمود: فى الوقت الذى تنهار فيه النساء عند الشدائد يحدث العكس عند الرجل. الرجل عنده خاصية التغلب على مشاعره و تحييدها مؤقتا حتى يتسنى له التفكير بموضوعية. و الصمود ليس فقط فى التفكير بعقلانية و إنما أيضا بمعنى الثبات و هو أن تصمد أمام العاصفة صلبا و متحكما و متزنا.
فمثلا الزوجة تريد من زوجها أن يتحمل انفعالاتها و ثورتها و تتوقع منه أن يثبت و يعطيها فرصة للفضفضة دون أن تشعر هى بعدم الأمان أو خوف من ثورة مضادة من زوجها لها.
يتوقع الطفل من أبيه أن يراه صامدا كالجبل، فهذا يعطيه شعورا جميلا و مطلوبا بالأمان.
11) الاستقلالية: لا يستقيم مفهوم الرجولة دون استقلالية، بمعانيها من استقلال مادى و معنوى و حرية و عدم الإتكالية على أى شيئ، فلا رجولة مع إدمان. إدمان المخدرات مثلا، إضافة على تغييب العقل و حرمان الرجل المدمن من قيم مثل العقلانية و الحضور، فإن إدمان المخدر يشعره بالذل و يطمس ملامح رجولته تماما. إدمان أى شيئ يشعر الرجل بالتبعية و الذل و ذلك غير مقبول على الإطلاق.
الإستقلالية بمعنى عدم الإعتماد الكلى على الزوجة فى إعداد الطعام أو تحضير الملابس أو غير ذلك من الأمور التى كانت أمهاتنا تقوم بها على رعايتنا و نحن أطفالا صغار، يجب أن يقدرالزوج ما تفعله الزوجة من إعداد الطعام و نظافة البيت و غسيل الملابس و غيرها من الأعمال و لكن حقيقة، الزوجة ليست مطالبة بذلك، و على الزوج عدم التذمر إذا تقاعصت بسبب التعب أو الإنشغال بأمور أخرى أهم. حق الرجل فى إمرأته - و هو حق لا تهاون فيه - هو أن تربى الأولاد و أن تراعيه فى حقوقه كزوج والحفاظ على ماله و شرفه و بيته، و هما الدوران الأساسيان للزوجة ويكفيها تأديتهما على الوجه الأمثل، أما ما عدا ذلك فهو تفضلا منها بمشاركتها فى بناء المنزل و رعاية الأسرة و يجب على الزوج شكرها على ذلك و بدلا من التذمر عليه أن يقوم بالمساعدة إن لم يكن مشغولا بدوره فى أمور كسب العيش أو أن يوفر لها من يقوم بالأعمال المنزلية إن كان قادرا ماديا على ذلك.
الإستقلالية بمعنى عدم احتياج الرجل إلى التصديق على رجولته من قبل أى شخص آخر و بالأخص من إمرأة. تقييم الرجل لرجولته ينبع من محاسبته و تقييمه الدائم لذاته، و يجب ألا يسمح الرجل لأى شخص أيا كان بالتشكيك فيها.
يجب على الرجل أن يترك تلك العادة الصبيانية "إنظرى يا أمى كم أنا جيد؟" أعلم أننا كرجال نحب التفاخر و لكن، و لأسباب يصعب على تعليلها بصورة مقنعة، يجب ألا نترك تقييم الرجل فى يد إمرأة، لا أعلم و لكن لم أجد إمرأة حتى الآن تشيد أو تمدح - بصدق و موضوعيه - رجولة من تحب أمامه فهذا ضد بمبادئهن. النساء يشعرن بقوة عندما يلجأ الرجال إليهن سائلين رضاهن. و يردن أن يحاول الرجل مرارا أن يرضيهن. صدقا، لا أشعر أن ذلك يستحق العناء. فقط على الرجل أن يفعل ما يراه صحيحا ليرضى نفسه و ليكون رجلا أمام نفسه و ليس لأجل أى شخص آخر. هذا كفيل باحترام الآخرين له.
12) الزهد: الإسراف يقتل الرجولة، يوجد شيئ ما فى زهد الملذات يُشعر الرجل بتحكم كامل فى نفسه، أن يملك الرجل شهواته و رغباته و يسيطر عليها، يجعله يشعر بالنصر على أصعب عدو له، و هو "نفسه". و يعطى الزهد الرجل استقلالية و حرية مطلوبة و ضرورية للرجولة.
الترف و التنعم يحمل فى طياته النعومة و الرخاوة و هذا يضعف الرجولة. أما الزهد فهو يرهف الحس، و يشعل الهمة.
على الرجل أن يحذر من زوجته، "أقصر طريق إلى قلب زوجك معدته" هى استراتيجيه موجهه لضرب الرجولة فى مقتل. تخدير الحس بالإمتلاء المسبب للوخم و الكسل. و الإحساس بالسعادة الزائفة بوجبة دسمة ثقيلة تجعل الرجل غائبا متعبا و مخدرا. على الرجل أن يأكل جيدا دون إسراف.
الزهد لا يعنى الرهبنة، على العكس، الزهد يحافظ على شهية الرجل فى الطعام و المعاشرة الزوجية و الاستمتاع بالحياة. و تشذيب شهواته و شحذها أيضا. سيعجب الرجل عندما يعلم كيف يمكنه الاستمتاع أكثر و أعمق عندما يتحكم فى شهواته و يصيب منها ما يشاء دون التأثير سلبا على صفاته الرجولية الأخرى. بل و دون أن يفقد شهيته، هل جرب الرجل أن يأكل حتى يرضى ويقوم من الطعام و ما زالت شهيته سليمة. هل جرب أن يستمتع بلقاء مع زوجته و لا تفتر بعده شهوته فيبقى دائما محبا لها راغبا فيها. إنه شعور رائع بالإكتفاء و الإشباع و القوة معا.
13) النظام: أن تضع لنفسك نظاما و تلتزم به مدى الحياة هو الرجولة بعينها. أن تصحى قبل شروق الشمس فى الفجر كل يوم لتصلى الفجر جماعة. المواظبة على الاتصال الدائم بالأهل و الإطمئنان عليهم و صلة الرحم عبر الزيارات الدورية الدائمة و الاتصال عبر الهاتف. القيام بأعمال خيرية لوجه الله حتى و لو قليلة و لكن دائمة و مستمرة. أن تكفل يتيما و تقوم بزيارته و القيام على حاجته بصفة دورية دون انقطاع. أن تضع نظاما لجدولة المهام اليومية و الاسبوعية و القيام بها دون إخلال. لا أخفى اعجابى بصفة شخصية بهذه الفضيلة، و توقى الدائم إلى الإلتزام بنظام صارم فى حياتى هذا لأنه يوفر على التفكير فيما يجب فعله بعد ذلك، لا حاجة للتفكير فكل شيئ مرتب و معد مسبقا. هذا يساعد الرجل على التركيز. كل الرجال العظماء كان لديهم نظام فى حياتهم و كانوا يلتزمون به و لا يحيدون عنه.
14) القوة البدنية: نعم، ليس بمقدور الرجل أن يكون ضعيفا، القوة تزين الرجل، بطريقة غير مبالغ فيها، قوة لا تقاس بحجم العضلات و إنما قوة الثبات و الجلد و قوة التحمل، و اللياقة البدنية. ممارسة الرياضة يوميا ولو تمارين رياضية بسيطة مثل "القرفصاء" و "الدفع"، هى تمارين تزيد من نشاط الرجل، و تجعله يحافظ على لياقته و تزيد من معدل حرق الدهون فى جسمه، علاوة على زيادة الكتلة العضلية و تأثير تلك التمارين على زيادة هرمون التستوستيرون و هو هرمون الذكورة. الرجل لديه هوس طبيعى بذكوريته، لا يجب أن نخجل من ذلك و لا أن نبالغ فيه. لذلك يجب الحفاظ على توازن طبيعى فى الأكل و النوم و العمل و الراحة لضمان صحة الرجل و تمتعه بالنشاط و التركيز اللازم لعمله و حياته.
تلك هى خريطة قيم الرجولة كما بنيتها لنفسى، وقد جمعت كثيرا منها من نهج خير الرجال سيدنا و رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام. أملك بعضا من هذه القيم و أجد صعوبة فى تنمية بعضها الآخر فى شخصيتى و لكننى سوف أتطلع دائما إليها لتكون دستورا أنتهجه لكى أكون رجلا أفضل.
هذا كان ملخصا لموضوع طالما شغلنى لخطورة تأثيره من وجهة نظرى على بناء شخصية الرجال و ما يترتب عليه من تبعات على الأسرة و المجتمع بأسره.
و أرجو من متابعى موقعى الكرام رجالا و نساء المهتمين بذات الموضوع أن يضيفوا و يكتبوا على مواقعهم آرائهم فى موضوع صناعة الرجال و ما هو مفهومهم عن قيم الرجولة الحقيقية و ذلك للاستفادة من خبراتكم.