أثارت حفلة أقيمت بأحد المساجد الكويتية مؤخراً جدلا فقهيا حول جواز إقامة الاحتفالات في المساجد من الأصل، وما الضوابط الشرعية التي يجب أن يلتزم بها منظمو الاحتفالات والمشاركون فيها؟ ومتى تكون هذه الاحتفالات حراما ويأثم كل من يشارك فيها؟
وأثيرت القضية حينما انتشرت صور للحفل على مواقع التواصل الاجتماعي كالتويتر والفيسبوك، تظهر وضع طاولات وكراسي في ما يشبه أجواء الحفل الغنائي داخل صحن المسجد.
وتزامن انتشار الصور مع التصريحات النيابية من قبل أعضاء الكتلة الإسلامية في مجلس الأمة الكويتي تجاه وزير العدل والأوقاف، حيث تساءل أحد النواب قائلا: هل الوزارة على علم بهذا الاحتفال؟ وما هي حقيقة وأسباب إقامته؟ وهل روعي في هذا الاحتفال حرمة المسجد؟ وما هي ديانة من قاموا بهذا الاحتفال؟".
وبغض النظر عن ظلال القضية السياسية داخل دولة الكويت أثارت أسئلة كثيرة تتعلق بأصل التعامل مع المساجد، خاصة في بلاد إسلامية كثيرة أصبح الاحتفال داخل المساجد في مناسبات عدة من الأمور التي اعتادها الناس..
المشكلة في التفاصيل
في البداية أكد الشيخ جمال قطب الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر أنه من حيث المبدأ لا مانع شرعا من إقامة الاحتفالات الدينية بكل أشكالها في المسجد ولكن المشكلة في تفاصيل تلك الاحتفالات وما يتم فيها وفي ضوء ذلك يكون الحكم الشرعي بالمنع أو الإباحة.
وأشار في حديثه لـ"إسلام أون لاين" إلى أنه إذا تمت مراعاة الآداب والأحكام الشرعية بما لا يخل بقدسية المسجد ووقاره من عدم وجود مخالفات شرعية مثل عدم الاختلاط أو عم حدوث أقوال أو أفعال تخالف الشرع فلا مانع منه حتى ولو تم رفع الفرش ووضع مناضد وكراسي مكانها لزوم الاحتفال والعكس صحيح في حالة حدوث أي مخالفات شرعية.
واستشهد الشيخ قطب بما أباحه الرسول صلي الله عليه وسلم للأحباش في مسجده بما يشبه "الأكروبات" أو الأنشطة الترفيهية، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا انظر إلى الحبشة ( الأحباش) يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أسأم فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على الله ويقاس علي ذلك أن إقامة أي احتفالات بالمسجد مباحة من حيث المبدأ طالما انه ليس فيها ما يخل بحرمة واحترام المسجد وكذلك إذا كان منظمي الاحتفال والمشاركين فيه من المؤتمنين ولا يعتدون على حرمة المسجد ولو للحظات لأنهم إن فعلوا ذلك كانوا آثمين شرعا.
حلال بضوابط
وأشار الدكتور عبد الحي الفرماوي وكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر إلي أن إقامة الاحتفالات حتى ولو كانت غنائية دينية بالمسجد مباحة طالما أن الغناء ليس فيه ما يغضب الله لان المبدأ "إن الغناء كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح" وقد كان الصحابة – رضوان الله عليهم – ينشدون في المسجد وكذلك كان حسان بن ثابت يقول أشعاره بالمسجد النبوي.
واستطرد الدكتور عبد الحي لـ"إسلام أون لاين" "يتوقف الحكم الشرعي علي النية والغرض من الاحتفال وفي ضوء ذلك يكون الحكم الشرعي بالحل أو الحرمة، ومن هنا ننبه إلي أهمية الإشراف الدقيق وعدم التهاون مع أي مخالفة حتى ولو كانت صغيرة؛ لأن "معظم النار من مستصغر الشرر".
وعن الحكم الشرعي إذا تهاون المشرفون على تنظيم تلك الاحتفالات أو المشاركون فيها قال الفرماوي: يكون الجميع آثم شرعا لأنهم لم يرعوا قدسية بيت الله وأخشى أن يدخلوا فيمن قال الله فيهم "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
لا إباحة أو منع بإطلاق
ويري الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشئون الدعوة أنه من الخطأ الإباحة أو المنع بإطلاق وإنما لكل مقام مقال ولكل حادث حديث بمعني أنه يجب دراسة كل احتفال على حده ومعرفة تفاصيل ما يحتويه قبل انعقاده وفي ضوء ذلك نحدد الحلال والحرام فيه مع العلم أن المسجد في الإسلام ليس مكانا يقتصر دوره علي الصلاة أو العبادة فقط وإنما يتسع دوره إلي إدارة شئون البلاد ومعالجة كل المشكلات، أي أنه ليس مجرد مبني تعبدي أصم بل إنه خلية نحل وفق ضوابط شرعية وليس وفق أهواء شخصية.
ودعا عبد الجليل إلى الوسطية في معالجة هذه القضية الحساسة التي فيها آراء مختلفة وكلها تستهدف المحافظة علي حرمة وقدسية المسجد، ومن ثم فإن من الخطأ " التهويل أو التهوين" من القضية.. حسب تعبيره.
وأوضح أن وزارة الأوقاف المصرية باعتبارها المشرف الرئيسي على الغالبية العظمى من المساجد المصرية لا تمنع أي احتفالات منضبطة مثل ما يقام في المناسبات الدينية المختلفة، سواء في رمضان أو شعبان أو رجب، أو غيرهم من شهور المناسبات الدينية، وهذا كله يتم في إطار ديني فيه الوقار والتنظيم ولا توجد بها أية مخالفات شرعية.
وأكد عبد الجليل على أن وزارة الأوقاف المصرية تتصدي بكل حزم لأية احتفالات تمس قدسية المسجد أو سلوك مرفوض شرعا، مثل محاولات بعض المطربين أو المطربات تصوير أغاني داخل المساجد، سواء كانت أثرية لا تقام فيها الصلوات، أو من المساجد الحديثة.
محظور شرعا
ويعترض الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سابقا على تنظيم حضور أي احتفالات قد تكون مدخلا لمخالفات شرعية؛ لأن سد الذرائع والأخذ بالأحوط أفضل في عصرنا الذي قل فيه الإيمان وزادت المخالفات الشرعية بكل أنواعها ما ظهر منها وما بطن.
ولهذا يقول البدري لـ"إسلام أون لاين": "أتحفظ علي قياس إباحة احتفالاتنا سواء الخطابية أو الغنائية – التي يطلق عليها غناء ديني- بالمساجد بما كان مباحا في العصر النبوي أو حتى عصر الخلفاء الراشدين باعتباره خير القرون، وبالتالي لا يُمكن أن يُستَدَلّ بإنشاد شعراء الصحابة الأشعار في المسجد لِسببين:
أولهما أن الإنشاد المقصود هو إلقاء الشعر مِن غير تَغَنٍّ به، وثانيهما أن كثيرا مِن المدائح النبوية سواء كانت حديثة أو من العصور الماضية لا تخلو من غُلوّ وإطراء نهي عنه الشرع، وقد قال عليه الصلاة والسلام "لا تطروني كما أطْرَتِ النصارى ابن مريم فإنما أنا عَبْده فقولوا: عَبْدُ الله ورسوله".
ويتذكر البدري قائلا: في إحدى احتفالات الطرق الصوفية في أحد المساجد الكبرى وكان الاحتفال منقولا عبر الهواء في التلفزيون أن احد أقطاب الصوفية كان يقول شعرا ورواد المسجد يصفقون كلما توقف..." وتساءل: ألا يتنافي ذلك مع قدسية المسجد باعتباره مكانا للعبادة والسكينة والاطمئنان وليس قاعة للتصفيق".
تحذيرات من التهاون
ويحذر الشيخ هاشم إسلام عضو لجنة الفتوى بالأزهر من التهاون في حرمة المساجد إذا تم التوسع في الإباحة، مؤكدا أن المساجد في التاريخ الإسلامي لها قدسيتها، حتى على مستوى التعامل الدنيوي، حيث كانت تدار منها الدولة الإسلامية ويعرض المسلمون كل شئون حياتهم فيها، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل وفد نصارى نجران في مسجده لأنه كان مقر إدارة وقيادة الدولة.
وأرسل هاشم إنذارا شديد اللهجة لمن يتهاونون في احتفالات المساجد أن يدخلوا ممن قال الله فيهم "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
وأكد أن السعي في الخراب بمكن أن يكون بتفريغ المسجد من قدسيته، والتهاون في حقه واعتباره مجرد مكان للهو شأنه شأن أماكن أخرى، وتحويله عن رسالته السامية في خدمة الأمة..
واستطرد: وإذا كان الله قد توعد في الآية السابقة المتهاونين في شأن المساجد فقد وعد المحافظين علي عمارتها ليس بالبناء فقط بل بجعلها خلية نحل لخدمة الأمة كما كانت في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين، فقال سبحانه "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين".
وحذر هاشم المتهاونين في حرمة المساجد بإباحة إقامة الاحتفالات فيها بلا ضوابط شرعية من تكرار مأساة قيام المطربة المصرية أنغام بتصوير كليب أغنية لها داخل أحد المساجد الأثرية في مصر عام 2007 مما يعد انتهاكا صارخا لحرمة بيوت الله في الأرض والتي تعد المحافظة عليها من أي انتهاكات أو اعتداءات واجب شرعي علي كل المسلمين كل حسب استطاعته سواء كان حاكما أو محكوما.
يذكر أن وزارة الأوقاف الكويتية لم تصدر أي بيان يوضح ملابسات الموضوع، لكن بيانا صدر عن مؤسسة الرعاية السكنية، وهي الجهة الحكومية المشرفة على بناء المسجد، أن الصور التي انتشرت هي بالفعل من داخل المسجد، لكنها ليست حفلة، بل احتفال أقيم داخل المسجد بمناسبة الانتهاء من تشييده.
وأضافت المؤسسة في بيان وزعته أن مسجد حفصة بنت عمر رضي الله عنهما بضاحية عبد الله المبارك غرب العاصمة الكويت، والذي أقيم فيه الاحتفال؛ لم يصلها التيار الكهربائي، ولم يؤثث ولم يسمح بالصلاة فيه بعد لعدم جاهزيته، وأن الاحتفال الذي أقيم داخله كان ابتهاجاً بالانتهاء من تشييده فقط.